موقع بریطاني: بينت لا يريد حربا ولا سلاما .. انه يريد ترسيخ الابارتايد والاستيطان

موقع بریطاني: بينت لا يريد حربا ولا سلاما .. انه يريد ترسيخ الابارتايد والاستيطان
الخميس ٠٩ سبتمبر ٢٠٢١ - ٠٥:٥١ بتوقيت غرينتش

نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني مقالا للكاتب "مارون رابوبورت"، اعتبر فيه أن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، نفتالي بينيت، لا يريد خوض حرب مع الفلسطينيين، لكنه لا يريد كذلك منحهم سلاما مستداما، إنما يريد تطبيع حالة الفصل العنصري والاستيطان في الضفة الغربية المحتلة.

العالم - فلسطين

واستعرض رابوبورت عددا من مواقف بينيت قبل وبعد توليه المنصب، منتصف العام الجاري، مشددا على وصف سياسته بأنها عنصرية، مستبعدا أي وصف آخر لها.

واستهجن الكاتب عدم صدور أي اعتراضات من واشنطن على نهج بينيت وحكومته، التي تعلن صراحة أنها لن تمنح الفلسطينيين دولة، ولن تتوقف عن قضم أراضيهم.

وقال رابوبورت إن أحدا لا يعلم حقيقة ما دار بين بينيت والرئيس الأمريكي جو بايدن أثناء زيارة الأول إلى واشنطن، قبل أيام، ولكن "لم تُسمع، على الأقل في العلن، أي تحفظات أمريكية حول مواقف بينيت، ولا حتى أحزاب يسار الوسط في إسرائيل مثل العمل وميريتز، والتي تشكل جزءاً من ائتلاف بينيت، عبرت عن أي احتجاج، وهذه سابقة خطيرة".

وفيما يلي نص المقال:


بعد أن قابل وزير دفاعه بيني غانتز الرئيس الفلسطيني محمود عباس، قال مصدر مقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت الأسبوع الماضي: "لا توجد عملية دبلوماسية مع الفلسطينيين، ولن تحدث".

وبهذا، يكون قد تم الكشف عن عالم بينيت الروحي، إنه عالم لا وجود فيه إلا لإسرائيل، وإسرائيل وحدها دون غيرها، وحيث لن يتمكن الفلسطينيين بتاتاً، ولا تحت أي ظرف من الظروف، وحتى لو غيروا مواقفهم، من الحصول على المساواة مع الإسرائيليين والتفاوض معهم كأنداد. هناك مصطلح لذلك، إنه العنصرية.

قبل ما يقرب من عقد من الزمن، دخل بينيت عالم السياسة الوطنية، بعد أن شغل منصب مدير مجلس ييشا، المؤسسة الاستيطانية الرائدة، رغم أنه هو نفسه لم يكن مستوطناً في أي وقت من الأوقات ولم يعش خارج الخط الأخضر. ينقل عنه الآن قوله في مقابلة شهيرة: "إن المشكلة الفلسطينية أشبه ما تكون بشظية في القفا".

لم تتغير اليوم مقاربته تلك، رغم أنه بوصفه رئيساً للوزراء، قد يعبر عن مواقفه بشكل أقل فظاظة، كما اعترف بنفسه قبل أن يستلم المنصب في مطلع يونيو/ حزيران.

عبر بينيت عن هذه المقاربة في مقابلة مع صحيفة ذي نيويورك تايمز قبيل القيام برحلته الأخيرة إلى واشنطن، حيث قال: "لن تقوم الحكومة بالضم، ولن تقيم دولة فلسطينية، والجميع يفهمون ذلك. بل سوف تمضي إسرائيل في السياسة المعتادة المتمثلة في النمو الطبيعي {للمستوطنات في الضفة الغربية}".

من خلال هذا القول، أصبح بينيت أول رئيس وزراء إسرائيلي، ربما فيما عدا غولدا مائير في السنوات التي سبقت حرب عام 1973، يعرض ما يعتبر أبارتايد (فصل عنصري) كمنصة سياسية.

صحيح أن سياسة "إدارة الاحتلال" قديمة قدم الاحتلال الإسرائيلي نفسه، ففي عام 1973، على سبيل المثال، قال وزير الدفاع آنذاك موشيه دايان: "يجب علينا التخطيط مسبقاً لأعمالنا في المناطق {التي استولت عليها إسرائيل في يونيو/ حزيران من عام 1967}... بحيث لا تكون حالة "اللا حرب واللا سلم" شيئاً لا يمكننا تحمله... سلطة القرار بشأن ما الذي يحدث في المنطقة الواقعة بين السويس وجبل الهرمل هي في يدي الحكومة الإسرائيلية. سوف لن نحدد بتراخ تخوم مستوطناتنا، ولن يهددنا الجمر المحترق".

