لبنان.. المصارف وذل طلب حقوق المودعين

لبنان.. المصارف وذل طلب حقوق المودعين
الجمعة ١٠ يناير ٢٠٢٠ - ١١:٣٢ بتوقيت غرينتش

يوميًا، قُرابة ​الساعة​ الثامنة والنصف صباحًا، يتجمّع عشرات الأشخاص أمام الأبواب المُغلقة للمصارف االلبنانية، وما هي إلا دقائق حتى يُهرول الجميع إلى داخلها لحجز دورهم عبر سحب بطاقة تحمل رقمًا.

العالم_لبنان

وخلال وقت زمني قصير، تُصبح لائحة الإنتظار طويلة جدًا، وتضمّ مئات الأشخاص الذين غالبًا ما تضيق بهم أروقة المصرف. والأصعب من الإنتظار الطويل والمُذلّ لسحب ثلاثمئة دولار أميركي، وهو الحدّ الأقصى المَسموح للسحب بالعملة الأميركيّة من قبل مصارف كانت حتى الأمس القريب مُصنّفة في المراتب الأولى في لبنان، أن تُعلن إدارة المَصرف المَعني أنّ الدولار​ات المُعدّة لهذا النهار قد نفدت، وأن تطلب من الأشخاص المُنتظرين دورهم منذ الصباح، أن يُغادروا في حال كانت غايتهم السحب من ودائعهم بالدولار!.

وحتى في حال كان الشخص المَعني لا يريد المسّ بوديعته في المصرف، بل يرغب بسحب راتبه الشهري الذي يصله بالدولار عن طريق التحويل إلى المصرف، لا يختلف الوضع المُهين، حيث عليه أن يسحب الجزء اليسير منه، ويُكرّر الأمر دوريًا في كل أسبوع، عبر صُفوف الإنتظار المُهينة. والمسألة ليست أفضل كثيرًا بالنسبة إلى الحسابات بالعملة الوطنيّة، وإن كان سقف السُحوبات بالليرة اللبنانيّة أعلى، باعتبار أنّ صُفوف الإنتظار وإجراءات تقييد السُحوبات مُتشابهة. أكثر من ذلك، وبعد أن بلغ سعر صرف الدولار في الساعات الماضية نحو 2400 ليرة للدولار الواحد، فهذا يعني أنّ العملة الوطنيّة فقدت حتى تاريخه أكثر من ثلث قيمتها، وأن المُودعين بالليرة خسروا تلقائيًا أكثر من ثلث أموالهم، وهم يعجزون عن سحبها! فهل من حلّ قريب لهذا الذلّ؟.

فالأوضاع الضاغطة على مُختلف المُستويات، وخُصوصًا إنهيار عامل الثقة وتوقّف مُختلف أنواع الإستثمارات، حوّل المصارف إلى مكان يتوجّه إليه الناس لسحب ما تيسّر من فتات للأموال فقط لا غير. وبالتالي، لم تعد أي شركة أو مؤسّسة تحوّل أيّ أموال للمصارف، ولم يعد أيّ ثري، وأيّ لبناني مُتمكّن ماليًا يعمل في الخارج، وحتى أيّ لبناني مُتوسّط أو مُتواضع الدخل، يدّخر ليرة واحدة في المصارف، ما يعني أنّ النزف المالي لهذه الأخيرة صار هو القاعدة!

لذا، على الدولة المُسارعة إلى إصدار القوانين التي تمنع التعامل بالدولار داخل الأراضي اللبنانية، وتحصر إستخدام العملات الأجنبيّة للمُشتريات المُستوردة من الخارج فقط لا غير، كما هي الحال في مُختلف دول العالم.

إنّ إستعادة الثقة المالية يستوجب إستقرارًا سياسيًا داخليا كاملاً، وعلى الحُكومة المُستقيلة أن تبادر إلى تحمّل المسؤوليّات التي لم تتحمّلها يومًا، وتُبادر القوى السياسيّة إلى وقف مُناكفاتها وتناتش الحصص الوزاريّة والسُلطويّة، وأن تعي حجم الهُوّة التي صارت بينها وبين الناس في الوقت الذي تتسارع فيه وتيرة سُقوط أغلبيّة اللبنانيّين تحت خطّ الفقر والعوز.

العالم_لبنان