الكاتب البريطاني هيرست: هل السعودية آمنة في يدي محمد بن سلمان؟

الكاتب البريطاني هيرست: هل السعودية آمنة في يدي محمد بن سلمان؟
الثلاثاء ٢٣ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٥:٠٢ بتوقيت غرينتش

نشر الكاتب البريطاني المعروف ديفيد هيرست مقالا له، تحدث فيه عن تأثير وجود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على رأس الدولة في السعودية.

العالم-السعودية

وقال هيرست في المقال الذي ترجمته "عربي21": "هناك جيش صغير من المدافعين عن ولي العهد يزعمون أن المملكة، والمنطقة كذلك، ستكون من دون محمد بن سلمان عرضة للأخطار والقلاقل والاضطرابات. من المؤكد أن العكس تماما هو الصحيح".

وقال هيرست في مقاله " هناك سبيل واحد ووحيد لحل الأزمة الناجمة عن جريمة القتل البشعة التي تعرض لها جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، ألا وهي أن يجد الملك سلمان وريثا آخر يخلفه على العرش".

مهما حاول ولي العهد محمد بن سلمان غسل يديه الملطختين بدم خاشقجي، فلن يجد مهربا من المسؤولية عن هذه الجريمة الشنيعة والمتوحشة.

صحيفة ميدل إيست آي نشرت تقريرا مفصلا لفرقة النمر، تلك الوحدة النخبوية التي نفذت هذه العملية من الاغتيال وما لا يحصى عدده من أمثالها. اقرأ التقرير واسأل نفسك ما إذا كانت وحدة بهذا الحجم والموارد المالية والقدرة العملياتية هي فعلا وحدة "مارقة" لم يكن محمد بن سلمان يعلم عنها شيئا.

 تشكلت فرقة النمر قبل ما يزيد على عام، وتتكون من خمسين من العناصر الأفضل تدريبا من داخل الجيش وجهاز المخابرات، ومهمتها هي القيام بعمليات إعدام سرية بحق المعارضين داخل البلاد وخارجها.

يقود الفرقة اللواء أحمد العسيري، الذي صدر قرار بفصله من وظيفته، ويوجد من بين عناصرها خمسة من الحرس الخاص لولي العهد، وهم العناصر الأقرب إليه، بهدف إبقائه على تواصل مباشر مع الفرقة.

قائد عملية إسطنبول، ماهر عبد العزيز مطرب، دبلوماسي وعسكري برتبة لواء، سافر مع محمد بن سلمان في وقت مبكر من هذا العام في رحلاته إلى بوسطن وهيوستن والأمم المتحدة في نيويورك. ويرد وصفه في تقرير على أنه "الحبل الشوكي لفرقة النمر". وبحسب ما صرح به إلى صحيفة ميدل إيست آي مصدر سعودي على اطلاع جيد بأوضاع أجهزة المخابرات في المملكة، فقد "تم اختياره من قبل محمد بن سلمان نفسه، إذ إنه يعتمد عليه بشكل كبير، ويدنيه من نفسه".

من ضمن ضحايا فرقة النمر الأمير منصور بن مقرن، نائب أمير منطقة عسير ونجل ولي العهد السابق. وكانت الطائرة المروحية التي تقله قد سقطت بمحاذاة الحدود مع اليمن في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، والذي أطلق عليها النار وأسقطها هو مشعل سعد البستاني، الذي كان واحدا من عناصر المجموعة التي نفذت جريمة القتل في إسطنبول.

ورغم أنه ورد في بعض التقارير الأسبوع الماضي أنه لقي حتفه في حادث مروري في الرياض، إلا أن مصدرا مطلعا أخبر صحيفة ميدل إيست آي أنه في الواقع تعرض للتسميم والقتل داخل السجن.

ويعتقد بأن رئيس محكمة مكة العامة، الشيخ سليمان عبد الرحمن آل ثنيان، هو ضحية أخرى من ضحايا فرقة النمر التي حقنته بفيروسات قاتلة عندما كان في المستشفى في زيارة كشف اعتيادية في وقت مبكر من هذا الشهر.

اسأل نفسك عما إذا كان وجود مثل هذه الوحدة من الممكن ألا يكون معلوما لدى ولي العهد الذي وضع خمسة من أقرب رجاله إليه داخلها، والذي منحها ميزانية تسمح لها باستئجار طائرتين خاصتين والقيام بعمليات بالغة التعقيد وباهظة التكاليف على أراضي دول أجنبية.

