'سبعٌ عجاف' قبل 'الفرج'... رواية السيسي لسنوات حُكمه

'سبعٌ عجاف' قبل 'الفرج'... رواية السيسي لسنوات حُكمه
الخميس ١٠ يونيو ٢٠٢١ - ٠٨:٣٠ بتوقيت غرينتش

"يبشّر" النظام المصري، مواطنيه، برخاء قادم سيعيشونه في كنف "الجمهورية الجديدة"، بعد "السبع العجاف" التي تحمّلوها في انتظار بزوغ فجر "العاصمة الإدارية"، درّة إنجازات الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمتوقّع افتتاح المرحلة الأولى منها في وقتٍ قريب. وفي هذا الإطار، تنشط حملة إعلامية موجّهة، هدفها، أوّلاً وأساساً، إظهار ما "تكبّده" الحُكم الجديد، لتحقيق "الرفاهية" المفترضة.

العالم - مصر

صدرت تعليمات مباشرة إلى وسائل الإعلام المصرية بالتركيز على إنجازات الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال السنوات السبع الماضية، عُمر حُكم "الجنرال"، والتي يسعى الإعلام الحكومي إلى تصويرها على أنها السنوات "السبع العجاف" التي سيعقبها رخاء سيؤمّنه الانتقال إلى "الجمهورية الجديدة"، وهو الاصطلاح الذي بات يُستخدم، أخيراً، بشكل مكثّف، في انتظار افتتاح المرحلة الأولى من "العاصمة الإدارية". صحيح أن موعد افتتاح العاصمة تأخّر عاماً بسبب الأزمة الوبائية، إلّا أن ذلك لم يعنِ شيئاً للمواطن المصري، كونه لن يستفيد، على أيّ حال، من "العاصمة الإدارية" التي لن يتمكّن قطاع عريض من السكان من الإقامة فيها، إذ سيقتصر الانتقال إليها على عالم المال والأعمال ورجال الثروة الذين تسعى الحكومة إلى استقطابهم، فضلاً عن إتاحة شكل من أشكال التنظيم الحضاري المتمثّل في تجميع الوزارات والهيئات الحكومية والسفارات في مقرّ واحد، وفي أحياء متقاربة عبر نموذج يشبه ما تطبّقه بعض دول الخليج الفارسي. وبينما استخدم السيسي مصطلح "الجمهورية الجديدة" تعبيراً عن إتاحة الخدمات الإلكترونية والانتقال إلى العصر الرقمي، لا تزال الدولة تُحصّل رسوم هذه الخدمات بشكل مضاعف من المواطنين، في مقابل رسوم إضافية نظير الخدمات الإلكترونية التي توفّرها، ما يعني أن المواطن يتحمّل من جيبه تكلفه كلّ ما تنفّذه الدولة.

في "السبع العجاف"، كما يقول النظام، تضاعفت معدّلات التضخّم بدرجة غير مسبوقة منذ الثمانينيات، وفقد الجنيه المصري 120% من قيمته، قبل أن يتحسّن وضعه قليلاً في العامين الأخيرين، محقّقاً استقراراً نسبياً، فيما ارتفعت أسعار جميع الخدمات المقدَّمة بنسب تصل إلى 1000%، وفُرضت ضرائب ورسوم على كلّ شيء، بما في ذلك على التعليم الذي كان مجّانياً قبل أن يتمّ وضع برامج مميّزة له برسوم مرتفعة، وزيادة أسعار المدارس الحكومية بنسبة 500% لجميع المراحل التعليمية. وباستثناء مشروعات محدودة للغاية، حقّقت الحكومة من وراء غالبيتها فوائد مالية كبيرة ــــ من مِثل مشروع تطوير العشوائيات التي بيعت بأسعار تفوق قيمتها في مقابل تأمين شقق متواضعة لسكّان هذه المناطق ــــ، فإن جميع المصريين، من دون استثناء، تضرّروا من جرّاء الرسوم والضرائب والزيادات السنوية التي شملت أساسيات الحياة، من مياه وكهرباء وغيرها.

