الى قادة العراق .. قبلكم عفا قاسم عن البعثيين

الى قادة العراق .. قبلكم عفا قاسم عن البعثيين
الأحد ٢٩ مايو ٢٠١١ - ٠٩:٤٢ بتوقيت غرينتش

اولا وقبل كل شيء أتقدم الى الملايين من ابناء العراق بعربه وكورده , ضحايا المقابر الجماعية والانفال , الى ذوي الذين ذوبوا في احواض التيزاب ومكائن الثرم , الى الذين قطعت اوصالهم , روؤسهم وارجلهم وايديهم واقتلعت عيونهم من ماقيها والسنتهم وصلمت اذانهم وجدعت انوفهم ووشمت جباههم وهم احياء , الى الارامل والايتام الى الامهات والاباء الذين فجعوا بابنائهم وبناتهم , الى المهجرين والمهاجرين ممن اقتلعوا من ديارهم وغابوا في الغربة ومازالوا ,الى العراق المنكوب منذ كان بأشرس خلق الله امثال عبيدالله بن زياد والحجاج وصدام والقاعدة والمحتلين ,

اتقدم الى كل هؤلاء بأحر التعازي والمواساة , باستشهاد أبن العراق البار الشهيد البطل الدكتورعلي فيصل اللامي ( ابو زينب) , الصوت الذي ارهب من ارهب العراقيين طوال اربعة عقود , وجعلهم يندسون في جحور الفئران المظلمة ككبيرهم الذي علمهم السحر , فكان هدفا لا يعلوه هدف بالنسبة لعصابة البعث الاجرامية , فتجرأ البعض منهم على الخروج من الجحور, بمساعدة البعض من اخوة الشهيد اللامي , ظنا منهم ان بالامكان تدجين الذئاب , فتربصوا به , وهذا ديدنهم , فغدروا به بعد ان غدر به اخوته جهلا , فسقط شهيدا وسط بغداد التي اراد ان يطهرها من ذئاب البعث.

الشهيد البطل علي اللامي , ليس بحاجة لثنائنا او مدحنا , فقد كان اكبر من كل مدح وثناء , فالرجل وضع روحه على راحته منذ ان شمر عن ساعديه الى جانب رفيق دربه الدكتور احمد الجلبي , لتطهير العراق من الصداميين السفاحين , وما اخطرها من مهمة , ولكن للاسف الشديد ترك وحيدا وهو ينازل هذه الوحوش الكاسرة , بل طالما تعرض للجفاء حتى من المقربين لتذكيره الدائم بخطر البعثيين على العراق الجديد والعملية السياسية برمتها , مؤكدا في اكثر من مناسبة ان الصداميين اشبه بالذئاب الكاسرة من المستحيل تدجينها .

 صيحة يبدو انها ذهبت وسط ضجيج الشعارات الزائفة حول المصالحة الوطنية وامكانية التعايش مع البعثيين الذين نزعوا عنهم لبوسهم القديم , ولكن ماحدث للدكتور على اللامي المدير التنفيذي لهيئة المساءلة والعادلة وسط بغداد ورصاصات الغدر الصدامي تخترق جميع انحاء جسده , اعادت قضية اجتثاث البعث الى المربع الاول.

ان من حق العراقيين البسطاء ان يتساءلوا عن كيفية وصول ذئاب البعث المفترسة وبهذه السهولة الى رجل يضطلع وفقا للقانون بمهمة في غاية الخطورة , صادق عليها البرلمان العراقي , والقاضية بابعاد من تسبب بكل هذه الكوارث للعراق على مدى اربعين عاما , عن مراكز صنع القرار في العراق الجديد ؟ وماهي حقيقة مايشاع عن تجريد اللامي من حمايته وتجريد الحماية من اسلحتهم؟ اين الحكومة والاجهزة المختصة من التهديدات التي كان يطلقها ذئاب البعث امثال حيدر الملا ومظفر العاني وراسم العوادي ضد اللامي لا لجريرة ارتكبها سوى تنفيذه بنود الدستور وقرارات مجلس النواب العراقي بشأن التعامل مع ذئاب البعث ؟ لماذا لم تتخذ الاجراءات القانونية ضد ايتام النظام امثال الملا والعاني والعوادي ومن على شاكلتهم من الذين وقف اللامي لهم بالمرصاد كي لايتسللوا الى البرلمان , ولكن المصالح كانت اقوى ولعبة المصالحة الوطنية كانت اعلى صوتا ؟.

