الثّورة على الثّورة!

الثّورة على الثّورة!
الخميس ٠٢ يونيو ٢٠١١ - ٠٨:٠٦ بتوقيت غرينتش

تمكّنت جموع الثّوّار في كل من تونس ومصر من اقتلاع رأس - وبعض مكوّنات - الأنظمة الإستبداديّة التي قمعت وسرقت الشّعبين لعقود، ويستمرّ الشّعبان في حراكهما الجماهيري في سبيل إكمال مشوار الثّورة وتحقيق أهدافها، والبدء بمرحلة يكون فيها الشّعب هو الّذي يختار من يمثّلونه في البرلمان والحكومة والرّئاسة، بل يكون فيها الرّقيب المتيقّظ لكل شاردة وواردة من قبل من يحكمونه، وتسير الأمور حتّى الآن بطريقة جيّدة، مع بعض العوارض التي تصيب الشّعوب في مثل هذه الحالة الانتقالية.

للحالة المصرية خصوصيّة فريدة، وتحظى باهتمام خاص من قبل الجميع، وتحاط بمؤامرات وتهديدات كثيرة لا يمكن حصرها، منها المعلن و منها الخفي، ومنها الخارجي و ومنها الدّاخلي، ولا نبالغ إن قلنا أنّ هناك ثورة على الثّورة في مصر، وهذه الثّورة تتضمّن ما أطلق عليه الثّورة المضادّة من أقطاب النّظام السّابق، ولا تنحصر فيها، ولها الكثير من الأشكال، وسيتمّ التّركيز على المهدّدات الدّاخليّة للثّورة المصرية، والتي تشكّل ثورةً عليها.

 ثورة "المباركيين" أو ( الثّورة المضادّة) ... وهؤلاء يتمثّلون في قطاع واسع من المنتفعين واللصوص والمجرمين والعملاء لدول غربية كثيرة، أشخاص ومؤسّسات لها تأثير كبير على الواقع الاقتصادي والسّياسي والأمني المصري، وهؤلاء لهم قوّة هائلة لا يستهان بها، وهؤلاء لا يتركون فرصةً للإنقضاض على مكتسبات الشّعب والعودة به إلى أيام مبارك السّوداء، ومصادرة الإرادة الشّعبية، وإجهاض مكتسبات وأهداف الثّورة.

 يضاف إلى القطاعات السّابقة من "المباركيين" قطاعات محسوبة على التّيار الدّيني الإسلامي والمسيحي، وهؤلاء كانت لهم صولات وجولات مع النّظام الظّلامي السّابق، وكانوا في حلف مدنّس معه لقمع وتسيّد رقاب وقوت الشّعب المصري، وشكّل هؤلاء أهم أدوات النّظام المباركي في استخدام الفتنة الطّائفية لخدمة تثبيت عرشه، ويلعب هؤلاء دوراً خطيراً في المرحلة الانتقالية لخدمة المباركية السّياسية، ويهدفون لحرف مسار الثّورة عن مسارها، وتسبّبوا في تأجيج الأوضاع الطّائفية، وافتعال الفتن بين المسلمين والمسيحيين، بل عملوا على تشويه صورة المتديّنين والمصريين بشكل عام، وهنا أيضاً كان - ولا يزال- الشّعب المصري يقظاً من الوقوع في فخ الفتنة الطّائفية، مع أنّه لا يجب التّقليل من شأن وجود احتقان له أسباب يجب معالجتها بحكمة.

 كشفت الأحداث الأخيرة في مصر عن ثورة على الثّورة من قبل جهات أخرى غير "المباركيين" ويتمثّل بعض هؤلاء في فئة من الليبراليين واليساريين والنّاصريين الّذين يقفون موقفاً عدائياً تاريخياً من ما يطلق عليه الإسلام السّياسي، وكان بعض هؤلاء على اتفاق مع النّظام السّابق على إقصاء الإسلاميين من ساحة العمل السّياسي، ويقف هؤلاء الآن في موقف عدائي لأي دور يمكن أن تلعبه الحركة الإسلامية في الشّأن المصري، ويريد هؤلاء تثبيت حالة الإقصاء السّياسي على حالها - وكأنّ الثّورة لم تقم- ولذلك ثار هؤلاء ضد تعيين ممثّل للحركة الاسلامية في لجنة الدّستور المكوّنة من عدّة أشخاص، ويشنّون حرباً إعلاميةً منسّقةً لمنع أي دور في الصّحافة الحكومية للإسلاميين، ويعملون على إقصاء الإسلاميين من أي تعيين أو دور في المرحلة الحالية، والغريب أنّهم يقودون توجّهاً بالشّراكة مع قطاعات أخرى في الشّارع المصري لتثبيت استبداد الأقلّية على الأغلبية، ويتصرّف هؤلاء مثل الذّئب الجريح بعد هزيمتهم الصّاعقة في الإستفتاء الشّعبي على الدّستور، ويعملون على تأجيل الانتخابات البرلمانية وتقديم الرّئاسية، وصياغة دستور على هواهم، يخالف الرّغبة الشّعبية، ويلتف على خيار الأغلبية في الإستفتاء، ويحتجّون بأنّ الوضع الأمني لا يمكّن من تنظيم الانتخابات البرلمانية، في حين يرونه مناسباً للإنتخابات الرّئاسية التي لا يرغب الإخوان المسلمين بترشيح أو دعم مرشّح بعينه لها، وفي نفس الوقت يركض مرشّحوا الرّئاسة لتلك القوى لطلب دعم الإخوان المسلمين لترشيحهم في الانتخابات، في انتهازيّة فاضحة، وازدواجيّة مضحكة.

