وإلا.. اغبياء اغبياء اغبياء

وإلا.. اغبياء اغبياء اغبياء
الأحد ٠٤ يوليو ٢٠٢١ - ٠٤:٠٣ بتوقيت غرينتش

وكأن الفرقة الموسيقية كانت تنتظر المايسترو الامريكي لينفذ ضربته ضد الحشد الشعبي العراقي الاسبوع الماضي، حتى اجتاحت وسائل الاعلام، ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، معزوفة، ان امريكا وايران تصفيان حساباتهما على الارض العراقية، في محاولة مفضوحة، لجر الرأي العام الى مكان اخر، بعيدا عن هذه الجريمة البشعة المنتهكة للقوانين الدولية والسيادة العراقية والاعراف الحقوقية..  

العالم - مقالات وتحليلات

وعلى قاعدة "ان هتلر سيقتل كل الاطباء باستثناء طبيب واحد، سأل المواطنون، من هو الطبيب المستثنى؟ ولماذا استثني من القتل؟" وتناسوا قتل كل الاطباء الاخرين في غباء ولا ابشع.....

الحقيقة، ان الجريمة الامريكية البشعة، تأتي في اطار تصفية الولايات المتحدة حساباتها مع الحشد الشعبي المقاوم، الذي هزم بفتوى الجهاد الكفائي للمرجع آية الله السيد علي السيستاني ربيبة امريكا، 'داعش' الوهابية الارهابية، والذي يطالب بخروج القوات الامريكية من العراق باعتبارها قوات محتلة، دمرت العراق، ونهبته وصادرت قراره، واقحمت عليه 'داعش' الوهابية الارهابية، وفككت مؤسساته وقواته العسكرية، وسرق مندوبها السامي بول بريمر ومَن بعده، مئات المليارات من الدولارات من حقوق الشعب، وأتت بمسؤولين فاسدين لقيادته وقيادة مرافق البلد الحيوية، وتركت الخدمات الحياتية للمواطنين متهالكة، وبينها الكهرباء، (فكيف بدولة بترولية غنية كالعراق لا يكون فيها كهرباء 24 على 24 ساعة يوميا؟، وكيف لا تكون فيها مؤسسات خدمية محترمة...الخ) فهل ايران هي التي تمنع ذلك؟ وبالتالي تأتي امريكا لتصفي الحساب معها على الارض العراقية، ام ان من امسك الارض منذ احتلال العراق هو الذي يصفي حساباته مع الشعب العراقي ويحاربه في لقمة عيشه وحقوقه اليومية؟

بعبارة اخرى، هذه الدولة المحتلة امريكا، لا تريد ان يقف بوجهها احد ويقول لها لا، هي تريد ان تسيطر على كل شيء، وتحاول نسف من يقف امام مخططاتها ومشاريعها، واخراجه كليا من المعادلة، لذا تجدها تلجأ الى اسلوب الاغتيالات، والغارات الجوية والعمليات الامنية والحروب الناعمة والاعلامية والاقتصادية، واستخدام اذرعها المدنية المعروفة بمنظمات المجتمع المدني (NGO,s) لتصفية حساباتها مع الحشد الشعبي، باتهامه، بالتحريض على المتظاهرين وتصفيات ناشطين مدنيين..الخ، لإحداث انشقاق وتفرقة بين ابناء الوطن الواحد.

اذن ليس الامر تصفية حساب بين ايران وامريكا على الارض العراقية، بل هو تصفية حسابات امريكية مع الحشد الشعبي وقادته وانصاره لعرقلتهم مشاريعها ومخططاتها في العراق. اما الدور الايراني فيقتصر على داعم الحشد وقِوى الشعب الحية في تحقيق اهدافهم، بمناهضة الظلم الامريكي واحتلال الارض. وهذا هو الدور الايراني لا اكثر ولا اقل، وما يفرض هذا الدور هو التقاء المصالح والا فلم يكن ليكون من دور ايراني.

مع العلم ان ايران لا تدعم الحشد فقط بل اطراف الشعب العراقي، سواء كانت سنية او شيعية او كردية او غيرها.

