السعودية.. بين الإفراج عن الناشطات ومواصلة حملة التطهير

السعودية.. بين الإفراج عن الناشطات ومواصلة حملة التطهير
الأربعاء ٣٠ يونيو ٢٠٢١ - ٠٣:٣٠ بتوقيت غرينتش

قبل أيام، أَفرجت السلطات السعودية عن الناشطتين "سمر بدوي"، و"نسيمة السادة"، والرادود الحسيني "محمد بوجبارة"، بعد انتهاء محكوميتهم، (وهي ثلاث سنوات للناشطتين وتسعة أشهر للرادود)، وفق السبب المعلن رسميا.

العالم - السعودية

لكن الإفراج عنهم ولد انطباعا بأن ولي العهد، محمد بن سلمان، يعطي دفعة أخرى على الحساب لإدارة جو بايدن التي جعلت من ملف حقوق الإنسان «ميزة» في تعاملها مع المملكة، ومطية للضغط على ولي عهدها نتيجة سوء العلاقة معه، لأسباب كثيرة من بينها مغامراته التي يرى البيت الأبيض أنها تضر بالمصالح الأميركية، وإنْ لم يتسبب ذلك بإحداث تحولات في جوهر سياسة واشنطن تجاه الرياض.

ومع نشر ما يسمى «معهد واشنطن لدراسات الخليج»، أول من أمس، تقريرا تحدث فيه عن إصدار محكمة عسكرية سعودية حكما بإعدام القائد السابق للقوات السعودية في اليمن، الفريق الركن "فهد بن تركي بن عبد العزيز"، بتهمة «الخيانة العظمى»، على خلفية محاولة انقلاب على الملك سلمان وولي عهده، بدا أن ثمة سياقا ثانيا موازيا - إذا صح نبأ حكم الإعدام - لإطلاق سراح المذكورين أعلاه: محاولة امتصاص ما يمكن أن يثيره النبأ من ردود فعل، في وقت يظهر فيه الحكم نفسه أن ابن سلمان الذي يواجه معارضين أقوياء في السجن والمنفى، ما زال غير مطمئن إلى ما تحمله الأيام في ما يتعلق بتوليه العرش خلفا لأبيه.

ابن تركي، وهو ابن أخ الملك سلمان ومتزوج من عبير، بنت الملك الراحل عبد الله، أعفي من مهامه في الأول من أيلول الماضي، بعدما كان تسلمها بترقية من ابن سلمان نفسه في شباط 2018، ثم اعتقل إلى جانب نجله عبد العزيز الذي كان نائبا لأمير منطقة الجوف وآخرين بتهم فساد في وزارة الدفاع، لكن «معهد واشنطن» يقول إنه تمكن من الحصول على وثائق صادرة عن وزارة العدل السعودية، تشير إلى أن الاتهام يتعلق بتحويل مئة قطعة أرض مخصصة للسكن تبلغ مساحتها مجتمعة نحو كيلومتر مربع، إلى أولاد فهد بن تركي الأربعة، عبد العزيز وأخواته الثلاث، في عام 2014، خلال حكم جدهم عبد الله.

ووصل خبر حكم الإعدام إلى «معهد واشنطن» عبر قريب لفهد بن تركي، لم يشأ الكشف عن هويته، تشارك مع المعهد رسالة نصية تلقاها من مسؤول سابق بارز في الرياض.

وبحسب القريب نفسه، فإن الحكم محاولة للضغط على عبير التي تعيش في المنفى في اسكتلندا منذ ما قبل اعتقال زوجها وابنها، لتسليم ابن سلمان أموالا وممتلكات مختلفة، تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.

