مخطط استهداف دمشق وطهران ودخول أنقرا في التحالف

مخطط استهداف دمشق وطهران ودخول أنقرا في التحالف
الأحد ٠٥ يونيو ٢٠١١ - ٠٥:١٦ بتوقيت غرينتش

تشهد الساحة السياسية الإيرانية سلسلة من تطورات الأحداث والوقائع على مختلف الأصعدة، وذلك بفعل تلازم تأثيرات العديد من العوامل الداخلية والخارجية، فما هي حقيقة الوضع الإيراني، وما هي مصداقية طهران في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وما هي الآفاق المستقبلية المتاحة أمام المشروع الإيراني على المستويين الإقليمي والدولي؟

* المسرح السياسي الإيراني: توصيف المعلومات الجارية

تشير التقارير والتسريبات الجارية إلى أن الساحة السياسية الإيرانية، وإن كانت بالأساس تتعرض للعديد من تأثيرات الضغوط الداخلية والخارجية، فإن طهران من الصعب عليها أن تكون في هذه الأيام بمنأى عن تأثير فعاليات حركة الاحتجاجات الشرق أوسطية الجارية، وفي هذا الخصوص نشير إلى مشهد المسرح السياسي الإيراني على النحو الآتي:

•    الموقف السياسي الداخلي:  ظلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في فترة ما بعد رحيل الإمام الخميني، وهي تشهد المزيد من الخلافات بين تيار الإصلاحيين وتيار المحافظين، وتشير تطورات الأحداث والوقائع إلى أن نتائج الانتخابات العامة الرئاسية والبرلمانية السابقة التي أسفرت عن صعود تيار المحافظين وهزيمة تيار الإصلاحيين، أدت بالمقابل إلى إشعال الخلافات السياسية الداخلية، الأمر الذي أدى بدوره إلى نقل شرارة الخلافات إلى الشارع الإيراني، وبدأت تظهر عمليات الحشد والتعبئة السلبية آخذة شكل المظاهرات الاحتجاجية السياسية المعارضة لتوجهات تيار المحافظين الذي وضع يده على كل أجهزة الدولة الإيرانية.

اللافت للنظر أن هزيمة تيار الإصلاحيين، لم تكن هزيمة سياسية مصنوعة، وإنما كانت هزيمة سياسية حقيقية، تمت عن طريق صناديق الاقتراع ضمن عملية انتخابية خضعت لكافة أنواع الشروط والمعايير المتعلقة بنزاهة وسلامة الانتخابات. وإضافة لذلك، فقد تنبأت العديد من الجهات المختصة بالشأن الإيراني (بما في ذلك مراكز الدراسات الأميركية المعادية لطهران) بهزيمة تيار الإصلاحيين، ضمن نتيجة سوف لن يقل فيها نصيب المحافظين عن 75% من إجمالي الدعم التصويتي الانتخابي. وبالفعل فقد جاءت النتيجة مقاربة لذلك.

ولكن، على خلفية نتائج الانتخابات العامة الرئاسية التي كانت متوقعة، حدث أن ذهبت المعارضة الإيرانية التي يقودها رموز التيار الإصلاحي مذاهب شتى لجهة القيام بتصعيد معطيات نظرية المؤامرة. وبدا واضحاً أن أطراف مربع أميركا ـ إسرائيل ـ الاتحاد الأوروبي ـ السعودية، أكثر اهتماماً بمواصلة تقديم الدعم لتحركات التيار الإصلاحي، بما يؤمن ويضمن وجود فعاليات معارضة سياسية إيرانية مستمرة، وبشكل يغلب عليه الطابع اليومي، وبالمقابل، فقد ظلت أجهزة الإعلام الأميركية والغربية ودول عربية في الخليج الفارسي، إضافة إلى المنظمات  غير الحكومية، تستخدم معطيات المعارضة الإيرانية كوسيلة لاستهداف إيران، وتشويه صورة طهران دون مراعاة إلى أن القيادة الإيرانية الحالية قد جاءت عبر صناديق الاقتراع.

هذا، ومن المتوقع أن تتزايد فعاليات المعارضة السياسية الإيرانية، أكثر فأكثر من خلال دفع الأقليات الإيرانية لجهة القيام بالمزيد من التحركات الجديدة: حركات التمرد البالوشيستاني في المنطقة الجنوبية الشرقية، حركات تمرد عربستان في المنطقة الجنوبية الغربية، حركات التمرد الأذربيجانية في المنطقة الشمالية، حركات التمرد الكردية في المنطقة الشمالية الغربية.

حالياً تشير المعطيات والتسريبات إلى حدوث بعض الخلافات بين أركان النظام السياسي الإيراني. وفي هذا الخصوص تشيرالتسريبات إلى: خلافات رموز مؤسسات السلطة التنفيذية ـ التشريعية، إضافة إلى احتمالات دخول المرجعية العليا في هذه الخلافات، إضافة إلى وجود خلافات الإصلاحيين ـ المحافظين المتوترة أصلاً على مستوى الشارع السياسي الإيراني.