ايضا، اذا كانت اكذوبة ان امريكا تستهدف مواقع الحشد الشعبي، بسبب ارتباطه بايران صحيحة، فلماذا تسعى امريكا الى تصفية المرجع السيستاني حيث لا تربطه بايران صلة كصلة الحشد؟ فهل تُعتبر هذه تصفية حسابات امريكية ايرانية على ارض العراق أيضاً؟
السفير الامريكي السابق في العراق دوغلاس سيليمان، دعا في مقابلة منشورة على موقع change.org الذائع الصيت، الى قتل السيد السيستاني والتخلص منه، وإنهاء الاسلام والشيعة والحشد الشعبي في العراق. ودعا ايضا للتخلص من بعض المسؤولين العراقيين.. بهدف "استراتيجيات لضمان المصالح الأمريكية في العراق خلال عهد بايدن" حسب قوله.
وللاسف لم تسمع مواقف عراقية او امريكية او غربية مدنية ، على الاقل، للتحريض على قتل السيد السيستاني.

ولا ننسى هنا ان السفير المحرّض على القتل والجريمة والفتنة، يشغل منصب رئيس "معهد دراسات دول الخليج العربية في واشنطن"، وهو يطالب المشرّعين الاميركيين باقرار استراتيجيته هذه. ومع شغله هذا المنصب، لم نسمع موقفا عربيا محتجا او منددا بالتحريض على اغتيال اعلى مرجعية دينية في العراق. الا يعني ذلك ان عربا تابعين للولايات المتحدة الامريكية، يقاسمونه هذه الاستراتيجية، وهم لعبوا سابقا، ولا يزالون، دورا تقسيميا مجزِّئا ومفتتا للعراق، من خلال دعم الغزو الامريكي للعراق وتقديم كل التسهيلات والتمويل له، ودعم انفصال كردستان، وتحريض الطوائف العراقية على بعضها، وادخال داعش والاف الدواعش الانتحاريين التكفيريين الى العراق، لتقسيمه وتفتيته وقتل ابنائه واثارة الفتن الطائفية والمذهبية والقومية، وقد نجحوا الى حد ما للاسف.

اذن هي محاولة خداع كبرى للرأي العام العراقي تحديدا والعربي والاسلامي والعالمي عموما، وعلى العراقيين الا يكتفوا بالسؤال عن الطبيب الذي استنثاه هتلر من القتل فحسب، بل يجب ان يسألوا عن كل الاطباء الذي سيقتلهم، عن مجزرة سبايكر، عن قتل عشرات الاف الاطفال اثناء الحصار الامريكي للعراق في عهد صدام وعن النفط مقابل الغذاء الذي ادى الى مجاعة عرقية كارثية، عن اكبر كذبة في التاريخ المعاصر، بان لدى العراق اسلحة دمار شامل، بهدف تبرير غزوه والسيطرة على ارضه وثرواته ونهب خيراته، عن تصريحات ترامب التي قال ان النفط العراقي من حق امريكا، ويجب ان يأخذه من هذا البلد، عن الاستباحة الامريكية للسيادة العراقية من خلال انتهاك اجوائها واغتيال قادته وضيوفه، والاستهتار الصارخ بكل القوانين والاعراف الدولية. (عندما قصفت المقاتلات الامريكية مواقع الحشد الشعبي ابان عهد ترامب، اتصل وزير خارجيته مارك اسبر برئيس الوزراء العراقي انذاك السيد عادل عبد المهدي، ليخبره بان المقاتلات الامريكية ستقصف مواقع الحشد، فرفض عبد المهدي، وابلغه بضرورة تشكيل لجنة تحقيق عراقية لمعرفة الجهة التي استهدفت موقعا امريكيا انذاك واستخدمته واشنطن ذريعة لقصف الحشد، فجاء رد اسبر فوريا، "لقد أُتُخذ القرار". الرواية للسيد عبد المهدي ذاته، لمن يرغب بالمراجعة).

