حكاية الدولار وخطط الحكومة الإيرانية

حكاية الدولار وخطط الحكومة الإيرانية
السبت ٠٦ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٦:٥٠ بتوقيت غرينتش

كثيرة هي المقالات التحليلية التي عرضت الوضع الإقتصادي الإيراني خلال الفترة الأخيرة في ظل فرض اميركا المرحلة الأولى من الحظر المزمع بعد خروجها من الإتفاق النووي.

وفي الحقيقة لم تكن هذه المقالات تلامس الواقع الموجود في الداخل الإيراني، حيث ان هذه المقالات التي كتبت بعضها بأقلام معادية لإيران وبعضها بأقلام مناصرة للجمهورية الإسلامية تضمنت مبالغات كبيرة خرجت عن التوصيف والتحليل الدقيق للواقع الإقتصادي الإيراني في ظل اجراء اقسى حظر اقتصادي ضد ايران في التاريخ كما وصف اميركيا.

وهنا تجدر الإشارة إلى انه اخر تقرير لصندوق النقد الدولي كشف ان ذخائر ايران من الدولار والذهب هذا العام (2018) ستبلغ 108.4 مليار دولار اي ان هذا العدد سيشهد ارتفعا بمقدار 13.3 مليار عن العالم الماضي حيث كان الرقم في نهاية عام الفين وسبعة عشر 95.1 مليار دولار.

وهذا يعني ان ايران تقع في الخمس الأول من الجدول الذي يضم كل دول العالم من حيث ترتيب امتلاك ذخائر العملات الصعبة والذهب، وهذا موقع لا يمكن الإستهانة به حيث تتفوق ايران في ذخائرها على كل من بريطانيا والدنمارك وكندا واستراليا بالإضافة إلى العديد من دول العالم الأخرى، كما انه يعطي قوة للعملة الوطنية الإيرانية ويحد من انخفاض قيمة هذه العملة بشكل كبير، ولكن ماذا حدث حتى شهدنا انخفاضا غير مسبوق في قيمة الريال الإيراني بعد دخول المرحلة الأولى من الحظر الأميركي حيز التنفيذ؟ 

في الحقيقة فإن هذا الهبوط يعود لعدة اسباب منها الحرب الإعلامية الضخمة التي لحقت هذا الإنسحاب والتي اثرت على الكثيرين من الذين بادروا بشراء الدولار بشكل شبه جنوني خوفا من انهيار قيمة الريال الإيراني، والسبب الآخر هو تأخر الحكومة بتقديم برنامج اقتصادي لمواجهة هذا الحظر، وظن البعض ان الحكومة اضحت عاجزة على السيطرة على قيمة الدولار في السوق السوداء، وهذا ما عززته نوعا ما بعض الإجراءات الحكومية التي وصفها بعض المحللين السياسيين بالإعتباطية والتي أثرت بشكل سلبي على قيمة العملة الوطنية وسببت انخفاض قيمتها بشكل كبير، وما حدث بعد هذا هو ان الحكومة عادت مرة اخرى لإيقاف الإجراءات التي اتخذتها وهذا ايضا اثر بشكل سلبي على قيمة العملة الوطنية وارتفاع سعر الدولار إلى ارقام خيالية وصفت من قبل بعض المحللين الإقتصاديين بالفقاعات الرقمية.

وبعد هذا "التخبط الحكومي" إن صح التعبير اعادت الحكومة الإيرانية وبتأن كامل هيكلة برنامجها الإقتصادي وتم اجراء بعض التعديلات في الفريق الإقتصادي.

وعلى رأس هذه التغييرات كان رئيس البنك المركزي الذي جاء بمشاريع جديدة من شأنها ان تلتف على الحظر الأميركي وذلك من خلال انشاء منظومة اقتصادية الكترونية من شأنها ان تقوم بتدوير العملة الصعبة بطريقة المقايضة، وتم إدخال قسم من صادرات ايران غير النفطية إلى هذه المنظومة، ورافق هذا اجراءات اخرى اجمع عدد كبير من الإقتصاديين انها جيدة، وفعلا استطاعت هذه الإجراءات ان تلجم ارتفاع قيمة الدولار إلى حد جيد.

وتجدر الاشارة إلى ان التخبطات السابقة رافقتها تخبطات غير طبيعية في اسعار السلع اللازمة لحياة المواطن الإيراني.

وشهد السوق الإيرانية ارتفاعا كبيرا في اسعار عدد من المواد الغذائية والفواكه والخضروات وهذا ما اثار حفيظة اصحاب الدخل المحدود لمطالبة الحكومة بإجراءات جادة في ترويض هذه الارتفاعات التي اثرت على حياتهم.

ولمواجهة هذه الحالة قامت الحكومة الإيرانية بمحاولة عزل قوت المواطن الإيراني عن قيمة الدولار، بمعنى انها قامت بإتخاذ عدد من الإجراءات دعمت من خلالها استيراد السلع الأساسية بقيمة مدعومة من الحكومة، وخرج الرئيس حسن روحاني ليتعهد بمتابعة هذا الدعم بشكل دائم، ومن خلال هذا الإجراء تم السيطرة على سعر السلع الرئيسية مثل الرز والسكر والزيت وما إلى ذلك... ولكن هذا لا يعني ان هذه السلع بقيت بنفس السعر بل انها ارتفعت بشكل طفيف ولم ترافق قيمتها قفزات قيمة الدولار الذي شهدها السوق.

وبالتزامن مع هذه الإجراءات بدأ القضاء الإيراني بمحاكمة المفسدين الإقتصاديين الذين حاولوا التلاعب بقيمة الدولار وقيمة السلع الأخرى بهدف تحقيق ربح اكبر على حساب قوت المواطنين اصحاب الدخل المحدود.

وتم اصدار احكام قاسية في حقهم خلال الفترة القصيرة الماضية، كما قامت القوات الأمنية الإيرانية بتفكيك شبكات على صلة بالخارج كان من شأنها توتير السوق السوداء للعملة الصعبة، وقامت ايضا اجهزة الأمن بكشف عدد من المخازن التي تم فيها احتكار كميات كبيرة من البضائع بما فيها أدوية منتهية الصلاحية.

ومع الإجراءات السابقة، بدأت فعلا العملة الوطنية الإيرانية تستعيد عافيتها بشكل ملحوظ، وخلال الأيام الأربعة الماضية شهدت اسعار الدولار في السوق السوداء هبوطا غير مسبوق، وبدأ تهافت الكثير من الناس إلى الأسواق السوداء لبيع مخزوناتهم من الدولار.

ولكن هذا لا يعني أن نهاية المشكلة الإقتصادية للبلاد، فما زالت حتى اللحظة الحرب الإقتصادية ضد ايران قائمة وما زال هناك بعض الدول تحاول زعزعة الإقتصاد، كما ان المواطن الإيراني مازال ينتظر من الحكومة المزيد من الإجراءات التي تضمن عودة الأسعار إلى ما سبق بما فيها اسعار الإلكترونيات والهواتف النقالة التي شهدت ارتفاعا ولم تعد تتناسب مع دخل المواطن الإيراني بشكل عام.

*باسل كعدة