•    الموقف السياسي الخارجي: دخلت طهران في خلافات خارجية متغيرة الشدة والطابع لم تهدأ منذ لحظة صعود نظام الثورة الإسلامية في عام 1979م وحتى الآن، وما تميزت به هذه الخلافات تمثل في أنها كانت بفعل تأثير عامل مشترك واحد تمثل في رغبة الأطراف الخارجية وعلى وجه الخصوص واشنطن وحلفاءها الأوروبيين والخليجيين المتواصلة لجهة استهداف نظام الثورة الإيرانية من خلال التسويق السياسي لفرضية بدأت بمزاعم تتهم طهران بالعمل من أجل تصدير الثورة الإسلامية، وتحولت لاحقاً إلى مزاعم تقول بوجود خطر إيراني محتمل بسبب جهود إيران السرية النووية إضافة إلى قيامها بتحريض الجماعات الشيعية العربية من أجل التمرد والعصيان.

تشير خارطة الموقف السياسي الخارجي الإيراني إلى وجود الآتي:

•    علاقات التعاون: يوجد تعاون إيراني ـ سوري، وتعاون إيراني ـ تركي، وتعاون إيراني ـ روسي، وتعاون إيراني ـ صيني، إضافة إلى احتمالات صعود التعاون الإيراني ـ المصري.

•    علاقات الصراع: يوجد صراع إيراني ـ أميركي، صراع إيراني ـ أوروبي غربي، صراع إيراني ـ إسرائيلي، صراع إيراني ـ سعودي خليجي.

هذا، وتجدر الإشارة إلى أن مفاعيل علاقات الصراع قد أثرت بقدر كبير على مفاعيل علاقات التعاون، بما أدى إلى نجاح خصوم إيران في توظيف مؤسسات المجتمع الدولي، وبعض المؤسسات الإقليمية كالاتحاد الأوروبي لجهة التورط في مخططات استهداف طهران بالمزيد من أنواع العقوبات الدولية المتعددة الأطراف.

تشير تطورات الأحداث والوقائع الجارية إلى أن خصوم إيران يسعون حالياً لجهة الجمع بين عناصر الاستهداف السياسي الداخلي وعناصر الاستهداف السياسي الخارجي، وذلك بما يؤدي إلى توحيد ضغوط هذه العناصر ضمن مجهود رئيسي موحد، بما يستقر في نهاية الأمر لجهة إضعاف القدرات الإيرانية وخلق الاضطرابات وعمليات عدم الاستقرار الداخلي في إيران، بما يعزز من فرصة القيام بتغيير نظام الثورة الإسلامية الحالي واستبداله بنظام حليف لواشنطن والغرب يكون على غرار نظام شاه إيران السابق.

 

* خطة خصوم إيران الجديدة

تشير التسريبات الجارية إلى أن سيناريو استهداف نظام الزعيم الليبي معمر القذافي، الجاري حالياً سوف تسعى أطراف التحالف الدولي لجهة استخدامه ضد سوريا ولاحقاً ضد إيران، وفي هذا الخصوص نلاحظ أن أطراف التحالف الدولي، وإن كان من ناحية تسعى إلى إكمال ما تبقى من خطوات سيناريو استهداف ليبيا، فإنها وفي نفس الوقت تسعى من الناحية الأخرى لجهة القيام بعمليات "تمهيد المسرح" الشرق أوسطي بما يساعد على خلق بيئة مواتية لإسقاط السيناريو الليبي لاحقاً، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:

•    استدراج تركيا لجهة القيام بالتحول إلى قاعدة لتمركز رموز المعارضة السورية، ولاحقاً لتمركز رموز المعارضة الإيرانية، وقد بدأت أنقرا في فعاليات هذه الخطوة من خلال استضافتها لبعض حركات المعارضة السورية، واجتماعاتها مع الأطراف الغربية والأميركية.

•    استدراج الزعماء السياسيين العراقيين لجهة إفساح المجال أمام بقاء القوات الأميركية لفترة أطول، تحت مزاعم ومبررات دواعي حفظ الأمن والاستقرار، ولكن ما هو مفهوم وواضح، أن واشنطن لا تهتم كثيراً أو قليلاً بحفظ أمن واستقرار العراق، وما هو أكثر أهمية لواشنطن هو حفظ أمن إسرائيل من خلال استهداف دمشق وطهران.

•    إدماج السياسات العسكرية ـ الأمنية السعودية ودول عربية في الخليج الفارسي ضمن بنود جدول أعمال السياسات العسكرية ـ الأمنية الأميركية ـ الأوروبية، وذلك عن طريق الربط الوثيق بين التوجهات السعودية ـ الخليجية، وتوجهات حلف الناتو الذي تقوده واشنطن، والآن، بدأ الأمر يتضح بشكل معلن من خلال الدور السعودي ـ الخليجي في سيناريو استهداف حلف الناتو لنظام الزعيم الليبي معمر القذافي.