 الخائفون من الدّيمقراطيّة... بعض القوى التي شاركت في الثّورة الشّعبية مع الإسلاميين والقطاعات الشّعبية الأخرى، أدركت هذه الفئة من النّاس أنّه لا حظّ لها في الانتخابات القادمة، وأنّها لن تحصل على ما تصبوا إليه من المقاعد في البرلمان القادم، ولذلك يريد هؤلاء أن يؤجّلوا الإنتخابات البرلمانية حتّى تصبح الظّروف مواتية لعدم فوز الإسلاميين في البرلمان، وفي ظل توجّه شعبي عام لمنح الثّقة الكاسحة للإسلاميين، يطالب هؤلاء بإقصاء ودفن الرّغبة الشّعبية، والبقاء تحت حكم رئاسي استبدادي فرعوني. وهنا يقف هؤلاء في تناقض فاضح مع ما كانوا يدعون له من حرّية اختيار الشّعب لممثّليه، وعن قبول نتائج الإنتخابات مهما كانت، ويبرز هؤلاء "مباركهم" الخاص في كل شخصية من شخصيّاتهم، فلسان حالهم يقول:- (الإنتخابات التي لا أفوز بها لا لزوم لها).

 أحزاب ومجموعات وأفراد من ذوي الحضور الجماهيري والإعلامي الواضح والمميّز، و لهؤلاء دور جيّد في الإعلام والميدان أثناء وبعد الثّورة، والكثير منهم من ذوي النّيات الحسنة، ولا شكّ عندي بانّهم يتمتّعون بدرجة عالية من الإخلاص لمصر ولثورتها ولشعبها، ولكن هؤلاء الإخوة والأخوات يميلون للتّحليل السّطحي للواقع، ويريدون حلولاً جاهزة لا يمكن أن تتحقق على طريقة الوجبات السّريعة، ويميل هؤلاء لحسم كل القضايا الخلافية الدّاخليّة في الشّارع وميدان التّحرير، ويعزفون عن العمل التّنظيمي الميداني للإستعداد للإنتخابات، ويرون أنفسهم فقط في الحالة الثّورية الشّوارعيّة فقط، ولذلك يعيش هؤلاء على الأغلب حالة من الإعتزاز الشّديد بالذّات، حالة من النّظر بفوقيّة وأستاذيّة لمن يختلفون معهم في الرّأي، كالإخوان المسلمين على سبيل المثال، بل يعتبر هؤلاء أنّ من يختلفون معه يكون خارجاً عن وعلى الثّورة، وإذا لم يشارك معهم في مسيرة أو اختلف معهم في اجتهاد سياسي فهو بحاجة لإصلاح، بل يسيرون باتّجاه إملاء شروط من الواجب على من يخالفونهم في الرّأي تنفيذها، فمرشد الإخوان وشوراها يجب أن يسلّموا أمورهم لمن يرون أنّهم شباب فقط، وكأنّ الثّورة كانت من الشّباب على المسنّين؟ أو أنّ الثّورة كانت لإملاء شروط على من شاركوا فيها؟ فهل من أصول الدّيمقراطيّة والتّعدّدية إملاء ما تريده على من تختلف معه؟ أم أنّ الخلاف هو فقط على السّياسات الخارجيّة والبرامج الإنتخابيّة لكل مجموعة، ويكون الشّعب هو الحكم - عبر صندوق الإقتراع- في البداية وفي النّهاية؟.

 يلتقي غالبية الثّائرين على الثّورة الشّعبية المصرية على مهاجمة الإسلاميين، وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين، ويتّهمونها بمحاولة قطف ثمار الثّورة لوحدها، وبأنّها تتعالى عليهم في الحوار، وبأنّها ذات تأثير كبير على الجمهور المصري، لطابعها الدّيني، وأحياناً يتّهمونها بأنّها تهادن المجلس العسكري وتتّسم بالسّلبية والبطء باتّخاذ القرارات، وأحيانا يدّعي البعض أنّ ( أسطورة الإخوان سقطت) وأنّهم أقلّيّة، ويقف أصحاب هذا الرّأي صامتين أمام سؤال حول رفضهم للإنتخابات البرلمانيّة بما أنّهم الأغلبيّة والإخوان هم الأقلّيّة.

 يستطيع أيّ مراقب الإسهاب في تفسير وشرح أو الدّفاع أو مهاجمة من يتّهمون الإسلاميين ويتآمرون عليهم، وبالرّغم من أنّ الاسلاميين في مصر -وكذلك في تونس- تنازلوا عن ترشيح قياداتهم لمنصب الرّئاسة، والتزموا بعدم رفع شعارات إسلاميّة في الإنتخابات، وتعهّدوا بعدم ترشيح مرشّحين إلا أقل من النّصف لمقاعد البرلمان - لن يفوز كل من يتمّ ترشيحه بطبيعة الحال- وقاموا بطلب عقد تحالف قائمة موحّدة بين القوى السّياسية جميعها في الإنتخابات، ليتشاركوا معها بدل أن يقصوها، كل هذا قوبل برغبة جامحة في إقصائهم وتهميشهم، بل يتم شنّ حرب إعلامية شرسة عليهم، تكيل لهم كافّة الإتهامات، وتثير أمامهم وحولهم سيلاً من التّساؤلات، والغريب أنّ الإسلاميين يبدون رغبةً كبيرةً في المشاركة السّياسية والقبول باللعبة السّياسيّة، فيما يصرّ من كانوا يطالبون بالحرّية والدّيمقراطية، من غير الإسلاميين، على محاولة فرض الوصاية على رغبة الجمهور المصري والثّورة على ثورته، وكأنّ جريمة الإسلاميين أنّهم يحوزون على ثقة قطاعات واسعة من الشّعب!.

*صلاح حميدة

كلمات دليلية :