رؤية اسرائيلية للسلام في مواجهة "ربيع العرب"

رؤية اسرائيلية للسلام في مواجهة
الإثنين ٣٠ مايو ٢٠١١ - ٠١:٠٣ بتوقيت غرينتش

يبحث العدو الصهيوني عن سبل لمواجهة المستجدات السياسية على الساحة الفلسطينية انطلاقا من الواقع الجديد الذي تعيشه المنطقة، وعلى ضوء المشهد الأخير للمتظاهرين عند حدودها مع لبنان وسوريا.

بهذا المعنى، يدعو العقيد في الاحتياط الجنرال مايكل هرتسوغ الى صياغة "رؤية اسرائيلية للسلام" من زاوية " دعم المعتدلين واختبار التزام الإسلاميين بدعم الديمقراطية والسلام"، في مقال نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" الأميركية، جاء فيه:

"عندما التقى باراك أوباما وبنيامين نتنياهو في واشنطن الأسبوع الماضي، أبرزت التقارير خلافاتهما. فقد وضع الرئيس الأميركي أُطراً من أجل السلام قبل خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي أمام الكونغرس الأميركي هذا الأسبوع. وقد كانت النتيجة تدهورا قائما وخطيرا في العلاقات الإسرائيلية ـ الفلسطينية، بالإضافة إلى صدع جديد مع الولايات المتحدة لا يمكن لإسرائيل تحمله.

لقد سن الفلسطينيون لتوِّهم نسختهم الخاصة من "الربيع العربي". فقد خرج الآلاف في كلّ من الضفة الغربية التي تسيطر عليها «فتح»، وغزة الخاضعة لسيطرة «حماس»، إلى الشوارع مطالبين ليس بالحرية والإصلاحات، وإنما بوضع نهاية لانقسامهم الداخلي. وفي ظل هذا الضغط وفي سياق الاضطرابات الإقليمية، برز اتفاق كان مفاجئاً للكثيرين.

ومن الواضح أن هذا الاتفاق هو زواج مصلحة، حيث يقر الطرفان بأنه من غير المرجح إعادة توحيد الكيانين الفلسطينيين. فكل منهما له قيادته وقواته الأمنية، ولا يمكن صياغتهما في كيان واحد. كما إن اتفاقهما يدعو لإجراء انتخابات في غضون عام، حيث يفترض أن يتنافسا ضد بعضهما البعض. وفي غضون ذلك، يتيح لهما الاتفاق تشكيل حكومة من التكنوقراط لكي يظهرا كمتحدين عندما يذهبان إلى الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل للحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية. وقد قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس إنه لن يسعى لإعادة انتخابه، وإنه يركز على تركة ذِكْراً طيباً وتأمين خليفته. وتركز «حماس» على إضفاء الصفة القانونية على نفسها في محاولة للسيطرة على الأوضاع بمجرد تنحّي عباس.

ورغم كون هذا الاتفاق مجرد خداع ظاهري، إلا أنه يمثل تحدياً كبيراً لإسرائيل والمجتمع الدولي. فمن خلال التعامل مع «حماس»، وهي حركة معادية للسلام، بدلاً من الانتظار حتى يطرح الرئيس أوباما رؤيته، يُظهر الرئيس عباس أنه تخلى عن المفاوضات. وبإمكان «حماس» و«فتح» أن يوحدا جهودهما الآن للبحث عن بديل للمفاوضات، من خلال تحرك أحادي الجانب في الأمم المتحدة. وفي حين لن ينتج عن ذلك قيام دولة فلسطينية، إلا أنه من المرجح أن يؤدي إلى عزل إسرائيل وتصعيد التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وبالفعل، تعمل السلطة الفلسطينية على تشجيع قيام انتفاضة شعبية ضد إسرائيل. وقد يخرج هذا الأمر عن نطاق السيطرة، كما رأينا في الأسبوع الماضي عندما تحرك آلاف الفلسطينيين باتجاه الحدود الإسرائيلية.

