لماذا لا تقبل الرياض التحقيق الدولي بقضية مقتل خاشقجي؟

لماذا لا تقبل الرياض التحقيق الدولي بقضية مقتل خاشقجي؟
الأربعاء ٠٥ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٦:١٣ بتوقيت غرينتش

أثارت جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، غضبًا عالميًا ومطالبات مستمرة بالكشف عن مكان الجثة، ومن أمر بقتله وبعدما قدمت الرياض تفسيرات متضاربة، أعلنت أنه تم تقطيع الجثة لكنها نفت اي تدخل من ولي العهد او الملك السعودي في القضية، فيما أعلنت وكالة الاستخبارات الأمريكية، مؤخرًا، أنها توصلت إلى أن قتل خاشقجي كان بأمر مباشر من محمد بن سلمان، كما لوحت تركيا بتدويل القضية اذا لم تتحل الرياض بالشفافية مع المجتمع الدولي في التحقيق ولم تسلم جميع المتورطين للعدالة.

العالم - السعودية

واليوم الأربعاء جددت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه مطلبها بإجراء تحقيق دولي في قضية قتل خاشقجي، وقالت إن التحقيق الدولي ضروري لتحديد المسؤولين عن العملية التي وصفتها بالبشعة، وذلك في كلمة ألقتها في مؤتمر صحفي بجنيف بمناسبة مرور سبعين عاما على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وما يثير الغضب الدولي أن قضية خاشقجي تعد انتهاكا صارخا للمادة 55 من اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، التي تنص على أنه "لا يجوز استخدام المباني القنصلية بأي طريقة تتعارض مع ممارسة الوظائف القنصلية".

في سياق متصل، دعى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الاربعاء خلال تصريحات للصحفيين أثناء زيارة لبروكسل، السعودية إلى التحلي بالشفافية مع المجتمع الدولي فيما يتعلق بالتحقيق في قضية مقتل خاشقجي وعبرت عن استعدادها للمشاركة في تحقيق دولي.

واضاف اوغلو إن التحقيق في الجريمة مستمر "وسنواصل حتى النهاية، ولن نتردد في اللجوء إلى التحقيق الدولي إذا حصل انسداد في مسار القضية".

كما صعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضد ولي العهد السعودي لاول مرة، وتحدث عن استعداده لمفاجأته ومواجهته بجميع الأدلة بشأن مقتل خاشقجي.

وهدد الرئيس التركي قبل يومين أثناء رحلته إلى فنزويلا باللجوء إلى الأمم المتحدة -إذا لزم الأمر- لتحريك القضاء الدولي بشأن قضية مقتل الصحفي السعودي.

ويبدو ان عدم تعاون الرياض مع التحقيقات التي تجريها أنقرة في جريمة اغتيال خاشقجي، هو الذي يدفعها لتدويل القضية.

وبما أن الرياض لم تتعاون فإن أنقرة تحتفظ بالحق في تقديم طلب رسمي للأمانة العامة للأمم المتحدة من أجل فتح تحقيق دولي في القضية، وذلك لإيجاد أجوبة للأسئلة التي ما زالت الرياض تمتنع عن الإجابة عليها: أين بقايا جثة خاشقجي؟ ومن هو المتعاون المحلي الذي ساعد في التخلص منها؟ ومن أعطى التعليمات بالسفر إلى تركيا لتنفيذ القتل؟

وقبل ساعات من كلمة وزير الخارجية التركي، أصدر النائب العام التركي في إطار التحقيقات بجريمة قتل خاشقجي أوامر بالقبض على متهمَين اثنين من كبار المقرّبين من ولي العهد السعودي؛ هما نائب رئيس الاستخبارات العامة السعودية سابقاً، أحمد عسيري، والمستشار السابق سعود القحطاني، لتورّطهما المباشر في عملية اغتيال خاشقجي.

وقال مكتب المدعي العام لإسطنبول إنه يعتقد أن هناك "اشتباها قويا" بأن عسيري والقحطاني شاركا في التخطيط لقتل خاشقجي، مضيفا أن تهمتهما هي القتل العمد مع التعذيب بوحشية والتخطيط المسبق.

