فیما تستلم سوریا الدفعة الاولى منها..

إلى أي مدى ستغير صواريخ إس-300 معادلات المنطقة؟

إلى أي مدى ستغير صواريخ إس-300 معادلات المنطقة؟
الأربعاء ٠٣ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٨:٥٠ بتوقيت غرينتش

وأخيرا أعلنت روسيا وعلى لسان وزير دفاعها "سيرغي شويغو" أمس الثلاثاء، بأنها سلمت سوريا 49 قطعة من المعدات العسكرية في إطار إتفاق ثنائي سابق لتوريد "اس-300"، اضافة الى "رادارات استشعار، وأنظمة التعريف الرئيسة، وآلات التحكم، وأربعة منصات إطلاق”.

العالم- تقارير 

 واضاف الوزير ان بلاده ستستكمل جميع الأعمال مع إعداد وتدريب الطواقم، وربطها في شبكة واحدة بحلول 20 تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

ومما لاشك فيه ان تسليم هذه الدفعة من الصواريخ الروسية المتطورة لسوريا لم يكن وليد الساعة بل انه جاء نتيجة اتفاق استراتيجي للدفاع المشترك بين الحليفين التقليديين روسيا وسوريا التي تعود علاقاتهما الاستراتيجية لاكثر من خمسة عقود.

لكن ما يلفت الإنتباه ان الحرب التي شُنت على سوريا قبل أكثر من سبعة اعوام، شاركت فيها معظم الدول الإقليمية وبالتحديد الدول العربية المطلة على الخليج الفارسي (إضافة الى مصر والأردن التابعتين لنفس الخط السياسي بقيادة أميركا)، وكلها كانت تنادي وبأعلى الاصوات إسقاط الحكومة السورية.

ولم تأل كل تلك الدول اي جهد في الإطاحة بالحكومة السورية من دعم مالي ولوجستي، أو فتح المعابر امام الجماعات الارهابية التي تم نقلها من أكثر من 85 بلدا من مختلف انحاء العالم.

لكن ومع إتساع رقعة اخبار إحتمال تسليم روسيا صفقة صواريخ "اس 300" للحكومة السورية وجدنا الكثير من تلك الدول تحاول كسب ود الحكومة السورية وراحت تغازلها من خلال ايفاد وفود او اجراء مقابلات ومصافحات والى غير ذلك، ناهيك عن الولايات المتحدة الأميركية التي قادت الحرب ضد الحكومة السورية تحت غطاء ما أسمته بـ "التحالف الدولي".

وبمراجعة سريعة للتطورات الاخيرة التي شهدتها الساحة الاقليمية يمكن الوصول الى أصداء وتأثيرات تسليم روسيا صواريخها المتورطة للحكومة السورية.

وفي هذا الإطار أكد ما يسمى بـ "التحالف الدولي" الذي قادته واشنطن محاولة منها للإطاحة بالحكومة السورية تحت غطاء مكافحة "الإرهاب" وبالتحديد تنظيم "داعش" الإرهابي الذي اوجدته بمساعدة السعودية ودول مجلس التعاون قبل بضعة أعوام، اكد هذا التحالف وعلى لسان المتحدث باسمه "شون ريان" أن "تسليم الصفقة الروسية لسوريا لا يغير أي شيء مضيفا أنهم لديهم قناة اتصال روسية أميركية خاصة بمنع وقوع أي صدام في سوريا.

لكنه لم يتمكن من إخفاء القلق الذي يساور حكومة واشنطن من الخطوة الروسية حيث قال: "عندما تدخل أسلحة جديدة إلى المنطقة، فهذا أمر مثير للقلق، لكن لدينا عملية تمنع نشوب الصراعات".

ولم تتأخر الخارجية الأميركية عن تأكيد الموقف حيث سارعت المتحدثة باسمها "هيذر ناويرت" للقول: "بأن الولايات المتحدة ليس لديها معلومات عن توريد منظومة صواريخ “إس-300” الروسية إلى سوريا وتأمل أن لا يحدث ذلك، وتابعت كلامها بالقول: "هذا سيكون نوعاً من التصعيد الخطير فيما يتعلق بالمشاكل الموجودة في سوريا” .

أما الدول الإقليمية هي الاخرى راحت تكسب ود الحكومة السورية وتتقرب اليها حيث شهدت الساحة الاعلامية خطوات مشهودة من الأردن والإمارات والبحرين تجاه سوريا.