•    تصعيد الضغوط الأمنية ـ الدبلوماسية ضد موسكو، بما يجعل موسكو تمتنع عن معارضة توجهات أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن، بحيث إما أن تقبل موسكو خيار التعاون مع هذا المثلث أو تلتزم بخيار الحياد عبر الامتناع عن التصويت داخل مؤسسات المجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص مجلس الأمن الدولي، أو تواجه مخاطر نشر شبكات الدفاع الصاروخي، إضافة إلى احتمالات الإضرار بمصالحها الاقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي.

•    تصعيد الضغوط الاقتصادية ـ العسكرية ضد بكين، بحيث تلتزم بالتعاون مع واشنطن ضمن إطار علاقات عبر الباسفيك، وتتخلى عن شبكة علاقاتها الاقتصادية التعاونية مع بقية دول العالم وعلى وجه الخصوص إيران وسوريا وبقية بلدان منطقة الشرق الأوسط، أو تواجه مخاطر قيام واشنطن بتزويد تايوان بالقدرات العسكرية المتطورة، ونشر شبكات الدفاع الصاروخي في مناطق الهند الصينية، وكوريا الجنوبية واليابان.

التدقيق الفاحص في طبيعة التهديدات والمخاطر التي تواجه الجمهورية الإيرانية يشير بكل وضوح إلى أنها مخاطر وتهديدات سوف تتلازم مع مخططات استهداف دمشق وحزب الله اللبناني وحركات المقاومة الفلسطينية، وإضافة لذلك تشير التسريبات إلى احتمالات متزايدة لجهة قيام واشنطن بالآتي:

•    تعزيز التحالف التركي ـ السعودي، بما يؤدي إلى رفع وتائر العلاقات الاقتصادية التركية ـ السعودية بما يجعل أنقرا أكثر ميلاً لجهة تنسيق سياساتها الشرق أوسطية مع السعودية ودول عربية في الخليج "الفارسي" بدلاً عن إيران.

•    السعي لتحسين العلاقات التركية ـ الإسرائيلية، عن طريق دفع حزب العدالة والتنمية التركي إما المفاضلة بين خيار تحسين العلاقات مع إسرائيل أو خيار مواجهة الضغوط الداخلية بواسطة فعاليات حزب العمال الكردستاني، وفعاليات خصومها السياسيين وعلى وجه الخصوص حزب الشعب الجمهوري التركي، والحزب القومي التركي، إضافة إلى المؤسسة العسكرية ـ الأمنية التركية، والتي بدأ أداءها السلوكي الأخير يشير بشكل واضح إلى أنها ما تزال أكثر اهتماماً بتعزيز التعاون التركي ـ الأميركي ـ الإسرائيلي، وهي حقيقة كشفها التخمين الذي رفعته المخابرات التركية حول واقع حركة الاحتجاجات السورية الأخيرة، والذي اشتمل على أكاذيب واضحة منها على سبيل المثال لا الحصر: أن المعارضة السورية تمتلك 7 مليون مسلح، وأنها تسيطر على 30% من مساحة سوريا.

عند وصل النقاط المتقطعة في خطوط استهداف دمشق، طهران، نلاحظ أن المفارقة المثيرة للاهتمام تتمثل في أن المعارضة الإيرانية صغيرة الحجم، وأن المعارضة السورية صغيرة الحجم أيضاً، ولكن برغم ذلك، فإن المعارضة السورية والمعارضة الإيرانية تحظيان بالدعم الخارجي غير المسبوق. وعلى وجه الخصوص بواسطة نفس رموز التحالف الدولي الذي يستهدف ليبيا حالياً، وهو التحالف الذي تفاجأت الأوساط الدولية بانضمام تركيا والبلدان الخليجية لصفوفه، وإن كنا نفهم أن انضمام الأطراف الخليجية لمثل هذه التحالفات قد بدأ بسابقة التحالف الدولي الذي استهدف العراق، فإن ما هو مثير للانتباه يتمثل في أن أنقرا التي سبق أن رفضت الانخراط في هذا التحالف الدولي، قد سارعت الآن ودون أية تحفظات لجهة الانضمام إلى فعاليات هذا التحالف الدولي، وحالياً تقول بعض التفسيرات بأن انضمام أنقرا كان بسبب رغبتها في تحسين علاقاتها مع واشنطن وبلدان الاتحاد الأوروبي إضافة إلى رغبة أنقرا لجهة القيام بدور قائد في المنطقة، وبرغم ذلك، فهناك تفسير آخر أكثر أهمية يطرح تساؤلاً حرجاً يقول: لقد سعت بلدان الاتحاد الأوروبي لجهة عرقلة انضمام أنقرا لعضوية الاتحاد، والآن لماذا سارعت هذه الدول لجهة إعطاء أنقرا دور الرئيس القائد في فعاليات التحالف الدولي؟ والإجابة على هذاالسؤال الحرج، كما هو واضح، ليست موجودة في أذهان مثلث رموز أنقرا الثلاثة: غول ـ أردوغان ـ داوود أوغلو، وإنما موجود في مكان آخر، هو إسرائيل، وذلك طالما أن المطلوب حالياً هو تمهيد المسرح وترتيب الأوضاع بما يتيح لاحقاً  توريط أنقرا في فعاليات استهداف دمشق وطهران.

*موقع الجمل للدراسات

كلمات دليلية :