السؤال الوحيد المهم

لقد تجاوزت جريمة قتل خاشقجي كل الأسئلة المتعلقة بالسياسة الخارجية التي تشكلها قيم الديمقراطية وحرية التعبير والإجراءات القانونية السليمة. بل تثير عملية قتل خاشقجي أسئلة ذات علاقة بسياسة واقعية قاسية لا يرف لها رمش.

بعد مرور ثلاثة أسابيع على هذه القضية، وبوجود أدلة دامغة من التحقيق التركي ومن المعلومات الاستخباراتية التي جمعتها الأجهزة الأمنية الأمريكية والبريطانية، لا يوجد أمام زعماء العالم سوى سؤال واحد يطرح نفسه عليهم: هل المملكة العربية السعودية آمنة في يدي ولي العهد؟

ليست المملكة ليبيا بقيادة القذافي، بل هي أكبر منتج للنفط في العالم، وهي أغنى دول المنطقة على الإطلاق.

إن المملكة العربية السعودية في نهاية المطاف دولة عربية مهمة، ولقد أثبتت أنها إذا ما وجدت في الأيدي الغلط فبإمكانها أن تقرر مصائر رؤساء مصر، وأن تخطف رؤساء وزراء من لبنان، وتسعى لعمل انقلابات في قطر، وفيما لو فشلت الانقلابات فلا أقل من فرض الحصار. كما يمكنها أن تشعل نار الحرب في اليمن.

ولذلك؛ فإن الرجل الذي يدير دفة الأمور في مثل هذا البلد ذو أهمية استراتيجية حيوية بالنسبة لمصالح الغرب، ولذلك فإن من الأهمية بمكان أن يكون في حالة ذهنية سليمة.

كان أول جهاز مخابرات سلط الضوء على طبيعة محمد بن سلمان غير المستقرة هو جهاز المخابرات الفيدرالي في ألمانيا، المعروف اختصارا بأحرف BND.

في كانون الأول/ ديسمبر من عام 2015، عندما كان محمد بن سلمان وزير دفاع فقط، وعندما كان ابن عمه محمد بن نايف وليا للعهد، اتخذ جهاز BND خطوة غير مألوفة، تمثلت في نشر تقييم يحذر من المخاطر التي يشكلها الأمير، البالغ من العمر تسعة وعشرين عاما.

جاء في تقرير BND ما يلي: "لقد استبدل بالموقف الدبلوماسي الحذر والمتروي للأعضاء الأكبر سنا داخل العائلة الملكية السعودية سياسة تدخل متهورة".

في شهر حزيران/ يونيو من العام الماضي، أطلقت على الأمير سلمان لقب أمير الفوضى. والسؤال الذي ينبغي على الولايات المتحدة وبريطانيا طرحه على نفسيهما هو ما إذا كانا في الواقع على استعداد للتعامل مع المملكة العربية السعودية كمملكة للفوضى.

بعد سلسلة متعاقبة من الكوارث الناجمة عن التدخل الغربي في الشرق الأوسط، ثم انهيار اليمن وليبيا وسوريا، وما كاد يكون انهيار في العراق أيضا، ينبغي أن يكون الهدف الأهم للدول الغربية هو وجود زعماء بإمكانهم أن يضمنوا الاستقرار.

قد لا يتسنى وضع حد لحروب الوكالة التي تدور رحاها في أرجاء المنطقة، إلا عندما تتوصل القوى الإقليمية المهيمنة الثلاث إلى تسوية من نوع ما فيما بينها. وحينها فقط سيتوصل الخصوم المحليون إلى تسويات فيما بينهم، ويمكن لحكومات الوحدة الوطنية أن تبدأ في بناء الأوطان التي عصف بها عقد، يزيد أو يقل، من الصراع المستمر.

هل من الوارد أن يتحقق ذلك في عهد محمد بن سلمان لو أصبح ملكا؟

الوريث الصدفة

الملك القادم، وولي العهد الحالي، وريث عرش جاءت به الصدفة. وما كان ليحتل هذه المكانة لولا أزر أبيه، وكما قلت في المقالات التي كتبتها حول الانقلاب الذي جرى داخل القصر عندما توفي الملك عبد الله، كاد محمد بن سلمان يفقد فرصة الصعود باتجاه العرش.

