حزيران بين النكسة والصمود

حزيران بين النكسة والصمود
الأحد ٠٥ يونيو ٢٠١١ - ١٠:٢١ بتوقيت غرينتش

كانت نكسة حزيران/ يونيو 1967 أعظم فداحة من نكبة عام 1948. لأن للهزيمة تداعيات أكثر خطورة على شعوب الأمة العربية مما كان في عام النكبة. ولو اخذنا بعض الابعاد البسيطة، فإن الهزيمة لثلاثة جيوش عربية من بينها اكبر جيش عربي، الجيش المصري من قبل جيش دولة الابرتهايد الاسرائيلية، لم تكن مقبولة ولا مفهومة من قبل المواطن العربي عموما والفلسطيني خصوصا. لا سيما وان الحالة العربية مختلفة جذريا عما كانت علية عام 1948، فلا اسلحة فاسدة، لا بل اسلحة متطورة، واستعداد سوفياتي لاقامة جسر جوي لمد الجيوش العربية بالاسلحة والمعدات التي تحتاجها، وانظمة وطنية ولها مصلحة في الانتصار والتحرير للأرض العربية الفلسطينية.

والمناخ الدولي مساعد، والزمن زمن استكمال الشعوب تحررها وانعتاقها من الاستعمار القديم. وبالتالي فإن اللجوء الى سياسة التبرير لتغطية حالة الهلاك العربية لم تكن مقبولة ايضا، كالحديث عن التدخل الاميركي الى جانب اسرائيل. لان هذا العامل معروف لدى قادة الدول العربية وتحديدا للقيادة الناصرية في مصر. وامكانات اسرائيل العسكرية لم تكن متفوقة على الجيوش العربية، ولا الجندي الاسرائيلي أكثر استعدادا للتضحية من الجندي العربي. ولكن الجندي والقائد الاسرائيلي وقبلهما القيادة السياسية الاسرائيلية أمام خيار واحد «اما نكون او لا نكون» او بتعبير آخر، اما ان النصر او الفناء.

الهزيمة العربية البشعة في الخامس من حزيران / يونيو 1967، التي اضاعت فلسطين التاريخية من البحر الى النهر، واضاعت معها سيناء المصرية والجولان السورية، لا تغطيها اية ذرائع او حجج من اي نوع. لان مطلق قيادة لا تملك الجهازية العسكرية والسياسية والاقتصادية، وليست مستعدة للحرب، ليست مضطرة لارتكاب كارثة سياسية لاعتبارات شكلية، كمقولة الاستفزازات الاسرائيلية على الجبهة السورية كما حدث في نيسان / ابريل 1967، الذي أدى الى مجابهة جوية في سماء دمشق، سقطت خلالها ست طائرات سورية، او الجبهة الاردنية كما حدث في نوفمبر / تشرين ثاني 1966 في قرية السموع التابعة لمحافظة الخليل. لان مثل هذه الاشكاليات يمكن معالجتها عبر الوسائل الدبلوماسية، من خلال المنابر الاممية. ولا يمكن كذلك قبول التبرير القائل بوجود جزء اساسي من الجيش المصري في اليمن، او الحديث عن تأثيرات جانبية كالقول ان حلفاء الرئيس جمال عبد الناصر المقربين في الدول العربية بدأوا في الاختفاء، كالانقلاب على الرئيس احمد بن بيلا من قبل الرئيس بومدين في حزيران / يونيو 1965. او الاطاحة بالرئيس العراقي عبد السلام عارف في نيسان / ابريل 1966، بالقائه من الطائرة المروحية التي كان على متنها. او اختفاء حلفائه في دول عدم الانحياز، حيث اطاح انقلاب عسكري في شباط / فبراير 1966 بالرئيس الغاني كوامي نيكروما. وارغام الرئيس الاندونيسي سوكارنو على التنازل عن حكمه للجنرال سوهارتو في آذار/ مارس 1966.

الحرب، هي السياسة بوسائل عسكرية. والسياسة تقوم على مبدأ «فن الممكن» وليس الانتحار، وركوب الرأس، لان مصير امة بحالها من غير المنطقي ان يتقرر نتيجة ردة فعل عاطفية، وانسياق وراء المزاج الجماهيري. ومن يريد الحرب، عليه ان يكون المبادر لها في الزمان والمكان، الذي هو يحدده. لا ان ينتظر هجوم اسرائيل.

مع ذلك، فان كارثة حزيران / يونيو 67، بقدر ما اسقطت الرهان على النظام السياسي العربي، بقدرما فتحت الافق واسعا امام تجديد ولادة الثورة الفلسطينية للمرة الثانية (الاولى كانت الانطلاقة في مطلع يناير 1965)، وتكريس الظاهرة العلنية في الساحات العربية، وقبول النظام الرسمي العربي بها مرغما، ليس هذا فحسب، بل والتساوق مع شعاراتها، ومدارات قياداتها، ومحاولة استرضاءها للتغطية على العجز العربي الرسمي. ولكن تكتيكيا وليس استراتيجيا، ولا يوجد نظام عربي مستثنى من ذلك، الانظمة الوطنية قبل الرجعية. لانه لم يكن لاي من الانظمة العربية مصلحة بوجود ثورة فلسطينية تخرج عن عصا الطاعة العربية. ولم تستسلم تلك الانظمة في وضع يدها على القرار الفلسطيني حتى اللحظة المعاشة، رغم الاقرار الرسمي بعد قرار فك الارتباط الاردني بالشعب الفلسطيني في الضفة الفلسطينية، مع ان القيادة السياسية الفلسطينية حاولت وما زالت تحاول المواءمة مع سياسة النظام العربي، وتسعى بشكل دؤوب لتعزيز الواسم المشتركة مع اهل النظام العربي، لادراكها، ان القضية الفلسطينية كانت ومازالت، ورغما عن الملوك والرؤساء العرب قضية العرب المركزية.

لعل عصر الثورات العربية الجديد، الحامل لادوات ومعايير التغيير في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العربية، لعله يكون قادرا على ازالة تداعيات هزيمة حزيران 1967 الكارثية في ذكراها الرابعة والاربعين. غير انه من المبكر تحميل الثورات العربية اكثر مما تحتمل، لا سيما وانها ما زالت تعيش مرحلة الولادة، ولم تتبلور صورة المولود الجديد، خاصة وان القوى المتكالبة على اخصائه منذ بدأت عملية الولادة تجري على قدم وساق مع كل طلعة شمس هناك محاولات للعبث بمصير الثورات العربية المجيدة. ما يفرض على قواها الحية السياسية والاجتماعية والثقافية خاصة في مصر وتونس التصدي الفعال للقوى الاصولية التي تسعى لتسويق ذاتها في اوساط الدول الغربية عموما والولايات المتحدة خصوصا. وبمقدار نجاحها في صون شعار الثورة الناظم «بناء الدولة المدنية لكل مواطنيها»، بمقدار ما يمكن الرهان على المستقبل العربي الجديد.

* عادل عبد الرحمن

كلمات دليلية :