أفغانستان.. ومسلسل العبث الأمريكي

أفغانستان.. ومسلسل العبث الأمريكي
الإثنين ١٦ أغسطس ٢٠٢١ - ٠٦:٢٩ بتوقيت غرينتش

بعد فترة قصيرة من الانقلاب الذي قاده الحزب الشيوعي الافغاني، والذي انتهي باعدام الملك محمد داود وعائلته عام 1978، تدخل الاتحاد السوفيتي عسكريا في افغانستان عام 1979  بذريعة دعم الحكومة الافغانية، ولم تخرج هذه القوات من افغانستان الا في عام 1989 ، عندما انهزمت امام ما باتوا يعرفون بـ"المجاهدين الافغان"

العالم كشكول

رغم ان الشعب الافغاني من اكثر الشعوب رفضا لاي تواجد اجنبي في بلاده، وكانت هزيمة السوفيت متوقعة، الا ان امريكا تمكنت من خلال تنسيقها مع السعودية وباكستان، من صناعة جماعات "جهادية"، بالاموال السعودية وتحت رعاية المؤسسة الوهابية السعودية، وكذلك المخابرات الباكستانية، حيث خرجت "القاعدة" من مدينة بيشاور عام 1988 بزعامة اسامة بن لادن، وبقي الجماعات الاخرى، التي قاتلت السوفيت بذريعة مقاتلة "الكفار والملحدين" ، حتى تم اسقاط النظام الافغاني التابع للسوفيت عام 1992.

لما كانت مصالح الجهات المشغلة للجماعات " الجهادية" مختلفة، استمر الصراع على السلطة، حتى ظهرت "طالبان" في المشهد لافغاني عام 1994، وهم مجموعة من طلبة العلوم الدينية، الذين خرجوا من المدارس الدينية في قندهار وبيشاور، كانت تشرف عليها السعودية وباكستان .

من اهم الاسباب وراء صعود نجم طالبان، كان الدعم السعودي والاماراتي والباكستاني لهذه الحركة، وهو دعم كان جاء بالتنسيق الكامل مع امريكا، فقد كانت باكستان تسعى إلى التعاون مع حكومة صديقة في أفغانستان لتسهيل عمليات التبادل التجاري بينها وبين جمهوريات آسيا الوسطى، ولم تجد بغيتها في الحكومات الافغانية التي اتهمتها بالتعاون مع الهند، وحاولت الإطاحة بتلك الحكومة عن طريق قلب الدين حكمتيار لكنها فشلت في ذلك، الا انا تمكنت في النهاية، ووجدت ضالتها في حكومة طالبان.

اما امريكا، فقد استغلت طالبان لضرب باقي الجماعات الدينية الاخرى، حتى تخلو الساحة لجماعة أصولية واحدة تستطيع تطويعها في فلك السياسة الأميركية، وتكون اداتها في مواجهة ايران وروسيا والصين، الا ان وكباقي الحركات المتطرفة الاخرى، انقلبت طالبان على امريكا، كما انقلبت "القاعدة" عليها من قبل.

اما السعودية، رغم ان اهدافها لا يمكن فصلها عن اهداف امريكا، الا انها كانت ترغب في وصول تيارات تحمل الفكر الوهابي المتطرف الى السلطة في افغانستان من اجل، استخدامها كورقة ضغط ضد ايران، وهو ذات الهدف الذي كانت تسعى وراءه الامارات ايضا، التي كانت ظلا للسياسة السعودية، ولهذه الاسباب لم تعترف اي دولة في نظام طالبان، االذي استمر من عام 1996 حتى عام 2001، الا باكستان والسعودية والامارات، وهو اعتراف جاء بمباركة امريكية.

اليوم تعود طالبان، الى حكم افغانستان، وبطريقة لا يمكن وصفها الا بالمريبة، حيث فرضت سيطرتها على افغانستان خلال اسابيع قليلة ، رغم وجود 300 الف جندي افغاني، الذين تبخروا هم وعداتهم، والاغرب من ذلك هروب كل امراء الحرب السابقين من افغانستان، دون اي مقاومة، وكأن الجميع كانوا ينفذون خطة قد اعدت سابقا.

المأساة التي يعيشها الشعب الافغاني منذ اكثر من اربعين عاما، هي بسبب عبث القوى الكبرى واستهتارها، بمصير هذا الشعب المسلم الاصيل، وعلى راس هذه القوى امريكا، التي لا ترى من قيمة لهذا الشعب في مقابل مصالحها غير المشروعة في المنطقة، فقد حولت افغانستان الى حقل لتجاربها، من اجل اطماعها وجشعها، ولا نعتقد ان افغانستان هي آخر مسلسل العبث الامريكي بمصائر الشعوب، فالذي يجري في اليمن والعراق ولبنان وسوريا والصومال والعديد من دول العالم الاخرى، ما هو الا بعض حلقات مسلسل العبث الامريكي.