لماذا تغير الخطاب المصري تجاه حماس؟

لماذا تغير الخطاب المصري تجاه حماس؟
الإثنين ٢٤ مايو ٢٠٢١ - ٠٥:٠٧ بتوقيت غرينتش

يصعب على المتابع لخطوط الاشتباك السياسيّ والأمني بين النظام المصري وسلطة «حماس» في غزة تجاهل تطوّر كبير وملحوظ على خطاب القاهرة الرسمي، واستتباعا، خطاب الإعلام المرتبط بها، أثناء العدوان الإسرائيلي على القطاع وبعده.

العالم- مصر

ويصعب على المتابع لخطوط الاشتباك السياسي والأمني بين النظام المصري وسلطة «حماس» في غزة تجاهل تطور كبير وملحوظ على خطاب القاهرة الرسمي، واستتباعا، خطاب الإعلام المرتبط بها، أثناء العدوان الإسرائيلي على القطاع وبعده.

لقد كانت القاهرة، خلال حقبة جمال عبد الناصر، عاملا رئيسيا في صناعة الحدث الفلسطيني، بدءا من إشرافها المباشر على قطاع غزة قبل هزيمة 1967، ودورها المعلوم في دعم تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، ومرورا بظلها الكبير في أحداث مفصلية، كمعارك أيلول/سبتمبر 1970 في الأردن، وصياغة اتفاقية القاهرة التي مأسست وجود المنظمة والفلسطينيين في لبنان، وصولا إلى الدور المعقد الذي لعبته لاحقا خلال فترة حكم محمد أنور السادات، الذي كان دوره في اتفاقيات كامب موجودا في كواليس اتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 1993، التي أدت لنشوء سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني، ومن نتائج ذلك، غير المباشرة، تمكن «حماس» من السيطرة السياسية والعسكرية على القطاع منذ عام 2007.

لعب تحرك الجيش المصري عام 2014 ضد الرئيس الراحل المنتخب محمد مرسي، دوراً في تأزيم العلاقة بين الطرفين، ومع صعود تيار أمني مناهض للإسلاميين داخل النظام المصري صار من لزوميات الخطاب الإعلامي الرسمي اعتبار حركة «حماس» جماعة إرهابية، وتحميلها مسؤولية التحركات المناهضة للنظام في شبه جزيرة سيناء، كما صارت تهمة «التعامل مع حماس» جاهزة للاستخدام في المحاكم المصرية ضد مسؤولي حركة «الإخوان المسلمين» (بمن فيهم مرسي نفسه) المعزولين والمطاردين، وبهذا المعنى فقد صارت «حماس» شأنا داخليا مصريا، أكثر منها جزءا من القضية الفلسطينية، التي لا يمكن عمليا لأي نظام مصري أن يتجاهلها، لأن ذلك سينعكس سلباً على استراتيجياته الإقليمية والعربية والعالمية.

أدى ذلك إلى فصل «قسري» بائس ومستحيل ليس مع «حماس» وحدها، بل بين الشأنين المصري والفلسطيني، وقد وصل ذروته بالترويج الرسمي لقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بإعلان القدس عاصمة ل"إسرائيل"، أما «حماس» فحافظت من ناحيتها على استراتيجية ثابتة بالتعاطي الإيجابي مع السلطات المصرية، عبر حفظ الحدود، والتعامل السلبي مع التنظيمات السلفية المسلحة المصرية (على عكس ما كانت تروج وسائل الإعلام).

مع هبوب موجة التطبيع الجامحة التي قادتها الإمارات، وإحساس القاهرة، فجأة، بمساوئ فقدان التوازن في القضية الفلسطينية، وكذلك بفقدان دورها السابق كوسيط عربي فاعل في شؤون الفلسطينيين، وبين المنظومة الدولية و"إسرائيل"، كان من الطبيعي أن تقوم القاهرة بمراجعة سياساتها لاستعادة المبادرة في القضيتين المترابطتين. لقد انقلب تأييد النظام المصري لـ«صفقة القرن» والجفاء للفلسطينيين، قيادات وجماهير، خسارة سياسية فادحة.

إضافة إلى هجمة أبو ظبي التطبيعية، فوجئت القاهرة بركوب الإمارات على خط إحياء مشروع «إيلات ـ عسقلان» لنقل النفط العربي إلى أوروبا عبر "إسرائيل"، وهو ما يمثل خطرا على دور قناة السويس، وكذلك على خط «سوميد» المصري الناقل للنفط من خليج السويس إلى بحر المتوسط، كما كان لافتا اتخاذ أبو ظبي دورا «وسيطا» في صراع مصر والسودان مع اثيوبيا على خلفية سد النهضة.

لكل هذه الأسباب فقد جاءت أحداث الشيخ جراح والأقصى، ثم العدوان الإسرائيلي على غزة لتفتح للقاهرة باب إعادة ترتيب الخطاب الرسمي، وهو أمر لقي ترحيبا سريعا من قبل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ونتج عنه اشتراك مصري اردني في الوساطة، وإعلان مفاجئ للسيسي عن تخصيص مبلغ 500 مليون دولار لإعمار غزة.

بعد أن كانت «حماس» الشماعة التي علق عليها النظام المصري مشاكله الأمنية في سيناء، وبعد أن كانت رقعة تهديف، وكان التخابر معها تهمة خطيرة، صارت الحركة، واشتباكها العسكري مع "إسرائيل"، هدية كبرى للنظام المصري أعادته إلى موقع الأحداث.

القدس العربي