في سنوات السيسي السبع، سعى الرئيس المصري إلى التخلّص من أيّ أعباء مالية على موازنة الدولة، بعدما اعتمد على الاقتراض لرفع الدعم بشكل تدريجي، حتى أصبح نحو 40% من موازنة الدولة يذهب نحو تسديد الديون. وكان السيسي قد اتّكل، في سنواته الأولى، على مِنح (دول مجلس التعاون وودائعه التي لا يزال المصرف المركزي يحتفظ بجزء كبير منها في الاحتياطي النقدي. مع هذا، يَعِد النظامُ المصريين بحياة أفضل في المستقبل القريب، على رغم أن الواقع يبيّن أنه لا يستطيع توفيرها، وخصوصاً في ظلّ استمرار وقف التعيينات في الوظائف الحكومية، ومحاصرة المواطنين بالضرائب والرسوم، واستمرار سياسة الاقتراض التي تأتي تطبيقاً لأجندة اقتصادية دولية فرضها "صندوق النقد الدولي".

ولتطبيق خطّته، حوّل النظام المصري، المواطنين، ليكونوا بمثابة ماكينات دفع للدولة، بصرف النظر عمَّا يملكونه من أموال، فيما لم يسعَ حتى إلى تقريب الفوارق بين الطبقات تحقيقاً للعدالة الاجتماعية التي مثّلت أحد وعوده إبّان حملته الانتخابية الأولى. لكن الرئيس الذي مرّر استفتاءً زاد فيه مدّة بقائه في الحُكم إلى ما بعد عام 2024، لم يقدِّم أجندة اقتصادية تقوم على الإنتاج الحقيقي سوى في الأشهر الأخيرة. لذا، فإن ما دمّره النظام في سنواته السبع الأخيرة، أكبر بكثير ممّا حقّقه، ليس فقط في الملفّات السياسية التي بدأ يستعيد زمامها أخيراً بعد فترة من التخبّط، ولكن في التنازلات والمشروعات التي لم تجنِ ثمارها، بدءاً من التوسّع العمراني بشكل غير مسبوق، مروراً بتفريعة قناة السويس الجديدة التي جرى سداد كلفتها بالدولار، على رغم أزمة العملة الطاحنة، وصولاً إلى تشويه مناطق تاريخية من أجل توسيع الطرق لفرض مبالغ مالية من أجل السماح بالمرور عليها. تنازَل السيسي في سنواته السبع عن جزيرتَي تيران وصنافير لمصلحة السعودية، وانحاز إلى السعودية والإمارات في مقاطعتهما قطر، ومن ثمّ تصالح مع الأخيرة عندما قرّرت «المصالحة» المملكةُ التي ظلّ لفترة متماهياً معها، قبل أن تبدأ علاقته بوليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، تفتر نسبياً. كذلك، حاول، خلال السنوات الأربع الماضية، العمل على استعادة مكانة مصر في القارة الأفريقية، في وقت فشلت فيه محاولاته في حلّ أزمة «سد النهضة» الإثيوبي.

بناءً على ما تَقدّم، لم تلقَ توجيهات الإعلام المصري بإبراز "الإيجابيات" التي تحقَّقت في السنوات السبع الماضية، قبولاً كبيراً في الشارع، على رغم تخصيص أعداد من الصحف والمجلات، بما فيها تلك الفنّية، للحديث عن إنجازات الرئيس، ووصفه بـ"الرئيس الإنسان" الذي يعمل لمصلحة المواطن، مقابل تغييب رأي الشارع، الذي يُتوقّع أن يتفاقم غضبه مع انطلاق "الجمهورية الجديدة"، حين ترتفع أسعار جميع الخدمات مطلع الشهر المقبل.

* الأخبار

تصنيف :