لقد واجه محمد بن سلمان عقبات ضخمة كانت تحول دون أن يؤخذ على محمل الجد عندما ظهر على مسرح الأحداث. ولم يتمكن من تذليل تلك الصعاب إلا بتصفية مراكز القوة المنافسة، وعلى نحو لا يعرف الرحمة ولا الشفقة، الأمر الذي آلت معه إليه السيطرة التامة على القوات المسلحة الثلاث في المملكة العربية السعودية، وبات الآمر الناهي في كل صغيرة وكبيرة.

وبسبب تاريخه ذلك، ذهب جيش صغير من المدافعين عنه في الولايات المتحدة، الذين نصبهم بنفسه، يعبرون عن مواقف غاية في التناقض. يتمثل الموقف الأول في القول "امنحوا هذا الشخص فرصة لأنه تنقصه الخبرة".

ولا أدل على ذلك من علي الشهابي، مؤسسة أرابيا فاونديشن، الذي غرد قبل ثلاثة أيام قائلا: "إن من الإجحاف والخبث أن يتوقع أحد من محمد بن سلمان، الزعيم الشاب الذي ليس بحوزته سوى سنوات قليلة من الخبرة، أن يتمكن من معالجة مصيبة سياسية كهذه من خلال الأداء الماهر لسياسي غربي متمرس وحكيم وصاحب تجربة".

ولكن، لا يلبث الشهابي أن يحذر من أن تغيير ولي عهد ثبت أن لديه مشاكل يمكن أن ينجم عنه تهديد استقرار المملكة.

"الاستقرار والاستمرارية مقدمان على غيرهما، ولن يذهب محمد بن سلمان إلى أي مكان. فتغيير القيادة يمكن أن يعرض البلد، الذي يواجه أخطارا جساما، لحالة من الفوضى لا يمكن تصورها، وسينجم عن ذلك تسابق سياسي قد يؤدي بدوره إلى الانهيار".

لا ريب أن العكس تماما هو الصحيح: إن الإبقاء على محمد بن سلمان في موقع الزعامة من شأنه أن يهدد بإلقاء البلد، المحاط بالأخطار، في حالة من الفوضى لا يمكن لأحد أن يتصورها.

فقط تصوروا ما الذي سيفعله محمد بن سلمان لو تمكن من الإفلات من المساءلة على جريمة قتل خاشقجي، وفيما لو استمر ترامب في الإصرار على أن القصة التي تذرع بها السعوديون قابلة للتصديق، وفيما لو تمكن الملك سلمان من إقناع العالم بأن ابنه في طريقه للتعلم، وأنه بعد صفعة على اليد تعهد له الولد الشقي بأنه لن يعود إلى مثل تلك الفعلة ثانية.

لو حصل ذلك، فإن محمد بن سلمان سيدشن عهدا من الرعب في أرجاء المملكة، ولن يقف عند حد ولن يردعه شيء فيما لو خرج من هذه الفضيحة دون أن يمسه سوء.

ثمة بدلاء له، وهناك العديد من الأمراء ممن هم أكثر خبرة منه، وأكثر استقرارا، وممن يحظون بدعم العائلة والبلد. أحد هؤلاء موجود في لندن حاليا، إنه الأمير أحمد بن عبد العزيز، النائب السابق لوزير الداخلية، الذي يتمتع بالشعبية، وليس له كثير خصوم، وبإمكانه إعادة توحيد العائلة.

وبذلك، لن تكون هناك عقود تسليح مفقودة، ولا وظائف مفقودة في شركة تصنيع الأسلحة البريطانية بي إيه إي. بإمكانكم جميعا الإبقاء على صناعاتك الحربية التي لا تكف عن تزويد الطغاة من حول العالم بالسلاح. كل ما هنالك أن الأمير سيتغير.

وهذا بطبيعة الحال هو الخيار السيادي للمملكة العربية السعودية. إلا أن ذلك الخيار سيكون أيسر لو أن زعماء العالم الغربي كانوا على قلب رجل واحد في رفض التعامل مع ابن سلمان، وفيما لو قرروا جميعا تحويله إلى شخص منبوذ على الساحة الدولية.

وعندها، إذا ما جاء المرة القادمة إلى لندن، فلن يحظى بموكب يقوده إلى مقر رئاسة الوزراء في رقم عشرة داونينغ ستريت، وإنما سيوقف بموجب الولاية القضائية العالمية لكي تستجوبه وحدة مكافحة الإرهاب في الشرطة البريطانية عن دوره في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.