انسحاب الأمريكان من قاعدة “باغرام” الافغانية “وصمةُ عار” و”خيانة عظمى”

انسحاب الأمريكان من قاعدة “باغرام” الافغانية “وصمةُ عار” و”خيانة عظمى”
الأحد ٠٤ يوليو ٢٠٢١ - ٠٤:٣٠ بتوقيت غرينتش

انسِحاب القوّات الأمريكيّة من قاعدة “باغرام” الجويّة الأفغانيّة “وَصمةُ عارٍ” و”خيانةٌ عُظمى” لحُلفائها الأفغان.. هل يتّعظ “أصدقاؤها” العرب؟ وهل يأتي هذا الانسِحاب لمُحاصرة الصين؟ واستِخدام المِليارات العربيّة والإسلام السّياسي لتحقيق هذا الهدف؟ وما هي احتِمالات عودة “القاعدة” وبصُورةٍ أقوى؟

العالم - مقالات وتحليلات

انسِحاب القوّات الأمريكيّة بشَكلٍ نهائيّ من قاعدة “باغرام” الجويّة الكُبرى من أفغانستان، ومعَها قوّات حلف النّاتو بعد 20 عامًا من الحرب التي كلّفت تريليونيّ دولار و3500 جندي أمريكي قتيل وعشَرات الآلاف من الجَرحى يعني عدّة أُمور:

أولا: الاعتراف رسميا، وعمليا، بالهزيمة والنهاية نفسها التي انتهت عليها قوات الاتحاد السوفييتي على أيدي المجاهدين الأفغان الذين دربهم الغرب للثأر من هزيمة فيتنام، فالتاريخ يعيد نفسه.

ثانيا: تفجير حرب أهلية، طائفية وعرقية بين قبائل البشتون الذين يشكلون 45 بالمئة من تعداد أفغانستان التي يقود معظمها الطالبان من ناحية وبين العرقيات الأخرى أي الطاجيك (تركمان)، والهزاره (الشيعة) وعرقيات أخرى.

ثالثا: تزايد احتمالات تقسيم أفغانستان، وربما تفتيتها، على أسس طائفية وعرقية، وتحويلها إلى دولة فاشلة وزعزعة استقرار جوارها الإسلامي مثل باكستان وإيران.

***

لا احتفالات بالنصر، ولا حتى مجالس لتلقي العزاء بالهزيمة، بالمقارنة بما كان عليه الحال مطلع القرن الحالي عندما دخلت القوات الأمريكية كابول كقوات تحرير رافعة أعلام النصر ومرددة أهازيجه، وسط طبل وزمر ومهرجانات دعائية لم يعرفها تاريخ البلاد، حيث تدفق آلاف من مراسلي محطات التلفزة الأمريكية والعالمية لتخليد هذا الحدث العظيم.

أشرف غني، رئيس أفغانستان، تلقى “هدية ملغومة” من حليفه وراعيه الأمريكي، ولا بد أنه بدأ يعد أيامه المحدودة المتبقية في القصر الجمهوري، وبات يدرك أن مصيره ربما يكون أسوأ من جميع نظرائه السابقين “أيتام أمريكا” في فيتنام وبنما وإيران الشاه، والقائمة تطول.

تنظيم "القاعدة" سيعود حتما بقوة، ومعه نسخته الجديدة، أي الدولة الإسلامية (داعش)، وستتحول أفغانستان إلى غابة من الأسلحة من كل الأنواع، الخفيف منها والثقيل، فانهيار الجيش الأفغاني الذي أنفقت الولايات المتحدة أكثر من مئة مليار دولار على تسليحه وتدريبه في طريقه للانهيار في الشهرين الماضيين على الأكثر، ولا بد أن قادته، بما فيهم الرئيس غني، يبحثون الآن عن لجوء آمن في الولايات المتحدة أو أوروبا، إذا نجو من قبضة طالبان وقواتها.

الوعود الأمريكية للأفغان بالرخاء والديمقراطية وتحويل بلادهم إلى جنات عدن تبخرت مثل نظيرتها العراقية، وتصوير الشبان الأفغان في الصالونات يحلقون ذقونهم استعدادا للعصر الأمريكي الجديد، ثبت أنها كانت مسرحية وضحك على الذقون فعلا.

طالبان تتقدم، وتستعيد سيطرتها على معظم المقاطعات الأفغانية، وباتت قواتها تطرق أبواب كابول العاصمة، ومسألة إعلان عودة إمارتها الإسلامية باتت مسألة وقت، وربما مجرد أسابيع فقط.

الرئيس بايدن المسكون حاليا بالبعبع الصيني وصعوده المتسارع إلى قمة العالم، يريد أن يصدر الصراعات والاضطرابات في الشرق الأوسط إلى محيط الصين الجغرافي، واستخدام ورقة الإسلام السياسي كأداة نافذة وحاسمة في هذا الصدد، وعلينا أن نتوقع ضخ مليارات الدولارات من دول خليجية لتمويل هذا المخطط الجديد، مثلما مولت الحرب في سورية، وقبلها الجهاد في أفغانستان، وهذا ما يفسر الغيرة والحمية الأمريكية المفاجأة تجاه قبائل إقليم الإيغور الإسلامية في شرق الصين وقرب الحدود الأفغانية.

***

هذا الانسحاب الأمريكي وصمة عار جديدة في تاريخ أمريكا، وخيانة عظمى لحلفائها، ونكث لكل وعودها لشعوبهم الذين اشتروها، ومعها ثقافة الهمبرغر والبيتزا و”الكوكاكولا” ولا أسف عليهم، ولا تعاطف معهم.

لا نعتقد أن"حلفاء" أمريكا العرب سيتعلمون هذا الدرس الأفغاني، ويستخلصون الدروس من نهايته المخجلة، ليس لأنهم لا يريدون، وإنما لأن معظمهم لا يستطيعون، فقد سبق السيف العذل، وبات التراجع يعني النهاية، بعد أن وضعوا كل بيضهم في سلة أمريكا، والخيار الوحيد الذي بات أمامهم هو خيار شاه إيران، أي الموت قهرا في المنفى.

عندما غزت القوات الأمريكية أفغانستان في تشرين أول (أكتوبر) عام 2001 بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حمل غلاف مجلة "التايم" عنوانا عريضا مصحوبا بصورة رجل أفغاني بزيه الرسمي يقول "إنها نهاية طالبان" وكان ردنا عليه في حينها أن ما سيحدث العكس، إنها مصيدة ستؤرخ لنهاية أمريكا كقوة عظمى، فالهزيمة قادمة حتما، والأيام بيننا.. وهذا ما أثبتته الأيام فعلا.

عبد الباري عطوان - راي اليوم