ويمثل هذا الوضع معضلة سياسية. فمن ناحية، مَن الذي يستطيع أن يعارض الوحدة الفلسطينية التي تعبّر عن إرادة الشعب، وهو الشيء ذاته الذي نقدّره في أي مكان آخر في "الربيع العربي"؟ وعلى أية حال، لقد كانت هناك تساؤلات خطيرة حول الوصول إلى اتفاق سلام مع سلطة فلسطينية لا تستطيع السيطرة على قطاع غزة. ومن ناحية أخرى، سوف يعمل الاتفاق مع «حماس» على تقويض المفاوضات المستقبلية مع إسرائيل. ومن المرجح أن تستخدم «حماس» توق الرئيس عباس إلى إظهار الوحدة من أجل الحد من المساحة المتاحة له للعودة إلى المفاوضات. وإذا اعترفت الأمم المتحدة بدولة فلسطينية وفق شروط فلسطينية أحادية الجانب، فسوف تجعل من الصعب بالنسبة للإسرائيليين والفلسطينيين التفاوض والوصول إلى حل وسط في المستقبل.

ورداً على ذلك، صرحت الحكومة الإسرائيلية في وقت مبكر وبشكل قاطع أنها لن تتعامل مع حكومة فلسطينية تضم حركة غير مستعدة للاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف. وقد أدى هذا الرد إلى التصعيد من المناقشات داخل إسرائيل حول النهج الأساسي تجاه عملية صنع السلام في عصر يتسم بعدم اليقين في المنطقة. هل ينبغي على إسرائيل أن تقف من دون أن تحرك ساكناً، أم هل يتعين عليها أن تأخذ زمام المبادرة؟

هناك حجة قوية تدعو لتبني النهج الأخير. فما دامت إسرائيل تفتقر إلى مبادرة للسلام خاصة بها، فسوف تكافح من أجل تجميع الدعم الدولي لدعوة الرئيس عباس إلى اختيار السلام معها بدلاً من السلام مع «حماس».

وسوف تُبلِي إسرائيل بلاءً حسناً لو أنها اقترحت أفكاراً وأطراً خاصة بها من أجل السلام. وينبغي أن تتناول هذه المعايير مسائل ذات أهمية لكلا الطرفين، بهدف تأسيس إطار لإنهاء الصراع. ويجب أن تتضمن الشروط حدود عام 1967 مع مقايضات متفق عليها للأرض باعتبارها الخط القاعدي للمفاوضات والترتيبات الأمنية التي تفي باحتياجات إسرائيل، بما في ذلك إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح. كان ينبغي على السيد نتنياهو أن يشارك الرئيس أوباما سراً على الأقل، إن لم يكن علناً، في وضع تلك الأطر، التي يمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اقتراحها رداً على الطلب الذي سيقدم إلى الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر. هذا وقد يتعذر تفادي صدور قرار من قبل الأمم المتحدة، لكن قد تساعد هذه التحركات على إحداث توازن في القرار، ما يترك المجال مفتوحاً للمفاوضات. كما قد يساعد ذلك على اختبار النيات الحقيقية للفصيلين الفلسطينيين.

يجب أيضاً الحكم على الحكومة الفلسطينية الجديدة من خلال الأفعال. فهل يمكنها تيسير السلام؟ وهل ستدعم التنسيق الحالي الممتاز القائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مجال مكافحة الإرهاب في الضفة الغربية؟ وهل يمكن لـ «حماس» في النهاية أن تجتاز اختبار الديمقراطية الذي فشلت فيه حتى الآن، من خلال السماح بإجراء انتخابات حرة، حتى لو كانت معرّضة للخسارة؟".

إن هناك سياقاً أوسع لهذه الأسئلة، فالصراع من أجل إشراك الإسلاميين في الحياة السياسية هو مشكلة تتسم بها المنطقة بكاملها. ينبغي أن نعمل على تمكين المعتدلين، وأن نبحث في الوقت ذاته عن طرق لاختبار التزام الإسلاميين بدعم الديمقراطية والسلام. وهذا ينطبق على «حماس» بقدر ما ينطبق على أي لاعب إسلامي آخر.

*إعداد: علي شهاب

كلمات دليلية :