فكان الاردن اول جهة تعلن تطبيع علاقاته مع سوريا وأجرى رئيس مديرية المخابرات العامة الاردنية "علي مملوك"، لقاءات متعددة في مدينة المفرق الاردنية مع رئيس مكتب الامن الوطني السوري "عدنان عصام الجندي"، تمخض عنه الإتفاق حول التعرف على ما تبقى من معاقل الجماعات المسلحة التي كانت تحتمي بالمظلة الأردنية في مدينة درعا السورية.

وتطور الحوار العمل على تمهيد فتح المعابر بين البلدين وفي مقدمتها معبر نصيب- جابر تمهيدا لعودة اللاجئين السوريين الذين شردتهم حرب الجماعات الارهابية على سوريا قبل أكثر من سبعة اعوام.

ومن يتابع الصحف الإماراتية بإمكانه الوصول الى المساعي التي بذلتها هذه المشيخة لتأمين حصتها من النفوذ والمشاركة في إعادة بناء سوريا، بعد أن يئست كل الأطراف من الإطاحة بحكومتها الشرعية.

وكانت الإمارات اول من أرسل وفدا ضم رجال أعمال إلي سوريا في آب الماضي ليؤكد استعداد بلاده للمشاركة في إعادة اعمار سوريا وما دمرته الحرب خلال السنوات الماضية.

وقد اكدت صحيفة الاخبار اللبنانية ان: "علي بن حمد الشامسي"، نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي في الإمارات قد زار دمشق أيضاً في يوليو/تموز الماضي، والتقى مع "محمد زيتون"، المدير العام للأمن السوري.

اما البحرين هي الاخرى حاولت التكفير عما ارتكبته من دعم للجماعات التكفيرية الإرهابية التي عبثت بالأمن والسلام السوريين خلال الأعوام الماضية وراحت تكسب ود الحكومة السورية من على أعلى مستويات ممكنة حيث التقى وزير خارجيتها الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، نظيره السوري وليد المعلم وأجرى حوارا قصيرا معه، على هامش اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك الاسبوع الماضي. 

وبالرغم من ان الوزير البحريني قال ان اللقاء جرى دون اي تخطيط مسبق، إلا ان المراقبين يعتقدون، ان البحرين لا يمكن ان تقدم على خطوة كهذه دون اخذ الضوء الأخضر من السعودية وهذا يعنى ان التيار الذي فشل في اسقاط الحكومة السورية، أضحى اليوم بصدد استقطابها، ومما لاشك فيه هناك دور للرياض وابوظبي في تنفيذ هذا المشروع الاستراتيجي على الارض.  

ويرى المراقبون أن كل هذه التطورات جاءت بعد نجاح سوريا في ترسيخ المصالحات الوطنية، وبعد ان توحدت سوريا داخليا، وقررت التخلص من ما تبقى من الجماعات الارهابية في محافظة ادلب، حيث نجاحها كان بمثابة دق آخر مسمار في نعش الجماعات الارهابية الداخلة على سوريا وفشل داعميها في تمزيق هذا البلد العربي المسلم.

خاصة وان الدول الضامنة اكدت دعمها للعزيمة السورية خلال القمة الثلاثية التي استضافتها طهران الشهر الماضي، وتجسدت تلك الارادة باتفاق ثنائي بين أهم ما تبقى من داعمي تلك الجماعات ممثلا بالرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الروسي في اجتماع سوتشي وبات الامر مسئلة وقت للتخلص من الجماعات المسلحة.

هذا التطور تزامن مع الاجتماع الامني الاقليمي الذي استضافته طهران مطلع الاسبوع القادم ليرسخ التعاون الامني بين أكبر بلدان الشرق ممثلة بروسيا والهند والصين وايران وافغانستان. 

وأعقب ذلك الإعلان عن توقيع اتفاق امني في المستقبل القريب بين روسيا والهند وتزويد الاخيرة بصواريخ إس 400 الروسية، الأمر الذي اربك معادلات الغرب واصابعه في المنطقة، وما ان تم الإعلان عن تسليم صفقة الصواريخ الروسية لسوريا حتى اعلنت واشنطن انها ستقدم 3.8 مليار دولار سنويا في اطار الدعم العسكري للكيان الاسرائيلي وعلى مدى العشر سنوات القادمة.

فما هي حقيقة مزاعم الخارجية الاميركية بشأن الصواريخ الروسية؟ وهل انها حقا لم تغير شيئا من معادلات المنطقة؟ وان كان كذلك فلماذا إعتبر المتحدثة بإسمها "هيذر ناويرت" بأن الخطوة ستكون نوعا من التصعيد الخطير في المنطقة؟

تساؤلات تجيب عنها التطورات التي ستشهدها المنطقة في قادم الأيام.

*عبدالهادي الضيغمي