معبر باب الهوى والعدّ التنازلي لحل الأزمة السورية

معبر باب الهوى والعدّ التنازلي لحل الأزمة السورية
الجمعة ١١ يونيو ٢٠٢١ - ٠١:٣٤ بتوقيت غرينتش

شكّل خروج معبر باب الهوى الحدوديّ مع تركيا عن سيطرة الحكومة السورية في 19 تموز (يوليو) من عام 2012 إثر استيلاء فصائل مسلحة عليه، البداية الفعلية لانفتاح الأزمة السورية على البعدين الإقليمي والدولي ووقوعها لاحقاً في فخ التدويل الذي لا تزال تعاني من تداعياته حتى الآن. وتناوبت على المعبر منذ ذلك التاريخ أشكال مختلفة من الفصائل المسلحة، كانت سيطرة كل فصيل منها بانتماءاته وارتباطاته وإيديولوجيته، تؤشر إلى مرحلة جديدة من عمر الأزمة السورية.

العالم-مقالات وتحلیلات

لذلك لا يبدو من المستغرب أن يكون المعبر نفسه حالياً محور نقاشات دولية ستجرى قريباً من أجل تحديد مصيره ودوره في مستقبل الأزمة السورية، فإما أن تكون نتيجة النقاشات الفشل وبالتالي يستمر المعبر بالقيام بدوره بؤرةَ تصعيد بين القوى الكبرى وميداناً للصراع السياسي الدولي، وإما أن يحدث التوافق بين هذه القوى ويكون ذلك بمثابة إشارة جدية الى بدء العدّ التنازلي لحل الأزمة السورية.

المعبر الذي كان يشكل أول نقطة عبور للأسلحة والمقاتلين الأجانب بإشراف تركي مباشر من مختلف دول العالم إلى الداخل السوري بهدف تأجيج المعارك والضغط لإسقاط النظام السوري، بات اليوم نقطة العبور الوحيدة المعترف بها دولياً لإدخال المساعدات الأممية والدولية إلى المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق.

في الظاهر ثمة فارق شاسع بين الدورين اللذين تعاقب المعبر على أدائهما، وكأنه قرر أن يغسل يديه من تاريخه الدموي السابق من خلال فتح أبوابه على مصراعيها لممارسة أدوار إنسانية مستجدة. ولكن الحقيقة هي أن المعبر ما زال يقوم بالدور نفسه ولكن بأدوات وأساليب مغايرة تميل أكثر نحو السياسية مع بقاء التصعيد العسكري تحت الرماد، فضلاً عن أن بصمات تركيا لا تزال مرئية للعيان على الرغم من ارتداء ساستها قفازات الدعم والمساعدات الدولية.

وتقف الأزمة السورية اليوم على مسافة شهر واحد عن معركة دبلوماسية من المتوقع أن تشهدها أروقة مجلس الأمن الدولي لمناقشة إمكان تجديد آلية إدخال المساعدات الدولية حيث سيكون معبر باب الهوى محور التجاذبات بين الدول الأعضاء على اختلاف مصالحهم وأجنداتهم.

وكان القرار الأممي الصادر في تموز (يوليو) الماضي قد حصر إدخال المساعدات من خلال معبر واحد هو معبر باب الهوى ولمدة عام فقط، بينما كانت آلية إدخال المساعدات قد بدأت عام 2014 باستخدام أربعة معابر حدودية تتوزع في شرق سوريا وغربها مع كل من لبنان والعراق وتركيا والأردن، وذلك إلى أن تقلصت إلى معبرين اثنين قبل أن تنجح روسيا والصين في حصرها بمعبر باب الهوى لوحده العام الماضي.

وليس من قبيل الصدفة أن يأتي موعد القمة بين الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في 16 حزيران (يونيو) الجاري قبل أسابيع قليلة فقط من جلسة مجلس الأمن لتجديد آلية إدخال المساعدات المتوقع انعقادها بعد العاشر من تموز (يوليو) المقبل.

وإذا كان هذا التزامن يحمل في طياته دلالة كبيرة على مدى أهمية المعركة المرتقبة حول معبر باب الهوى، فإن بعض التحضيرات التي سبقت ذلك يمكن أن تؤشر أيضاً الى سمة الحسم التي باتت تطغى على المعركة ومدى تأثيرها في حل الأزمة السورية. ولا يمكن في هذا السياق التغافل عن الجهود المتسارعة التي تبذلها “هيئة تحرير الشام” بقيادة أبي محمد الجولاني بمساعدة بعض الأطراق الإقليمية والدولية من أجل تلميع صورة الهيئة ومحاولة رفع اسمها عن قوائم الإرهاب الدولية.