ليس المرء بحاجة الى فطنة كي يعرف شراسة من تحركهم السعودية والامارات وناهبو اموال العراقيين في الاردن واليمن , فيكفي نظرة سريعة الى اي تصريح او اية مقابلة صحفية مع المدعو حيدر الملا وامثاله كي يخرج بنتيجة واحدة وهي ان هذه الذئاب البشرية ما دخلت العملية السياسية بهدف المشاركة والعمل على ترتيب اوضاع البيت العراقي وايصاله الى بر الامن والامان , بل على العكس تماما فهم يعملون كطابور خامس يعمل على تمهيد الارضية لعودة البعث المجرم او على الاقل افشال العملية السياسية وادخال العراق في نفق مظلم خدمة لاجندات اقليمية تسهر على تنفيذها السعودية والامارات.

لايختلف اثنان في العراق على ان المتحدث بامس القائمة العراقية البعثي الموتور حيدر الملا يعكس وبشكل واضح نفسية البعثي الصدامي بكل حذافيرها ,فلن تجد لهذا النكرة تصريحا واحدا الا وفيه من حقد البعث على العراقيين ما لايوصف , فتصريحاته متخمة بالطعن بوطنية رموز العراق الحاليين واتهام الاحزاب الوطنية التي قارعت نظام البعث المجرم على مدى عقود ,والاساءة الى المرجعيات الدينية والوطنية والتشكيك بالعملية السياسية واتهام القوى الوطنية بشتى التهم واثارة النعرات الطائفية واستفزاز دول الجوار ومحاولة تجميل صورة البعث البشعة والترحم على حكم الطاغية صدام واستغلال كل شاردة وواردة للنيل من حكومة رئيس الوزاء نوري المالكي والدفاع عن فلول البعث وايتام النظام والطعن بشرعية قانون اجتثاث البعث الذي اقره مجلس النواب العراقي وتحريض العراقيين بعضهم على بعض والمشاركة بشكل مباشر في استهداف رموز العراق كما حدث مع البطل الشهيد على اللامي.

كيف يمكن للبعثيين ان ينخرطوا في العملية السياسية وهم يرفعون ليل نهار لافتات عريضة طويلة تشكك فيها وبشرعيتها , فعلى سبيل المثال لا الحصر ماهو موقف ايتام صدام هؤلاء الذين دخلوا البرلمان بفضل صفقات التسوية والمصالحة , من قانون اجتثاث البعث , وهو الذي سن بأرادة عراقية وتحت قبة البرلمان لانقاذ العراق من ذئاب البعث المفترسة ؟ الم يكن الرفض ؟ الم يقم البعثيون الدنيا ولم يقعدوها بسبب هذا القانون الذي تم وأده بفضل خبث ايتام النظام وبفضل انخراط الكثيرين من القوى الوطنية في لعبة المصالح والمناصب ؟.

ان نظرة سريعة للارقام التي اعلنتها هيئة النزاهة والعدالة الخاصة بعدد البعثيين , يمكن التحقق من حجم المظلومية التي طالت هذه الهيئة بسبب الاعلام العربي المتعاطف والمؤيد لعودة عصابة البعث من جديد , كما يكشف اكذوبة البعثيين بشأن الظلم الذي وقع عليهم في العراق الجديد.

تقول الارقام طبقا , لاحصاءات هيئة المساءلة والعدالة ان قانون الاجتثاث شمل 32000عضو قيادة وفرقة وشعبة فقط , اعيد 14 الفا منهم الى وظائفهم و 3000 احيلوا على التقاعد , يبقى مايقارب 16 الف بعثي من المعادين للعملية السياسية ومن ايتام النظام السابق ,ولكن حتى هؤلاء تم صرف رواتب بالكامل لعوائلهم ودون ان يتعرضوا لادنى مضايقة.

