سوريا من الحل العسكري إلى الحل السياسي.. ايهما اخطر؟

سوريا من الحل العسكري إلى الحل السياسي.. ايهما اخطر؟
الثلاثاء ٠٩ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٣:١٢ بتوقيت غرينتش

بعد فشل الولايات المتحدة وحلفائها في فرض واقع جديد في سوريا بالوسائل العسكرية والقتالية وخروجها بسمفونية محاربة الإرهاب وعلى رأسه داعش صنيعتها. استعادت بالمقابل الدولة السورية وبمؤازرة حليفها الروسي و الإيراني سيطرتها على مواقع مفصلية كالغوطة ودرعا وريفي حمص وحماه وفكت أنشوطة تديرها أنظمة مخابراتية بريطانية وفرنسية وأميركية وإسرائيلية وسعودية لضرب الدولة السورية في صميمها والإجهاض عليها.

العالم - سوريا

هذه اللعبة القذرة التي تدار في غرف عمليات مسلحة بأعلى التقنيات وأعتى الأدمغة فشلت خططها واحدة تلو الأخرى أمام العزيمة السورية الصلبة.

وبقيت الوحيدة مفخرة خططهم “مسرحية الكيماوي المفبرك” التي راهنوا عليها في معركة إدلب وجهزوا لها كل السيناريوهات المحتملة وأجهضها الدهاء الروسي باجتماعه في طهران في سبتمر/2018 بظهيريه التركي و الإيراني خاصة بعد أن لمس و الجانب السوري فظاعة ما تدبره تلك الأجهزة لضرب سوريا ضربة واحدة تقضي على كيان الدولة السورية ومؤسساتها وجيشها وتفتيتها كما حصل في العراق… لكن إرادة الله أوقعتهم في مطب مكرهم حين تسببت الغارة الاسرائيلية على سوريا بتحطيم طائرة ايل-20 الروسية المخصصة لقيادة العمليات من الجو قبالة بحر اللاذقية في 18/9/2018 و إلصاق تلك التهمة بالقوى الجوية السورية.

هذه المكيدة جلبت على طبق من فضة أربعة منصات صواريخ S300 تسلمتها سوريا إلى جانب رادار يمكننه تتبع مائة هدف معاً، وماهي إلا البداية لاستعادة التوازن الإستراتيجي طويل الأمد مع العدو الإسرائيلي الذي أرست سوريا أسسه مع الإتحاد السوفيتي في سبعينات و ثمانيات القرن المنصرم ، ولم تخرج ممازحة وزير الخارجية وليد المعلم عن هذا السياق بقوله : “نحن ننتظر بنفاذ الصبر الـ S400 ” و هي منظومة موجودة أصلاً في القاعدة الروسية في سوريا.
***
ترتيب الأوليات بين تأجيل معركة إدلب و خطر التواجد الأميركي المزدوج في منطقتي التنف و الشمال السوري أتى أكله وحطم الخطة الرامية إلى إضعاف الدور الروسي وإغراقه في المستنقع السوري حسب وصفهم.

كنت قد نوهت في مقالٍ سابق لي منشور في رأي اليوم أن الاحتلال الأميري في منطقة التنف يهدد دمشق مباشرة وهو ما أكده إصرار موسكو على لسان نائب وزير خارجيتها بضرورة إنسحاب الأميركان من التنف وتفكيك مخيم الركبان لتمكين المصالحات وعودة الأهالي إلى مناطقهم وإرسال المسلحين الرافضين إلى جرابلس، وإعرابه عن قلق موسكو من كونه معسكراً خلفياً آمناً توفره أميركا لمسلحي داعش الذين يشكلون تهديداً مباشراً وتأتي معارك الجيش السوري في بادية السويداء لتؤكد حقيقة هذا التهديد. لكنّ مساومة إرهابيي داعش على قبولهم دفع الفدية عن مختطفات السويداء بتوجيه من مشغليهم ينبأ بأن إغلاق هذا الباب نهائياً بات وشيكاً.
***
بيد أن ما يجب أن نضعه نصب أعيننا أن المشروع الأميركي ليس في إدلب أو في التنف فهما منطقتا مراوغة وإشغال رغم أهميتهما لقواعد اللعبة .

المشروع الحقيقي هو في “شمال شرقي سوريا ” الذي تعول أميركا على إنجاحه أسوة بالإقليم الكردي العراقي المحاذي لهذا المشروع، فما لم تستطع تحقيقه في العسكرة تسعى لتحقيقه في السياسة وهو ما نراه ملموساً من خلال عزفها على وتر الدستور السوري والإصلاحات السياسية وربط خروجها بضرورة الحل سياسي مع سابق العلم أن سوريا لا تقع في نطاق المصالح الإستراتيجية الأميركية!.

هذا الإنتقال المفاجئ لم يأت من فراغ فمن يعرف حجم الخسائر العسكرية الأميركية في سوريا وتكتمها على مقتل جنودها الذي يقدر بالعشرات (ريف الحسكة والرقة و دير الزور) وهو رقم كبير في الحسابات الأميركية يدرك حجم الخيبة التي منيت بها ، ويدرك أيضاً سبب تغيير موقفها في ضرورة الإسراع بالحل السياسي وترجمته عملياً بقبولها المشاركة في محادثات الأمم المتحدة في جنيف الشهر المقبل بشأن إقرار دستور جديد لسوريا متناسية أن الشعب السوري هو وحده من يقرر دستور بلاده.
***
رغم أن الإحتلال الأميركي دنس أرض سوريا المقدسة بوجوده غير الشرعي فيها و زرع قواعد له في كل من منبج و دير الزور و الحسكة و عين عيسى، فقد زاد زيارة دبلوماسييها بواقع ضعفين تلك المناطق دناسة.

وحسب تصريحات وزير دفاعها جيمس ماتيس″الجهود الدبلوماسية الآن تترسخ” وهو ما يعني أن خطة مختلفة تتبعها أميركا في صياغة مشروعها الجديد. هذا المشروع يتطلب مكملات ضرورية لإحكام السيطرة على المنطقة ومنها زيارات متكررة ولقاء مختلف الأطياف والتركيز على وجهاء ومشايخ العشائر العربية التي تشكل الكتلة السكانية الأكثر كثافة وإغرائهم بوعود ومناصب وثروات ودور مستبقلي فاعل في ظل الوهم الذي يروجونه لهم (كما فعلت في العراق)..حيث بدى لهم أن التعويل المطلق على “شهود يهوه” الذين لم ينجحوا في استدراج شخصيات حقيقية مؤثرة واعتمادهم على متمشيخين و صغار كسبة ساهم إلى حد كبير في إفشال الخطة الأميركية.. لذلك سارعت بنفسها لتولي مثل هذه الفعاليات عبر دبلوماسييها بغية تسريع الحل وبالتالي تسريع خروجها بماء الوجه.

هذه الثقة مستمدة من أمرين هما تجربتها مع العراق في تفكيكه و تشكيل دستور جديد له وإمكانية تكرار ذلك مع سوريا. والأمر الآخر المفهوم المخادع الذي زرعته في عقليات ضيقة وهو من يحكم سوريا هي الأقليات وأنتم لها كما في العراق! هذا المنطق السطحي يعكس مدى ضحالة المعرفة الأميركية في التركيبة البنيوية السورية ويجعل السياسة الأميركية في سوريا خاسرة أيضاً…فسوريا رقم مستحيل والخاسر في الحرب خاسر في السياسة!.

د. علي الباشا - رأي اليوم