بصمات جنوب أفريقيا في الحرب الشعواء على اليمن

بصمات جنوب أفريقيا في الحرب الشعواء على اليمن
الإثنين ٠٨ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٦:٥٦ بتوقيت غرينتش

​​​​​​​كشفت مصادر موثوقة النقاب عن تورط دولة جنوب افريقيا في الحرب المدمرة التي تقودها السعودية والامارات على اليمن، الى جانب اميركا وبريطانيا.

العالمتقارير

وأكدت شبكة "ميديا ريفيو" الجنوب أفريقية، في تقرير صدر في سبتمبر/أيلول الماضي تحت عنوان "جرائم حرب اليمن: صناعة جنوب أفريقية؟"، أنه رغم الدمار والأزمة الإنسانية اللذين جلبتهما الحرب، فإن العديد من الدول بما في ذلك جنوب أفريقيا بقيت حريصة على تزويد السعودية وحلفائها بالأسلحة.

ولفتت الشبكة إلى أنه رغم استمرار الولايات المتحدة وبريطانيا في تصدر لائحة الموردين الرئيسيين للتحالف السعودي الإماراتي بالأسلحة، فإن شركات الأسلحة الجنوب أفريقية تسعى جاهدة لتحصيل أكبر مكاسب مادية ممكنة من الحرب الدائرة، مما يجعلها متواطئة بشكل متزايد في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن.

العدوان على اليمن و السخاء الخليجي تجاه بريتوريا

في يوليو/تموز الماضي زار رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا كل من السعودية و الامارات و وصفت هذه الزيارة ب"المثمرة" و حصد على أثرها رئيس جنوب أفريقيا استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار من كل دولة. وأثارت قيمة هذه الاستثمارات في بلد أفريقي قصي لا يعد شريكا اقتصاديا رئيسيا لكلتا الدولتين، تساؤلات عدة بشأن ماهيتها ومبرراتها.

ولعل كلمة السر لفهم بعض تفاصيل هذا السخاء الخليجي اللافت اتجاه بريتوريا هي "حرب اليمن"، إذ تؤكد الأرقام نموا مضطردا في صادرات جنوب أفريقيا من الأسلحة إلى دول الخليج الفارسي منذ بداية الحرب على هذا البلد العربي عام 2015.

وعلى هامش زيارة رامافوزا للرياض، أكد رئيس مجلس إدارة الشركة السعودية للصناعات العسكرية أحمد بن عقيل الخطيب، في لقاء بمدينة جدة مع وزيرة الدفاع في جنوب أفريقيا نوسيفيوي مافيسا نكاكولا، بوضوح أنه تم الاتفاق على مزيد من توطيد العلاقات العسكرية بين البلدين.

وذكر المسؤول السعودي أنه تم التوافق على "وضع خطة للتعاون في مجال تطوير صناعة بعض المنظومات العسكرية الدفاعية المتقدمة.. وأن اللقاءات ستستمر بين البلدين لتنفيذ برامج مشتركة تهدف إلى نقل وتوطين الصناعات العسكرية إلى المملكة تنفيذًا لرؤية المملكة 2030".

اللجنة الوطنية لمراقبة الأسلحة التقليدية في جنوب أفريقيا تكشف عن المستور

كما كشف تقرير "اللجنة الوطنية لمراقبة الأسلحة التقليدية في جنوب أفريقيا" (أن سي أي سي سي) أنه تم توفير أسلحة وذخائر ومركبات مدرعة، فضلا عن المراقبة والتقنية العسكرية لكل من السعودية والإمارات خلال عامي 2016 و2017 بقيمة ثلاثة مليارات راند (حوالي 209 ملايين دولار). 

وظهرت أدلة دامغة أخرى تؤكد التورط الجنوب أفريقي في المستنقع اليمني، حيث بثت قناة "المسيرة" التابعة لحركة انصار الله في مستهل 2015 صور لطائرة من دون طيار من نوع "سيكر 2" تم إسقاطها داخل اليمن. وكانت تظهر بوضوح على الطائرة لوحة كتب عليها "صنع في جنوب أفريقيا.. من طرف شركة كارل زيس أوبترونيكس".

ويؤكد تقرير اللجنة أنه وقبل مدة طويلة من دخول تحالف العدوان رسميا في الحرب على اليمن، أظهرت صورة لرويترز في يونيو/حزيران 2011 جنودا يمنيين يجلسون فوق مدرعة "راتل" من صنع جنوب أفريقي، وعندما سئل رئيس مجلس إدارة اللجنة جيف راديبي في جلسة بالبرلمان عن كيفية وصول المدرعة لليمن، أجاب "لا أعرف".

ووفق بروتوكولات اللجنة، فإنه لا يمكن للمشترين إعادة تصدير الأسلحة إلى بلد آخر دون موافقة صريحة من جنوب أفريقيا، ومع ذلك فإن السعودية والإمارات تقومان بذلك بالضبط منذ أن بدأت الأسلحة الجنوب أفريقية تدخل بشكل منتظم في نزاع اليمن.