إلا أن الفلسفة التي صاغها دايان حينذاك ما تزال قائمة، وكل رئيس وزراء منذ ذلك الوقت، ربما باستثناء إسحق رابين -الذي بات متعذراً بسبب اغتياله معرفة ما إذا كان فعلاً يقصد كسر القالب- تبنى تلك الفلسفة بأشكال متعددة: "لا حرب ولا سلام" أو، بكلمات أخرى، استمرار الوضع القائم. ولكن بعد سبعة أشهر فقط غدا "الجمر المحترق" الذي نبذه دايان عاصفة اللهب التي أشعلت حرب أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1973، والتي قتل فيها الآلاف في الجانبين، وتمخضت عن إجبار إسرائيل فيما بعد على إعادة شبه جزيرة سيناء إلى مصر.

إلا أن بينيت ذهب خطوة إضافية. فحتى دايان وصف المناطق المحتلة من قبل إسرائيل بأنها "وديعة" ستعاد مقابل اتفاق سلام يحقق لإسرائيل متطلباتها. ومنذ تسعينيات القرن الماضي ورؤساء إسرائيل يناقشون، على الأقل رسمياً، تأييد حل الدولتين، بمن فيهم آرييل شارون بل وحتى بنيامين نتنياهو، الذي تبنى فكرة الدولة الفلسطينية في خطابه في بار إيلان عام 2009. كما أنه قبل كذلك في عام 2020 خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي تعرف باسم "صفقة القرن"، والتي تتضمن إقامة دولة فلسطينية، ولئن كانت مشلولة ومفتتة.

في مقابلته مع صحيفة ذي نيويورك تايمز، قال بينيت إن الوضع القائم والمتمثل في حالة "اللا حرب واللا سلم" ليس وضعاً مؤقتاً، بل إنه الحالة الدائمة التي يتطلع إلى تكريسها.

في هذا الوضع سوف تستمر إسرائيل، من ناحية، في حكمها العسكري للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وسوف تستمر في منح المواطنين اليهود في الضفة الغربية حقوقاً تفضيلية مقارنة مع الفلسطينيين.

ومن الناحية الأخرى لن تمنح إسرائيل الفلسطينيين حقوقاً مدنية مساوية لتلك التي يحصل عليها جيرانهم اليهود كما سيكون متطلباً من قبل أي ضم جزئي أو كلي للضفة الغربية. وهذه المقاربة أيضاً لها اسم، إنه الأبارتيد – ويعتقد بينيت أنها المقاربة الوحيدة الممكنة.

لا نعرف بالضبط ما الذي قيل أثناء محادثات بينيت مع الرئيس جو بايدن ومع وزير خارجيته أنطوني بلينكن، ولكن لم تُسمع، على الأقل في العلن، أي تحفظات أمريكية حول مواقف بينيت، ولا حتى أحزاب يسار الوسط في إسرائيل مثل العمل وميريتز، والتي تشكل جزءاً من ائتلاف بينيت، عبرت عن أي احتجاج، وهذه سابقة خطيرة.

ولكن سيكون غاية في التبسيط القول إن حكومة بينيت ستكون أكثر يمينية أو أكثر عنفاً تجاه الفلسطينيين، بل لربما كان العكس هو الصحيح.

فأولاً، جاء بينيت إلى المنصب من موقع يتسم بالضعف السياسي. فهو يترأس حزباً صغيراً لديه ستة مقاعد في الكنيست من بين مئة وعشرين، ومعظم أعضاء ائتلافه أكثر يسارية منه – على الأقل بالنسبة لإسرائيل الذي تعتبر مواقف حزب العمال فيها تجاه الفلسطينيين مواقف يمينية بالمعايير الأوروبية.

بل هناك ما هو أكثر من ذلك، فبينيت نفسه وكذلك شريكه في الائتلاف جدعون سعار، الذي كان شخصية كبيرة في حزب الليكود ومرشحاً رئيسياً لخلافة نتنياهو، بل وبشكل كبير جداً سلوكه تجاه المسألة الفلسطينية.

حينما كانت الحكومة الحالية مازالت رهن التشكيل، أو ربما بعد تشكيلها مباشرة، بدا بينيت وسعار كما لو كانا كلاهما يتخليان عن فكرة إسرائيل الكبرى و/أو الضم، وبدلاً من ذلك يعتنقان، جزئياً أو كلياً، المفهوم السياسي الجديد القائم على فكرة "تقليص الصراع". منشأ هذا المصطلح ميكاح غودمان، وهو إسرائيلي من أصول أمريكية يعيش في إحدى مستوطنات الضفة الغربية، والذي غدت كتبه حول الصراع من الكتب الأكثر مبيعاً.

