ريـاح الفوضـى والثورة اليمنية

ريـاح الفوضـى والثورة اليمنية
الخميس ٠٢ يونيو ٢٠١١ - ١١:٥٩ بتوقيت غرينتش

قبل ثورة فبراير كانت القراءات تشير إلى استفحال الأزمة اليمنية وإمكانية تشظي البلاد إذا لم يتدارك اليمنيون بلادهم وينقذونها من مصير كارثي تدفع إليه دفعاً.

ومنذ مطلع العام المنصرم، وإثر نشاط تنظيم القاعدة المتزايد، غدت اليمن كما الرجل المريض، لأجله تعقد المؤتمرات في لندن كما في الرياض وفي الدوحة وبرلين، غير أن المرض المستفحل لم يسعف الأطباء بعلاج ناجع.

في الأثناء حاولت المعارضة وقوى أخرى الدفع بالعملية السياسية الحوارية إلى منطقة وسط تفتح على الأقل بوابة للأمل ونافذة للتغيير، لولا أنها اصطدمت بجدار من الحماقة والممانعة، وسياسة الأمر الواقع الذي طالما فرضه صالح على مناوئيه.

 في الخضم اندلعت الثورة التونسية الفتية، لتمنح اليمنيين وغيرهم طريقاً للتغيير، وانتهزت القاهرة الفرصة ليصنع شبابها ملحمة ثورة 25 يناير العظيمة، وبالموازاة استغلت الطلائع الثورية من شباب اليمن المناخ الجديد، واتجهت نحو الميدان تهتف بالشعار الثوري: الشعب يريد إسقاط النظام.

 من صنعاء إلى عدن إلى تعز بدت اليمن أكثر وحدة وانسجاماً خلف قيادة شبابها التواق للتغيير، ورأت الأحزاب والقبائل أن الفرصة مواتية لإنجاز ثورة شعبية سلمية تحفظ لليمن وحدتها وتؤسس لبناء الدولة المدنية الحديثة.

من أجل ذلك كان أبناء القبائل سباقون إلى ساحات الحرية والتغيير، لكن بدون سلاح سوى الصدور العارية التي تصدت لرصاص الغدر والعدوان في أكثر من مكان.

 أوشكت الثورة أن تقطف ثمار النصر، وتهاوت سلطة صالح ونظامه بين يديه، انشق عنه أركان جيشه وأركان حزبه، ولم يتبق معه سوى كتائبه الدموية التي يقودها نجليه وأبناء شقيقه، وبعضاً من مقربيه.

لم يشأ صالح أن يستسلم وهو يرى بأم عينيه ما حاق بالفرعون الأكبر في مصر، فأوحى إلى دول الجوار أنها على استعداد لترك السلطة مقابل ضمانات تحول دون محاكمته ومن تبقى معه من مناصرين.

 تلقف الأشقاء والأصدقاء الفكرة، ودخلت الثورة طاولة التفاوض، وانساقت إلى خدعة حبكها نظام لا يجيد سوى المراوغة والتضليل. وفي الوقت الذي نجحت ثورة الشباب في إجلاء الصورة المشرقة لشعب حضاري مسالم أبى الطاغية إلا أن يقدم الصورة الثانية التي تزعمها بلطجية من القتلة والأفاقين، عملوا وما زالوا على جر البلاد إلى مستنقع العنف والفوضى.

 يدرك صالح أنه لم يعد رئيساً، لكنه بدلاً من الاعتراف بهذه الحقيقة رفض الرحيل حتى وقد منحته المبادرة دول مجلس التعاون فرصة للنجاة على طبق من ذهب، ولكأنه يقول: أنا ومن بعدي الطوفان.

واليوم وبانزلاق اليمن إلى مربع العنف يجتهد صالح ونظامه في خلط الأوراق، مستغلاً القبيلة والقاعدة و الحراك، كأدوات لنشر الفوضى، في ظل تأزيم متعمد جعل غالبية اليمنيين يلهثون بحثاً عن المشتقات النفطية والغاز المنزلي، فلا يجدونها إلا في السوق السوداء بأثمان مضاعفة.

بالأمس راهن على عقلانية المعارضة، فتعامل مع أزمات البلاد بجنون.. واليوم يراهن على سلمية الثورة فيمعن في الدموية وخلط الأوراق. ومع معرفته أن كرسي السلطة قد ضاق بصاحبه إلا أنه متمسك بتلابيبه حتى وإن غدا في الأخير زعيم عصابة مسلحة لا أكثر.

صالح يحتظر، لكنه ينتقم من الجميع قبل نهايته المحتومة، وما جري في تعز ويجري في صنعاء و أبين ليس إلا مقدمة لحرب شاملة تحمل معها رياح الفوضى قبل أن تنجز الثورة مهمة التغيير.

اسلام تايمز - عبد الله علي صبري

كلمات دليلية :