اس 300 تکبح جماح "اسرائيل" وتعيد ميزان القوی لسوريا

اس 300 تکبح جماح
الجمعة ٠٥ أكتوبر ٢٠١٨ - ١٠:١٦ بتوقيت غرينتش

يبدو ان تداعيات حادثة إسقاط الطائرة الروسية في سوريا وبالتالي عزم روسيا علی تزوید سوريا بمنظومة اس 300 لا تزال تمارس تأثيرها على الساحة السياسية في اسرائيل وتلقي ظلالها علی مستقبل العلاقات الثنائية بين موسکو وتل ابيب.

العالم- تقارير

فبعد التصرفات المتهورة والطائشة لـ"اسرائيل" في الآونة الاخيرة وآخرها اقدام هذا الکيان الغاشم علی اسقاط الطائرة الروسية جاء الرد الروسي الصارم، الذي اقض مضاجع الصهاينة و اثار قلقا کبيرا عندهم بشان فرض روسيا قيودا علی مدی حرية عملهم في سوريا، کما دفعهم الی تبني شيء من الحذر والحکمة في خطواتهم العسكرية اللاحقة وسلوكهم الدبلوماسي، واثار عندهم تساؤلات عديدة حول مستقبل علاقاتهم بروسيا.

والقلق الاسرائيلي کان في محله. اذ وصفت روسيا الهجوم الإسرائيلي كاستفزاز مقصود، وأوضحت بأنها تحتفظ بحقها في الرد على قتل جنودها، وأنها ستتخذ خطوات رد في مجال الدفاع عن قواتها في سوريا. ومن هنا اتی القرار الروسي بتزويد سوريا بمنظومة اس 300.

ولم یقل وزيرالدفاع الروسي بصراحة ان هذا الإجراء يهدف إلى منع الطائرات الإسرائيلية من الوصول إلى مناطق في سوريا، أو تعطيل الصواريخ والقنابل التي يطلقها سلاح الجو الإسرائيلي، ولكن من الواضح أن الطائرات الإسرائيلية والأسلحة الموجهة بدقة هو ما كان يدور في خلد الروس، عندما سلموا سوريا هذه المنظومات المتطورة.


وقد بدأت "اسرائيل" بمساع دبلوماسية لتدارك الامر تضمنت حديث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مع بوتين ومعارضته الشديدة قرار روسيا تزويد سوريا بالمنظومة مشيرا الی أن نقل أسلحة متطورة لجهات غير مسؤولة سيزيد من حدة المخاطر في المنطقة، مؤكدا في الوقت نفسه أن "اسرائيل" ستواصل الدفاع عن أمنها ومصالحها وانها تحول دون التغلغل الايراني في سوريا.  

کما اصدر الجيش الاسرائيلي بيانا يوضح الحادثة، ویعرب عن الأسف عن موت الجنود الروس، ولكنه وجه المسؤولية لسوريا. لکن وفق صحيفة "يديعوت أحرنوت" فان الأزمة اشتعلت أكثر وأكثر، عقب زيارة وفد الجيش الإسرائيلي إلى موسكو، والتي كان هدفها تخفيض مستوى اللهيب"، واعتبرت الصحيفة هذه الازمة غير قابلة للحل، كاشفة أن الرسائل الواردة من موسكو لا تشجع زيارة القيادة السياسية الإسرائيلية إليها، مما یدل علی ان الرسالة الروسية لـ"اسرائيل" هي رسالة سياسية لا لبس فيها، وان الفترة القادمة ستكون عصيبة علی "اسرائيل".

وللرد علی الموقف الروسي الصارم اتت قبل ايام مزاعم وزير التعاون الإقليمي الإسرائيلي تساحي هنجبي ومفادها أن طائرات الشبح الإسرائيلية، بإمكانها التغلب على منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-300".

ونفی الوزیر نفسه امکانية تاثير هذه المنظومات على حرية عمل الطائرات الإسرائيلية في الأراضي السورية، وأضاف اننا "دائما ندرك كيف نتعامل ونواجه التهديدات"، مؤكدا أن "القدرات التشغيلية للقوات الجوية الإسرائيلية ليست مقيدة عن العمل مع وجود مثل تلك البطاريات (إس-300") و أن "إسرائيل" تمتلك طائرات الشبح "إف-35" الأمريكية، وهذه البطاريات (إس-300) غير قادرة على اكتشافها.