هنا يطرح هذا السؤال نفسه وبقوة ,ترى هل كل ما فعله المقبور صدام وزبانيته بالعراق على مدى اربعين عاما هو من فعل هذا العدد الذي حددته هيئة المساءلة والعدالة ؟. الجواب ..لا , فالذي يحدث على الارض ومايشهده العراقيون كل يوم منذ عام 2003 من قتل ودمار وتفجير وتهجير يؤكد ان العدد اكبر من هذا بكثير .

الضجة التي يثيرها البعثيون في مجلس النواب وداخل الحكومة بشأن اجتثاث البعث تبين وبالارقام بانها ضجة مصطنعة , فهم يرفعون حق المعرفة ان البعثيين يعيشون احرارا في العراق , لا لفضيلة فيهم بل كرما من العراقيين , اما الضجة فتأتي في اطار استراتيجتهم لضرب العملية السياسية من الاساس وتمهيد الارضية لعودة البعثيين السفاحين الصداميين الذين طاردهم البطل الشهيد علي اللامي واخوته وفقا للقانون.

منذ ان هرب البعثيون من قبضة الشهيد اللامي واخوته ,بفضل الصفقات السياسية والحديث عن المصالحة الوطنية , من طرف واحد, وتسللوا الى مجلس النواب والحكومة ,بدأت حملة جهنية بأستخدام الاسلحة الكاتمة طالت 1800 من الضباط والشرطة والسياسين والاعلاميين والمثقفين , وجميعهم تقريبا من الشيعة , وكان اخرهم الشهيد البطل على اللامي الذي سقط على شارع محمد القاسم السريع , الذي حوله ذئاب البعث الى مابات يعرف بطريق الموت المجاني حيث سقط عليه اكثر من مئة شخص من ابناء العراق البررة بالمسدسات الكاتمة للصوت.

الشهيد البطل علي اللامي ادى دوره وعلى افضل وجه في خدمة العراق والعراقيين من خلال افعاله واقواله ومواقفه الجرئية , ولكن الدور اليوم على قادة العراق الجديد , الذين منحهم العراقيون اصواتهم ليكونوا حراسا على العراق ووحدته , وان يغلقوا كل الطريق على كل من يريد النيل من هذا الشعب الذي ذاق على مدى قرون من الظلم مالا يذقه شعب في العالم , هذا الشعب بأمس الحاجة اليوم الى قادة حكماء ورحماء ولكن في نفس الوقت اقوياء , فالقوة يمكن ان تمهد الطريق وتعبده امام الرحمة والشفقة , فيما الرحمة والعفو المجردين ,قد تعبد الطريق امام الظلم والبطش والقسوة , فبالامس القريب رأي العراقيون كيف عفا زعيمهم الرحيم عبد الكريم قاسم عن ذئاب البعث , بعد ان تربصوا به واصابوه الا انهم لم يتمكنوا من قتله,فعفا عما سلف منهم , فتربصوابه مرة اخرى فمزقوا جسده بالرصاص وهو صائم رمضان ,ولم يكتفوا بذلك , بل رموا جثته في نهر دجلة , ومنذ ذلك اليوم والعراق يعيش ليل البعث الاسود , ودفع العراقيون ما دفعوا من اثمان بسبب رحمة الزعيم قاسم على الذئاب .

ان دماء الشهيد البطل علي اللامي تستصرخ قادة العراق الجديد , أولياء دم ضحايا المقابر الجماعية والانفال , لا للاقتصاص من قتلته فقط , بل لنصرة العراقيين وانقاذهم من قطعان الذئاب السائبة في ارض العراق , كي لا يلف العراق ليل اخر اسود مدلهم , كما لفهم عندما عفا قاسم على البعثيين , فلا رحمتهم ستكون اوسع من رحمة قاسم و لا طبيعة البعثيين ستكون  اقل شراسة , فمهمة تأهيل البعثيين ضرب من المحال كمهمة تدجين الوحوش المفترسة.

بقلم / منيب السائح

?