والمحكّ هنا أن سيطرة تنظيم إرهابي على معبر باب الهوى سيعطي روسيا والصين ذريعة مشروعة من أجل رفض التمديد لآلية إدخال المساعدات. لذلك تسارعت جهود بعض المراكز البحثية والإعلامية الغربية لعقد لقاءات صحافية مع الجولاني والسماح له بتصدير صورة إيجابية عن تنظيمه تقوم على أساس أنه لا يشكل أي تهديد للدول الغربية وأنه يحارب النظام السوري و روسيا وإيران فقط.

علاوة على ما سبق تحدثت تقارير إخبارية عن رغبة أميركية، ليس في تمديد قرار إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى وحسب، بل بتوسيع القرار ليشمل أيضاً معبر اليعربية الذي يربط بين العراق والشرق السوري حيث تسيطر “قوات سوريا الديموقراطية” وينتشر مئات من الجنود الأميركيين.

وقد استهلت واشنطن مساعيها هذه بسحب ترخيص شركة “دلتا كريسنت أنرجي” للعمل في حقول النفط في مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا، وذكرت تقارير إعلامية كردية أن الإجراء الأميركي يرجع إلى رغبة واشنطن في التفاوض مع موسكو على زيادة المعابر الحدودية الخاصة بإدخال المساعدات مقابل التخلي عن نفط الشرق السوري لروسيا. وأضافت التقارير أن شركات نفط روسية تتحضر للانتقال إلى المنطقة التي كانت تديرها شركة “دلتا كريسنت إنرجي” المرخصة للعمل في شمال شرقي سوريا.

وعلى الرغم من أن التجاذب الدولي على المعبر تحول ورقة قوية بيد روسيا تستطيع من خلالها الضغط على الدول الأعضاء في مجلس الأمن لتحصيل مكاسب سياسية، إلا أن التعقيدات والتشابكات التي تحيط بهذا الملف يمكن أن تتفاعل بطرق مختلفة قد تؤدي بدورها إلى نتائج غير متوقعة تدور بين استمرار التهدئة وفق الوضع القائم أو النزوع نحو التصعيد السياسي أو العسكري. وقد تكون عمليات القصف المعلومة الفاعل أو المجهولة التي طاولت أهدافاً عدة بالقرب من معبر باب الهوى خلال الشهور الماضية مجرد إشارة إلى ما يمكن أن تتطور إليه الأوضاع في حال عدم الوصول إلى توافق دولي حول المعبر والدور الذي سيقوم به مستقبلاً.

ويرى بعض المراقبين أن معبر باب الهوى كما كان مدخلاً لتدويل الأزمة السورية عام 2012 عندما سيطرت عليه فصائل مدعومة من تركيا، فإنه اليوم يقف على منعطف جديد قد يؤشر إما إلى استمرار الاستعصاء الدولي حول الأزمة السورية وسبل حلها وإما إلى وصول اللاعبين الدوليين إلى تفاهم أولي لوضع الأزمة على مسار الحل النهائي. وتحكم هذه المعادلة ثلاثة احتمالات فقط: الأول أن تنجح مساعي روسيا والصين في منع التمديد لقرار آلية إدخال المساعدات وحصرها بالقنوات التابعة للحكومة السورية.

فهذا الاحتمال على ضعف إمكان حدوثه وفقاً لموازين القوى الحالية، سيكون مؤشراً الى سحب المظلة الدولية من فوق الأزمة السورية وتوكيل حلها إلى روسيا. والاحتمال الثاني أن تنجح واشنطن في تمديد القرار وتوسيعه ليشمل معبري باب الهوى واليعربية، ففي هذه الحالة سيكون تمرير هذا السيناريو بمثابة إشارة إلى وجود رغبة دولية في ترك الأزمة السورية في نفق التدويل ضمن تعقيدات وتشابكات مفتوحة على احتمالات كثيرة، بخاصة أن أنقرة ستنظر إلى فتح معبر اليعربية على أنه خدمة لعدوها اللدود “قوات سوريا الديموقراطية.

والاحتمال الثالث هو بقاء معبر باب الهوى على وضعه الراهن باعتباره المعبر الوحيد المقبول دولياً لدخول المساعدات، وهو ما سيعني عملياً تمديد عمر الأزمة السورية وبقاءها في حالة ستاتيكو سياسية وعسكرية إلى أن يخوض اللاعبون الدوليون مواجهتهم المقبلة لتغيير الدور الموكول الى معبر باب الهوى.

المصدر: النهار العربي- الكاتب: عبدالله سليمان علي