وهذه التصريحات کما هو معلوم تفتقر الی الموضوعية ويسودها القلق ویعتريها الارتباك.

وقد حاول كاتب إسرائيلي ان يربط بين توتر العلاقات الراهنة بين روسيا و"اسرائيل" وبين ظاهرة تزايد انتشار معاداة السامية في روسيا، وتصاعد حملات الكراهية ضد الإسرائليين في وسائل الإعلام الروسية.

وقال أريئيل بولشتاين، في مقاله بصحيفة "اسرائيل" اليوم: "إن الصحف المحلية الروسية منذ سقوط الطائرة الروسية في سوريا، وهي تأخذ زمام المبادرة في معاداة إسرائيل، وتقوم بتحريض الرأي العام الروسي، والضغط على مؤسسة الحكم في الكرملين".

وأضاف: "إسرائيل لديها من المخاوف ما يكفي بسبب تطورات الأزمة مع روسيا في الآونة الأخيرة"، لافتا إلى أن مسارعة موسكو إلى اتهام تل أبيب بإسقاط الطائرة، تسبب في إيجاد حالة غير مسبوقة من المشاعر والردود المعادية لـ"اسرائيل" بصورة كبيرة، لم ير مثلها الإسرائيليون منذ عشرات السنين".


وأكد أن "غالبية المواقع الإخبارية والمنتديات الحوارية الروسية شنت هجمات واسعة على "اسرائيل"، وطالبت بمعاقبتها، سواء بتسليح النظام السوري بسلاح متقدم، أم بتفجير مطارات جوية في إسرائيل".

ويحذر الكاتب الإسرائيلي من خطورة الاستخفاف بمثل هذه الدعوات، سواء بسبب حجمها المتزايد، أم لأن من أطلقها ليسوا مجرد مدونين أو نشطاء تواصل اجتماعي مغمورين، يجلسون خلف شاشات الحواسيب".

وأوضح أن "العداء الروسي لم يقتصر على "اسرائيل" فقط، وإنما على اليهود أيضا الذين تم تشبيههم بالمستغلين، يعملون في الخفاء بطرق التفافية، ويختبئون وراء الأبرياء".

وتابع قائلا: "الأخطر في العداء الإعلامي الروسي لـ"اسرائيل"، هو أن بعض الإسرائيليين اصطفوا بجانبه، مثل يعكوب كدمي رئيس شركة الاتصال الخارجية "نتيف" وجدعون ليفي من صحيفة هآرتس، اللذين تبنيا رواية إسقاط الطائرة، واتهما "إسرائيل" بعدم المسؤولية، وباتا ضيفين على الإعلام الروسي.

وفي احدث المواقف، قال الجنرال الاسرائيلي السابق رام شموئيلي إن وصول صواريخ "إس 300" الروسية إلى سوريا مجرد "لعبة استراتيجية" وأن قوات سلاح الجو الإسرائيلي يمكنها استهداف بطاريات الصواريخ داخل سوريا نفسها، إن أرادت.

وأوضح الجنرال رام شموئيلي، العميد السابق بسلاح الجو الإسرائيلي، أن خطوة روسيا بوجود اس 300 في سوريا هي رسالة مباشرة للولايات المتحدة، مدعيا أن هناك مباراة كبيرة تدار في سوريا، وعمل الجيش الإسرائيلي فيها لن يتغير.

ومهما يکن من امر فان الواقع يدل بما فيه الکفاية علی ان "اسرائيل" اليوم تمر بظروف عصيبة و تعيش ازمات مختلفة. فالشعب الفلسطيني المقاوم کان ومايزال يقض مضاجعها، کما يقض مضاجعها النفوذ الايراني المتزايد في المنطقة، وتلك الردود الروسية المفاجئة والصارمة بين حين وآخر و...الخ. فليس بمستبعد ان تقدم "اسرائيل" في الایام المقبلة علی أفعال خاطئة أخری کضرب سوريا أو لبنان مثلا لکي تستر علی هزائمها المتتالية وتستعيد شيئا من مکانتها المتزلزلة في الشرق الاوسط.

د. نظري