العراق الجديد.. ومستقبل الوجود العسكري الامريكي

العراق الجديد.. ومستقبل الوجود العسكري الامريكي
الإثنين ١٥ أكتوبر ٢٠١٨ - ١٠:٥٣ بتوقيت غرينتش

عادت قضية التواجد العسكري الأمريكي في العراق إلى الواجهة من جديد، بعد ان كشفت مصادر برلمانية عراقية عن وجود مساع وتحركات لدى الكتل البرلمانية لتشريع قانون ينهي الوجود الامريكي في العراق.

العالم-العراق

كشف النائب في مجلس النواب العراقي سعد حسين، عن وجود توجه لدى بعض الكتل البرلمانية لتمرير تشريع قانون يلزم القوات الأمريكية بمغادرة العراق.

وفي تصريحات صحفية له، قال حسين وهو نائب عن كتلة "صادقون" في البرلمان (الممثلة لعصائب أهل الحق احدى فصائل الحشد الشعبي) إن "هناك توجه لدى بعض الكتل السياسية في البرلمان لجمع تواقيع من النواب من أجل تشريع قانون يلزم القوات الأمريكية بمغادرة الأراضي العراقية"، لافتا إلى أنه "سيتم الشروع بهذا التحرك خلال الأيام المقبلة".

وأضاف أن "كتلة صادقون وكل الكتل الممثلة لفصائل الحشد الشعبي في البرلمان ستتبنى هذا الموضوع" .

وكان المتحدث الرسمي باسم "التحالف الدولي"، الكولونيل شون رايان، اكد قبل ايام قلائل في مؤتمر صحفي من العاصمة الاماراتية أبوظبي، "ان القوات الأميركية ستبقى في العراق طالما اقتضت الحاجة للمساعدة من اجل تحقيق الاستقرار في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة تنظيم داعش".

وفي وقت سابق من شهر ايار/مايو الماضي، اعلنت المتحدثة الصحفية باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، دانا وايت، عن وجود نحو خمسة الاف عسكري أمريكي في سوريا والعراق، مشيرة الى ان هذا الرقم تقريبي، علما ان هناك مصادر غير رسمية تؤكد ان العدد الحقيقي اكبر بكثير مما ذكرته المتحدثة الصحفية باسم البنتاغون. 

تزايد الاعتراضات على الوجود الامريكي بالعراق

جاءت هذه التصريحات في الوقت الذي أعلن فيه رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته حيدر العبادي عن وجود خطة تهدف إلى خفض وجود القوات الأمريكية في العراق تدريجياً، ولكن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) قالت إن القوات الأمريكية لا نية لديها بالانسحاب من العراق على المدى القريب.

وبموجب الاتفاق الأمني بين العراق والولايات المتحدة والذي تم تغيير اسمه فيما بعد إلى الجدول الزمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق والذي تم توقيعه في نهاية ولاية جورج بوش الابن، يتعين على جميع القوات الأمريكية مغادرة العراق في عام 2011.

وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أمر بانسحاب معظم القوات الأمريكية بعد عام 2011، لكنهم عادوا مرة أخرى إلى العراق بذريعة محاربة تنظيم "داعش" على شكل تحالف أمريكي ضد التنظيم.

إن أهم الذرائع التي تتذرع بها الولايات المتحدة لوجودها العسكري في العراق، والتي تم على أساسها إبرام الاتفاق الأمني مع بغداد، تتلخص في ثلاثة محاور هي: أولاً، التهديد الذي تشكله الجماعات الإرهابية. ثانياً، تدريب القوات العراقية. ثالثاً، يؤدي فراغ الوجود الأمريكي في الساحة العراقية إلى استئناف الأزمات الطائفية في العراق.

وفيما يخص الذريعة الأولى، فقد تمت هزيمة أهم التنظيمات الإرهابية وأكثرها خطراً، أي تنظيم "داعش" في العراق ولم تعد هناك ضرورة لوجود القوات الأمريكية في العراق. وفيما يتعلق بالذريعة الثانية، فقد أظهرت القوات العراقية قدرتها القتالية وبسالتها العسكرية خلال الحرب مع تنظيم "داعش" بأبهى صورة ممكنة، حيث أكد العبادي على عدم مشاركة أي قوات أجنبية في هذه المعارك.

وعن الذريعة الثالثة، فيجدر القول إن العراقيين حقيقة لا يقبلون أياً من هذه المزاعم. لأن التجربة أثبتت أن المناطق التي لم توجد فيها القوات الأمريكية أو تسلم ملفها الأمني إلى العراقيين، استتب الأمن فيها قياساً بالماضي هذا أولاً ولم تحصل نزاعات طائفية ثانياً. وإن أداء القوات العراقية في تحرير الفلوجة والموصل هو مثال على هذا الادعاء.

وعلاوة على ذلك، أظهر أداء القوات الأمريكية خلال الحرب ضد "داعش"، أن هذه القوات إضافة الى عدم تقديمها أي مساعدة في الحرب ضد "داعش"، أقدمت على إنقاذ قادة التنظيم الارهابي المحاصرين عدة مرات عن طريق انتهاك السيادة العراقية ونقلهم عبر المروحيات إلى مناطق أخرى، إضافة إلى قصفهم مواقع قوات الحشد الشعبي.