قللت واشنطن من تعليقاتها العلنية على ما يجري في السعودية في الآونة الأخيرة

بعد وفاة عبد الله وتولي سلمان العرش، تعرض جميع أبناء الملك الراحل وبناته وكثير من أحفاده للسجن، أو سلبت أموالهم في إطار حملة «تطهير» قادها ابن سلمان المدفوع بكراهية شخصية للراحل من جهة، وبرغبة في إزاحة المنافسين من طريقه إلى العرش، من جهة أخرى. ولم يفوت ولي العهد فرصة للهجوم على عبد الله ولا لتصفية تركته، إذ كان قد تحدث (في المقابلة الأخيرة مع التلفزيون السعودي في نيسان الماضي) عن الفساد الذي ساد عهده، قائلا إن بعض وزرائه لا يصلحون أعضاء مجلس إدارة في شركة صغيرة.

كما أنه يواصل احتجاز أقوى رجال حكم الملك الراحل، وعلى رأسهم محمد بن نايف. على أن التكتم الرسمي السعودي على القضايا المتعلقة بالمعارضين المعتقلين، وخصوصا أصحاب الأوزان الثقيلة منهم، تجعل من الصعب إقامة رابط بين التهمتين الموجهتين إلى فهد بن تركي، أي الفساد ومحاولة الانقلاب، إلا أن كلتيهما تحاكيان التهم التي اعتقل على خلفيتها معظم من جرى احتجازهم على يد ابن سلمان.

وفي حالة فهد، يمكن إضافة أمر آخر، وهو تحميله مسؤولية الفشل الذريع الذي مني به التحالف السعودي - الإماراتي في اليمن، والذي يحتاج ولي العهد فيه إلى كبش فداء يلقي عليه حمل ما آلت إليه الأمور، في إطار سعيه - بلا طائل حتى الآن - إلى الخروج من هذه الورطة.

على أن الأسئلة التي تبقى معلقة، هي: أين إدارة بايدن مما يفعله ابن سلمان؟ هل دخلت بالفعل في مقايضات معه تقتضي منها غض النظر؟ أم أن ولي العهد مستمر في محاولة فرض أمر واقع عليها عبر حملة الرعب التي بدأ بها حكمه، والتي تجعل اقتلاعه أكثر صعوبة مع مضي الوقت، وهو ما سلم به وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، حين قال، قبل شهرين، إنه «يبدو أن ابن سلمان سيتزعم السعودية لفترة طويلة»؟

في كل الأحوال، قللت واشنطن من تعليقاتها العلنية على ما يجري في السعودية في الآونة الأخيرة، في ما يعكس قلة اكتراث، خاصة أنها ماضية في سحب موجوداتها العسكرية في منطقة الخليج الفارسي، وآخرها منظومات «باتريوت». لكن، حتى هذا قد لا يكون كافيا لطمأنة ابن سلمان الذي ما كان ليصل إلى ولاية العهد لولا رافعة دونالد ترامب التي حملته إلى المنصب، وأتاحت له جرف الخصوم كلهم من طريقه.

إذ لن يطمئن ولي العهد إلا إذا حصل على تأييد أميركي صريح، لأن عدم الاهتمام، بالنسبة إليه، يضع الإدارة الأميركية في موقع التعامل مع أطراف ومراكز قوى سعودية مختلفة، في الحكم والمعارضة، وفي الداخل والخارج.

والحكم على فهد بن تركي، إذا ثبتت صحته، يمثل استئنافا للحملة التي أطلقها ابن سلمان بعد توليه ولاية العهد في عام 2016، حين عزل محمد بن نايف، ثم اعتقل في إطارها، في خريف عام 2017، العشرات من أمراء آل سعود وكبار رجال الأعمال في فندق «الريتز»، قبل أن يخف زخمها كثيرا منذ ذلك الحين، لتحل محلها، بعد فوز بايدن بالرئاسة، مخاوف لدى ابن سلمان من اشتغال الأميركيين على إزاحته، بسبب الاستياء العارم الذي ولده في واشنطن اغتيال جمال خاشقجي في تشرين الأول 2018.

المصدر: جريدة الأخبار