وتعليقا على الموضوع، قال مسؤول تركي إن تحرك الادعاء العام يعكس قناعته بأن الرياض لن تتخذ أي إجراءات رسمية ضد عسيري والقحطاني، داعيا السعودية إلى تهدئة المخاوف الدولية من خلال تسليم كل المشتبه في قتلهم خاشقجي إلى تركيا.

وأضاف المسؤول التركي أن الرياض لم تقدم إجابات عن الأسئلة المتعلقة بمصير جثة خاشقجي ومن أصدر أمر القتل.

ويأتي ذلك فيما أعلنت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، مؤخرًا، أنها توصلت إلى أن "قتل خاشقجي كان بأمر مباشر من بن سلمان. لكن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المرتبط بعلاقات وثيقة مع الرياض، شكك في تقرير الوكالة، وتعهد بأن يظل "شريكًا راسخًا" للسعودية.

وأعرب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي عن قناعتهم بضلوع ولي العهد السعودي في مقتل خاشجقي مطالبين بعد جلسة استماع لإفادة مديرة المخابرات "جينا هاسبل" حول القضية بوقف دعم حرب اليمن ، وفرض عقوبات على الرياض.

فقال السناتور الجمهوري بوب كوركر إنه "لا يساوره أدنى شك في أن بن سلمان أمر بقتل خاشقجي وأشرف عليه".

من جهته، قال السناتور الجمهوري جون كينيدي إنه يعتقد أن "بن سلمان إما انه أعطى أمر قتل خاشقجي أو كان على علم به"، مضيفا: "إنه المسؤول عن تقطيع الجثة وعلينا أن نوقع أقسى عقوبة على السعودية".

كما اوضح السيناتور الجمهوري راند بول إن التقارير تشير إلى "إجراء اتصالات مباشرة بين فريق قتل خاشقجي ومكتب ولي العهد السعودي".

ولا تريد الإدارة الامريكية حاليا أن تظل الأولوية ممنوحة لقضية خاشقجي، لكن ترامب لا يتحكم في الموضوع والكونغرس سيضغط على الرياض بدءا من مطلع العام القادم، وسيواصل بحث القضية.

ويبدو ان ترامب وفريقه سيعارضون تدويل قضية خاشقجي لا سيما أنهم لا يكنّون محبة كبيرة للمنظومة الدولية وفي مقدمتها المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي فإن ترامب لن يؤرقه الوقوف ضد تحقيق الأمم في هذه القضية بل سيعتبره شرفا، لكن الكونغرس سيسأل عن أسباب هذه المعارضة خاصة أن الإدارة الأميركية قالت مرات إنها تريد معرفة حقيقة ما جرى.

وفي أول رد سعودي على اتهامات الكونغرس لبن سلمان بالمسؤولية عن قتل خاشقجي، رفضت الرياض الاتهامات وقالت المتحدثة باسم السفارة السعودية فاطمة باعشن بواشنطن ان «ولي العهد لم يتواصل في أي وقت من الأوقات مع أي مسؤول سعودي في أي جهة حكومية، حول إيذاء المواطن السعودي جمال خاشقجي. نرفض رفضاً قاطعاً أي اتهامات تزعم وجود صلة لولي العهد بهذا الحادث المروع» على حد تعبيرها.

لكن السؤال هنا لماذا الرياض لن تسلم المشتبه بهم في القضية؟ هل لأنهم سيكشفون كل تفاصيلها القاطعة بأن الحكومة السعودية ضالعة فيها، فاذا كان بن سلمان غير متورط فلماذا لا يسلم المتورطين وهو يقول إنه سيعرضهم للمحاكمة.

وهناك عدة طرق لمعالجة القضية دوليا بعد تعذر المحاكمة في تركيا لعدم تعاون الرياض معها واستحالة إجرائها في السعودية نفسها. ومن تلك الطرق لجوء تركيا إلى مجلس الأمن الذي يمكن أن يحيل القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية، خاصة أن الجريمة دولية لمخالفتها لاتفاقية فيينا الدبلوماسية.

كما يمكن تحريك القضية في القضاء الأميركي خاصة أن أبناء خاشقجي لديهم جنسية أميركية، كما يمكن ربط الموضوع بجرائم العدوان على اليمن التي أمرت بها جهات عليا في السعودية.