لافتات "الموت لامريكا" في العاصمة بغداد

اصرار الادارة الامريكية الجديدة على ابقاء قواتها في العراق يواجه رفضا شعبيا عراقيا، حيث شهدت شوارع العاصمة بغداد في الصيف الماضي نصب لوحات ولافتات تحوي عبارات "الموت لاميركا" وصورا للرئيس الامريكي دونالد ترامب تندد بالتدخل الامريكي في شؤون العراق والممارسات التي تقوم بها واشنطن ضد الشعب العراقي. 

وتضمنت اللافتات شعارات منها "الموت لاميركا" ووضعت في منطقة الغدير وشارع فلسطين شرقي العاصمة .

الى ذلك طالبت تيارات دينية وسياسية في العراق بإنهاء الوجود الأمريكي لا سيما وأن الذريعة التي جاء بها مجددا قد انتهت بعد القضاء على "داعش" عسكريا.

12 قاعدة أمريكية بالعراق.. الغايات والأبعاد

ويثير تزايد أعداد القواعد العسكرية الأمريكية في العراق، خلال السنوات الثلاث الماضية، تساؤلات ملحة حول الغايات والأبعاد السياسية والعسكرية التي ترسمها واشنطن في البلد الذي انسحبت منه أواخر العام 2011.

وشهدت عودة أمريكا العسكرية إلى العراق تناميا ملحوظا عقب اجتياح "داعش"، لمدن واسعة من العراق منذ منتصف عام 2014، فقد وقعت اتفاقية عسكرية مع حكومة منطقة كردستان العراق على بناء خمس قواعد لها بمناطق تحت سيطرة المنطقة الكردية.

كردستان وكركوك

القواعد الخمس، التي ضمنت في الاتفاقية تتوزع على الشكل الآتي: "قاعدة قرب سنجار، وأخرى في منطقتي أتروش والحرير، إضافة إلى قاعدتين في حلبجة بمحافظة السليمانية والتون كوبري في كركوك"، وفقا لمصادر عراقية.

وقالت مواقع محلية في حينها إن "الاتفاقية قضت أيضا بدفع الأمريكان رواتب قوات البيشمركة لمدة لا تقل عن 10 سنوات، مع تدريب تلك القوات، فضلا عن تجهيز وتسليحها بأحدث الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة".

أما القاعدة الثانية في منطقة ألتون كوبري بمحافظة كركوك، فإنها تتميز بموقعها الإستراتيجي المتميز وسط الطريق بين مدينتي كركوك وإربيل وكحلقة وصل بين وسط العراق وشماله.

الموصل والأنبار

وعلى صعيد محافظات الغرب والشمال، فإن القوات الأمريكية اتخذت قاعدتي "عين الأسد" في قضاء البغدادي و"الحبانية" في الأنبار كقاعدتين عسكريتين، عقب سيطرة "داعش" على أغلب مدن المحافظة في 2014.

جدير بالذكر أن "واشنطن قاربت على إنهاء تأسيس قاعدة لقواتها في مطار القيارة العسكري جنوبي مدينة الموصل، بعد تأهيل المدرج وبناء كانتونات سكنية لعوائل العسكريين".

ولم تكتف القوات الأمريكية بقاعدة واحدة في الموصل، فقد شرعت بتشييد قاعدة أخرى عند سد الموصل، لكنها ليست بحجم قاعدة القيارة الجوية، حسبما كشف عضو مجلس محافظة الموصل خلف الحديدي .

وفي محافظة صلاح الدين، تتخذ واشنطن قاعدة بلد الجوية مقرا لها للتحكم بطلعات طائرات "إف 16" التي منحتها للعراق مؤخرا، أما في معسكر التاجي شمال بغداد، فتوجد قوة أمريكية لأغراض التدريب، وفقا لستيف وارن المتحدث باسم البنتاغون.

صالح يؤكد لنائب خارجية امريكا على سيادة العراق

الى ذلك أكد الرئيس العراقي برهم صالح خلال لقائه نائب وزير الخارجية الأمريكي جون سوليفان في قصر السلام ببغداد، ضرورة "تجنيب العراق وزر وتبعات السياسة الدولية والتوترات الإقليمية، والأخذ بنظر الاعتبار موقع ووضع العراق، والتأكيد على سيادة العراق ومصلحته الوطنية في تثبيت الاستقرار بما يسهم في إعادة الأعمار وتطوير البنى التحتية للمناطق المتضررة من الإرهاب"

وبينما تكرر الادارة الامريكية ادعاءاتها بأن الوجود العسكري الامريكي في العراق يستهدف مواصلة الحرب ضد تنظيم "داعش" الارهابي، تذهب الكثير من الدلائل والمؤشرات والمعطيات الى ان فلول "داعش" تحظى بحماية القوات الامريكية في مناطق من غرب العراق قرب الحدود مع سوريا، وان واشنطن تعمل على الاحتفاظ بذلك التنظيم الارهابي كورقة لتبرير وجودها العسكري في العراق وتحقيق مصالحها الاقليمية وتمرير اجنداتها التخريبية ضد دول المنطقة. 

*العالم