يقول غودمان إن اليسار في إسرائيل فشل في إنهاء الاحتلال أو في إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بينما أخفق اليمين في فكرته حول إسرائيل الكبرى. وبناء عليه، وبدلاً من الحديث عن إنهاء الصراع أو الاستمرار في الوضع القائم، ينبغي البحث عن سبل من أجل "تقليص الصراع"، لتمكين الفلسطينيين من إدارة شؤونهم بأنفسهم بقدر ما يمكن من الاستقلالية، بينما يترك أمر "الأمن" لإسرائيل. ويقول غودمان إنه بعد تقليص الصراع سيكون من الممكن مناقشة الحل الدائم.

كان غودمان مستشاراً لسعار ويعتبر مقرباً من بينيت، وقد كان نفوذه ملموساً في المقابلة التي أجريت مع بينيت قبل استلامه المنصب، حيث قال فيها: "تقوم مقاربتي على تقليص الصراع، حيث سيكون من الممكن توفير المزيد من المعابر، ومستوى أفضل من المعيشة، والمزيد من الأعمال، والمزيد من الصناعة ... سوف ننجز كل ذلك."

مثل ذلك بالنسبة لبينيت نقلة كبيرة. فعندما دخل عالم السياسة الوطنية في عام 2013، تقدم بينيت بخطة مفصلة لضم المنطقة جيم، والتي تعادل ما يقرب من ستين بالمائة من مساحة الضفة الغربية. وكان عبر سنين متعاقبة ينتقد نتنياهو والجيش الإسرائيلي لعدم ممارسة ما يكفي من العنف تجاه الفلسطينيين ولعدم "الحزم" بما فيه الكفاية مع حماس.

ظل بينيت لعقود يدفع باتجاه الضم، ولكن عندما وقعت الإمارات العربية المتحدة والبحرين اتفاقيات أبراهام في عام 2020 أدرك أن ذلك سيكون مستحيلاً. كما فهم أنه بات من المستحيل أيضاً التوصل إلى "حل نهائي" للصراع من خلال نصر يحرز على الفلسطينيين يكون ساحقاً ماحقاً بحيث يجبرهم على التخلي عن تطلعاتهم الوطنية، ومن هنا فإن تبنيه لفكرة "تقليص الصراع" كان ثمرة للفشل أو الضعف، حتى لو كان يرفض الإقرار بذلك.

ثم إن بينيت انعكاس للحالة التي يعيشها اليمين الإسرائيلي. فهو من ناحية يقدس الوضع القائم ولا توجد لديه رغبة أو نية في التخلي عن الاحتلال أو إنهاء الفصل العنصري (الأبارتيد)، ومن ناحية أخرى يفقد اليمين بالتدريج إيمانه بقدرته الذاتية على صياغة واقع العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية بالشكل الذي يراه مناسباً.

ينبغي رؤية سقوط نتنياهو في هذا السياق، ففي ظل نتنياهو كان اليمين في إسرائيل موحداً في كتلة متوافقة متجانسة، ثم أفضت التناقضات داخل اليمين، والتي يمثلها بينيت، إلى تفتيت الكتلة وقيام حكومة مختلطة تشتمل على عناصر من اليمين ومن اليسار، بما في ذلك القائمة العربية الموحدة، وهي حزب عربي إسلامي يترأسه منصور عباس.

لا يبدو للناظر من الخارج أن كل هذه التحولات قد أثرت على الوضع في الميدان. فقد استمر الاحتلال واستمرت المستوطنات، وما يزال الخطاب السياسي في إسرائيل في أحسن أحواله محشوراً أو يقدم أطروحة بينيت التي تقوم على فكرة "اللا سلام واللا حرب". فإسرائيل في وضعها الحالي في غاية المنعة -عسكرياً واقتصادياً- ولابد أن يطرأ تطور مهم يهدد سلطانها على الفلسطينيين وسطوتها في الشرق الأوسط كله.

ولكن في نفس الوقت، لا يمكن للمرء تجاهل التصدعات، فاليمين العقائدي في إسرائيل في ورطة والسؤال المطروح هو كيف وما إذا كان بإمكان اليسار الراديكالي في إسرائيل، بل والأهم من ذلك ما إذا كان بإمكان الفلسطينيين، تحويل ذلك لصالحهم.

قال لي ناشط يساري مناهض للاحتلال: "حيثما وجد صدع علينا توسيعه ليصبح هوة، وحيثما وجدت هوة علينا توسيعها لتصبح فجوة أعمق". لعل تلك المقاربة تحقيق شيئاً.