كما ينص قانون اللجنة الوطنية لمراقبة الأسلحة التقليدية في جنوب أفريقيا رقم 41 لعام 2002 على أنه يجب على اللجنة أن "تتفادى نقل الأسلحة التقليدية إلى الحكومات التي تنتهك حقوق الإنسان أو تخرقها بشكل ممنهج".

كما أن جنوب أفريقيا ملزمة، بموجب معاهدة الأمم المتحدة لتجارة الأسلحة التي صدقت عليها عام 2014، بوقف تصدير الأسلحة إذا كان من المحتمل استخدامها في انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني، وهو ما لا يبدو أن السلطات في بريتوريا تولي له كبير اهتمام.

في العام 2016، وبعد أن فشلت مساعيها لإقناع إدارة الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما بتزويد المملكة بطائرات مسيّرة من نوع "بريداتور"، تواصلت الحكومة السعودية مع شركة "دينيل"، مصنع الأسلحة المملوك للدولة في جنوب أفريقيا، من خلال عرض لتصنيع مركبة جوية غير مأهولة تستخدم في عمليات الاغتيال.

وكشف تقرير لموقع "ميدل إيست آي" أنه تم تغيير مدى استهداف مركبة "سيكر 400" إلى 160 ميلا، ومدة التحليق إلى 16 ساعة ليكون بإمكانها نقل صواريخ من نوع جو أرض وأخرى موجهة بالليزر، ورؤوس حربية متعددة الأغراض تناسب مهام الاغتيال.

 وفي وقت لاحق من العام نفسه، رافق رئيس الجمهورية حينئذ جاكوب زوما ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي يعد "مهندس حرب اليمن" بحسب كثيرين، لافتتاح منشأة "الخرج"، وهي مجموعة للصناعات العسكرية شيدت في الرياض بالتعاون مع شركة "دينيل".

ساسة بريتوريا تحت سطوة المال السعودي و الاماراتي

وإذا كانت هذه التطورات مثيرة للقلق داخل جنوب أفريقيا، فإنها ليست الوحيدة. فقد أفاد موقع "دفنينس ويب"، وهو الموقع الأول المتخصص في الدفاع والأمن بجنوب أفريقيا، بأن شركة دينيل قدمت في المدة بين عامي 2006 و2016 ما يقدر بنحو 192 مركبة نقل مدرعة من طراز "نيالا" (أعيد تسميتها باسم "العقرب" في الإمارات) إلى الإمارات العربية المتحدة.

وذكر تقرير للخبيرة الإستراتيجية في العلاقات الدولية الجنوب أفريقية زينات آدم، أن دينيل باعت للإمارات عام 2016 ما لا يقل عن 1600 قنبلة موجهة من طراز "أمباني" تستخدم من قبل طائرات الميراج الفرنسية الصنع.

كما أعلنت الإمارات، خلال معرض دبي للطيران العام الماضي، أنها طلبت طائرات استطلاع من دون طيار بقيمة 180 مليون راند (12 مليون دولار) من الشركة ذاتها.

وتؤكد "ميديا ريفيو" أن شركة "راينميتال دينيل مونييشن"، وهي فرع لشركة صناعة الأسلحة الألمانية العملاقة "راينميتال "، تجهّز عشرات الآلاف من قذائف الهاون والمدفعية وأكثر من 12 ألف قنبلة للإمارات العربية المتحدة.

كما كشفت مجموعة "باراماونت" الجنوب أفريقية المختصة في الصناعات الدفاعية في أبريل/نيسان الماضي أنها بصدد إجراء مباحثات مع السعودية لتطوير قدراتها في مجال الصناعات العسكرية.

وتصنع المجموعة التي تمتلك وحدات في كل من الأردن والهند، عربات مدرعة وطائرات وسفنا ومنظومات دفاعية. كما تساهم في تطوير ترسانة العهد السوفياتي من الأسلحة في بلدان عدة بالقارة السمراء.

وبسبب التكلفة الإنسانية لحرب اليمن والانتهاكات المستمرة لحقوق المدنيين، كما تؤكد تقارير منظمات حقوقية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، قررت دول عدة وقف صادراتها من السلاح لتحالف العدوان السعودي الإماراتي مثل ألمانيا والنرويج، في حين رفضت أخرى مثل النمسا وهولندا عروضا لبيع الأسلحة للسعودية للاعتبارات ذاتها.

حكومات هذه البلدان قد أدركت كما يبدو خطر التواطؤ المحتمل في جرائم حرب باليمن، لكن بريتوريا ورغم الأدلة التي تؤكد انخراطها في العدوان ، واستمرار تنسيقها العسكري الوثيق مع التحالف، لم تقدم بعد على اتخاذ خطوة في المنحى ذاته، كما تطالب جهات حقوقية من داخل البلد. فهل تذعن جنوب أفريقيا قريبا لصوت العقل أم إن سطوة المال وجبروت المصالح سيكونان أشد وأعتى على ساسة بريتوريا؟