"ترامب ليس مجنوناً"!

الخميس ٢٨ مارس ٢٠١٩ - ١٠:٢١ بتوقيت غرينتش

ترامب ليس كما يبدو في الإعلام، إذ أن أي قرار عميق لا يكون من بنات فكر الرئيس الأمريكي أصلا، باعتبار أن هناك مؤسسات عميقة في بنية الإدراة الأمريكية هي المسؤولة عن القرارات العميقة التي تتعلق بمصالح الولايات المتحدة الأمريكية!!..

العالم - سوريا

وبناء عليه فإن الحالة الاستعراضية التي يتحرك بها، أو من خلالها ترامب، هي الطريقة الشخصية التي يؤدي من خلالها قرارات الدولة العميقة، وهنا علينا الانتباه ألا نخلط بين الطريقة التي يخرج من خلالها "ترامب" تلك القرارات وبين القرارات ذاتها.

بهذا المعنى علينا أن نفرق بين قرارات الإدارة الأمريكية وبين طريقة إصدار أو إخراج هذه القرارات، وتحديدا بين قرار الإدارة بالنسبة للقدس المحتلة أو بالنسبة للجولان المحتل أيضا.

كون أن هذه القرارات لها جذورها العميقة التي تتعلق بمصالح ودور الإدارة الأمريكية، إضافة إلى اللحظة التي تمر بها هذه الإدارة.

لقد فشلت الإدارة الأمريكية في تمرير أهدافها الرئيسية التي حملتها على ما سمي بـ "الربيع العربي"، وتحديدا لجهة العدوان على سوريا، وبالتالي على "حلف المقاومة".

لقد أصبح "الشرق الأوسط الكبير" الذي عملت الإدارة الأمريكية على إنتاجه على مستوى المنطقة، من خلال حامل أساسي له، أطلقت عليه مشروع "الفوضى الخلاقة"، قد أصبح من الماضي، وهذا بحد ذاته يعتبر إخفاقا وفشلا كبيرا تمر به الإدارة الأمريكية، وليس "ترامب" كما يحاول البعض أن يقول.

هذا الفشل الكبير وضع المنطقة في موقع اخر مختلف عما كانت تتطلع إليه هذه الإدارة، ووضع "حلف المقاومة" في موقع اخر لم تكن ترغب به الإدارة الأمريكية.

"الإسرائيلي" تضرر كثيرا نتيجة هذا الفشل الأمريكي، واستفاق على واقع إقليمي جديد، لا يمكنه الاستمرار من خلاله بالطريقة التي تضمن له أمنه الاستراتيجي.

للخروج من هذا الواقع الصاعد والخطير، من الزاوية "الاسرائيلية"، كان لا بد من البحث عن خيارات خروج امن، وهذه الخيارات محدودة جدا وضيقة، وهي يمكن إجمالها بخيارين اثنين:
-الأول من خلال مواجهة عسكرية مع هذا "الحلف"، وهو خيار لا يستطيع كيان الاحتلال أن ينفذه في ظل الظروف الحالية والواقع الحاكم للاقليم.
-والخيار الثاني يتمثل في الذهاب للانفراد بالرئيس الأسد، والمتمثل تحديدا بإخراجه من هذا "الحلف"، من خلال إسقاط الذريعة، أو السبب الأساسي الذي أدى بالرئيس الأسد كي يكون جزءا من حلف المقاومة، أو كما يراه "الإسرائيلي".

هنا كان واضحا أن "ملف الجولان" هو الملف الأقدر على تأمين خروج امن للـ "إسرائيلي" من هذا الواقع الخطير، وهو تحديدا من خلال وضعه على طاولة التفاوض.

الوضع "الإسرائيلي" الضعيف الذي وصل إليه نتيجة الفشل في العدوان الأخير على "حلف المقاومة"، والقوة التي اكتسبها هذا "الحلف"، والرئيس الأسد تحديدا بفضل صموده الكبير، دفع "الإسرائيلي" للبحث عن هذا السيناريو غير مباشر، وصولا إلى تحريك هذا الملف.

لم يكن أمام الإدارة الأمريكية إلا أن تتولى الأمر بدفع "إسرائيلي" واضح، من خلال قرارها باعترافها بالجولان السوري المحتل باعتباره جزءا من كيان الاحتلال الغاصب.

تظن الإدارة الأمريكية، ومعها كيان الاحتلال، أن هذه الحركة سوف تؤمن واقع مناورة مفيدة في وجه الرئيس الأسد، لعرض الجولان المحتل كي يكون موضوع تفاوض.

يعتقد "الإسرائيلي" أن موضوع التفاوض من جديد، والمثقل باعتراف أمريكي بالجولان على أنه جزء من كيانه، سوف يمنحه شروط حضور مفيدة في هذا التفاوض،أولا، وثانيا، سوف يدفع هذا الملف من جديد كي يكون على طاولة التفاوض.

نعتقد أن "الإسرائيلي" يعتبر أي تحريك لهذا الملف، والذهاب مع الرئيس الأسد للتفاوض عليه من جديد، سوف يمنحه، نعني "الإسرائيلي"، إمكانية اختراق البنى الصاعدة الجديدة لـ "حلف المقاومة"، وهذا بحد ذاته يعتبر إنجازا "إسرائيليا" امنا بالنسبة له.

هذا ما يحصل الان سياسيا لجهة قرار "ترامب" من الجولان العربي السوري المحتل، حيث يؤكد ذلك هذه الضجة التي رافقت القرار ذاته، والتي تدفع باتجاه تشكيل بيئة مناسبة لهذا التحريك أخيرا.

خالد العبود - اوقات الشام