وما علاقة ايران بمقولة اسبر "أُتُخذ القرار" الذي يعني ضرب وتجاوز السيادة العراقية والقرار العراقي المستقل... وهل مصادرة قرار الحكومة هو تصفية حسابات امريكية مع ايران على الارض العراقية؟

وهل حكومة السيد مصطفى الكاظمي الان محسوبة على ايران، حتى تتجاهلها واشنطن، وتتجاهل سيادتها وقرارها، وتستهدف مواقع الحشد الشعبي.. وبالتالي تكون تصفي حساباتها مع طهران على الارض العراقية؟

اليس وفقا للمفهوم الامريكي ان الحكومة العراقية الحالية، ليست محسوية على ايران بل محسوبة على البيت الابيض.. فلماذا يصفي قادة البيت حسابهم معها بهذه الاهانة والاذلال اليومي عبر خرق السيادة، وضرب القرارات الرسمية والبرلمانية بعرض الحائط. اليست هذه استباحة لكل ما هو في العراق على مختلف الصعد..؟

الولايات المتحدة تصفّي حساباتٍ على الارض العراقية مع العراق حكومة وشعبا وقوى حية، وتأخذ الراي العام الى "الطبيب المستثنى" لتنسيه مجازرها بحق كل الاطباء الاخرين.

اين ايران من كل هذه الانتهاكات الامريكية بحق العراقيين؟ وهي التي دعمتهم عندما حاصرتهم امريكا ايام النفط مقابل الغذاء، وتحدّت المجتمع الدولي انذاك الذي منع اي دولة من تقديم اي دعم او مساندة، وهي أوصلت لهم الغذاء، ولاطفالهم الحليب والدواء، وهي التي دافعت عنهم وأمدّتهم بكل الامكانات والاسلحة لمواجهة داعش التي دفعت بها امريكا لاجتياح العراق والتجزير باهله، وامدتهم بالغاز والكهرباء باسعار منطقية وصبرت على ديونها عليهم والمقدرة بمليارات الدولارات..

باختصار، يجب ان يواجه اجتياح الخداع والتضليل الامريكي الصهيوعربي، بتسونامي عراقي عربي اسلامي واع ومقاوم..

لان اهداف المخطط الامريكي الصهيو عربي الاستراتيجي، هو القضاء على كل مكامن القوة في هذا الشرق العربي الاسلامي.

وللتأكيد، فان مشاريع التقسيم الامريكية لدول المنطقة كل المنطقة، منشورة بشكل رسمي على مواقع الانترنت، وليست مخفية او خفية.

لذا فمن الغباء، ان نذهب الى السؤال عن "الطبيب المستثنى" من القتل، وننسى ان هناك، مبضعا جاهزا متحفزا ومتأهبا، لمشروع تقطيع جسد العراق والامة وتبضيعه، شاركت فيه بعض الانظمة العربية سابقا من تحت الطاولة واليوم تشارك فيه بالعلن.

وللتذكير، فان هذا المشروع ينضوري في اطار نظرية "دايفيد بن غوريون" المعروفة بنظرية "الطوق الثالث" او تحالف الاقليات في المنطقة، والهادفة الى تطويق، دول الطوق العربية، بطوق ثالث مهمته حصار دول الطوق،و زعزعة الاستقرار فيها، وابقائها في حال من التخلف بحيث لا يكون هم شعوبها، الا البحث عن تأمين لقمة العيش والخدمات الحياتية اليومية، وتركز الاسباب المركزية لهذه المشاكل التي تعاني منها المنطقةوشعوبها وعلى راسها الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين والوجود الامريكي في المنطقة.

وللراي العام العربي والاسلامي عموما والعراقي خصوصا، نقول انه يجب الالتفات الى ان الدلائل الواقعية للمشروع الامريكي-الصهيوني-العربي، ماثلة امام العيون في الحرب الكونية على سوريا، ومحاولة تقسيمها وتجزئتها، حيث كان الجماعات المسلحة تتقدم على الارض وخلفها الغرب والعرب، حاملين خرائط التقسيم الجغرافي والقومي والمذهبي والطائفي، وحالمين بتنفيذها، الامر ينطبق ايضا على العراق واليمن ولبنان وفلسطين والسودان وليبيا ومصر ... الخ..

يجب الا نكون اغبياء.. علينا ان نعرف لماذا يقتل جميع الاطباء؟ ولماذا لا يقتل الطبيب المستثنى؟ وعلينا ان نستبق تنفيذ جريمة قتل الاطباء ونمنعها، ونقضي على الجاني قبل ان يحقق اهدافه ومشاريعه ويقتلنا جميعا.. والا فنحن ..اغبياء اغبياء اغبياء.....حتى ينقطع النفس...

د حكم امهز ... متخصص في شؤون الشرق الاوسط