رفع السرية عن وثائق 11 ايلول والعلاقات السعودية الأميركية

رفع السرية عن وثائق 11 ايلول والعلاقات السعودية الأميركية
السبت ١١ سبتمبر ٢٠٢١ - ٠٦:٤٥ بتوقيت غرينتش

عشرون عاما مرت على هجمات 11 أيلول، وما زال لغزها كامنا في بضع أوراق تمنع «الإستبليشمنت» الأميركي طويلا عن رفع السریة عنها، إلى أن قررت إدارة جو بايدن، مع اقتراب الذكرى، بدء مراجعتها لتحديد ما يمكن كشفه منها. وفيما يتصرف الجميع على أساس أن تلك الأوراق تتناول أدوار مسؤولين سعوديين في تقديم مساعدة إلى انتحاريين شاركوا في الهجمات، تتفاوت التقديرات في شأن ما سيخلفه ذلك على مسار العلاقات السعودية - الأميركية، التي لم يعد خافيا أنها تعيش واحدة من أحلك مراحلها.

العالم - السعودية

لا تخطئ العين حقيقة أن إدارة جو بايدن ونظام سلمان بن عبد العزيز وابنه يتصرفان كخصمين. فالتعامل المباشر مع الملك الذي تحدث عنه بايدن في معرض إعلانه رفض اللقاء أو الاتصال بولي العهد محمد بن سلمان، لتورطه في قتل جمال خاشقجي، اقتصر على اتصال هاتفي يتيم منذ تسلمه الرئاسة، فيما الزيارات القليلة المتبادلة لا تتجاوز نواب الوزراء، بل إن وزيري الخارجية والدفاع، أنتوني بلينكن ولويد أوستن، اللذين زارا قطر قبل أيام، في غمرة الانسحاب من أفغانستان، لم يعرجا على الرياض، وكأنها غير موجودة على الخارطة، علما أن الأخير هو المكلف من الإدارة بالتعامل المباشر مع ابن سلمان.

وطن القريبون من ولي العهد أنفسهم على أن واشنطن تتعامل معهم كأعداء، لا كأصدقاء، فضلا عن أن يكونوا حلفاء، علما أن غالبيتهم على لائحة العقوبات الأميركية بسبب دورهم في اغتيال خاشقجي. لكن ما هو في الرهان الآن، أكبر بكثير من قتل خاشقجي. فأي معلومة تورط السعودية في هجمات 11 أيلول، يمكن أن تكون لها تبعات خطيرة على المملكة. وينعكس الخوف والحرج اللذان يسببهما اقتراب كشف الأوراق، عشوائية في السياسة الخارجية للرياض.

فمثلا، يقول حساب «ملفات كريستوف» على «تويتر»، والذي يعتقد أن سعود القحطاني هو الذي يديره، لمناسبة رفع السرية عن الوثائق، إن «الضعف السياسي والنزاع المؤسسي الواضح، الذي ألقى بظلاله على القرارات الأميركية في السنوات الأخيرة، أحدث شرخا في ثقة الحلفاء بما فيهم أوروبا، التي بدأت تبحث تشكيل تكتل عسكري خارج مظلة الناتو».

ومع ذلك، لا تزال المملكة تظهر مكابرة، عبر ترحيبها رسميا بنشر الأوراق، كما جاء في بيان سفارتها في واشنطن التي تتولاها ريما بنت بندر بن سلطان. وما يسوقه «كريستوف» ينطبق على دونالد ترامب الذي كان هو من خلع عباءة «الاستبليشمنت»، ثم من خارجها، دعم صعود ابن سلمان إلى السلطة.

المسألة الأهم الآن هي: هل يتعلق الأمر بمجرد ابتزاز مالي أو سياسي نمطي في علاقات قائمة أصلا على الابتزاز، أم يتعداه إلى تغيير جوهري في أساس العلاقات؟ ما هو ثابت هو أن ابن سلمان خائف، بخلاف ما كانت عليه الحال أيام رئاسة جورج بوش الابن.

حينها، كان السعوديون مطمئنين إلى أن المملكة ما زالت حاجة أميركية، قبل غزو أفغانستان، ثم العراق، ضمن المشروع الذي هدف إلى تغيير الشرق الأوسط بكامله، وفشل فشلا ذريعا.

ومع بدء العد العكسي لكشف الأوراق، يبدو أن ما يجري في واشنطن بين إدارة بايدن وأهالي الضحايا، الذين ما انفكوا منذ سنين طويلة يطالبون برفع السرية عنها، يمثل مقدمة لتدفيع السعودية ثمنا غير مقدر حتى الآن عن تلك الهجمات، خاصة بعد تسريب اسم الدبلوماسي السعودي، مساعد بن أحمد الجراح، المتورط في تقديم مساعدة للانتحاريين نواف الحازمي وخالد المحضار، عبر الداعية فهد الثميري (كان إماما لمسجد الملك فهد في لوس أنجلس)، وعمر البيومي (يشتبه في أنه عميل للاستخبارات السعودية)، اللذين قاما بمساعدة الانتحاريين على استئجار شقة ودخول مدرسة تدريب على الطيران والحصول على أوراق ثبوتية قانونية، وقدما لهما أموالا.

المعارضون السعوديون مختلفون في تقدير مدى تأثير كشف الأوراق

المعارضون السعوديون مختلفون في تقدير مدى تأثير كشف الأوراق. إذ يميل المقيمون في أميركا وكندا إلى اعتبار ما هو مقبل خطيرا على ابن سلمان الذي بات خائفا على أمنه الشخصي، إلى درجة أن شقيقه خالد، نائب وزير الدفاع، لا يستطيع الوصول إليه بسهولة.

وتتمحور وجهة نظر هؤلاء حول أن الإدارة الأميركية تشعر بالضيق من إصرار ابن سلمان على المضي في دعاوى قضائية في الولايات المتحدة وكندا تورط خصومه السعوديين، ولكنها تورط أيضا كثيرا من العاملين في إدارة بايدن، ممن عملوا سابقا في إدارة باراك أوباما، وهم شركاء في عمليات أميركية - سعودية حصلت في ذلك الحين تحت عنوان «مكافحة الإرهاب»، وتخللها دعم سعودي بأوامر أميركية لجماعات لا تريد واشنطن الكشف عن علاقتها بها.

ويشير هؤلاء إلى اجتماع حصل قبل أقل من شهر لقيادات في فريق بايدن تناول إصرار ابن سلمان على دعواه ضد سعد الجبري، المساعد السابق لمحمد بن نايف، والتي تهدد بفضح معلومات لا يفترض خروجها إلى العلن، وسط خلافات بين من يريدون التخلص من ولي العهد دفعة واحدة، ومن يفضلون الانتظار حتى يهدأ «الثور الهائج» من تلقاء نفسه، ومن يبحثون بهدوء عن سيناريوات بديلة من مثل استبداله بأحد حلفاء الولايات المتحدة داخل الأسرة.

قسم آخر من المعارضين السعوديين لا يتوقع الكثير من رفع السرية عن الأوراق، ويعتقد أن سعوديي أميركا متحمسون أكثر من اللازم. ويرى أصحاب وجهة النظر هذه أن موضوع الوثائق يندرج ضمن سياق ابتزاز طويل، تعاوده الإدارة كل فترة، حتى تعب الجمهور الأميركي نفسه من تكراره.

ويعتبرون أهالي ضحايا 11 أيلول أكثر ممارسة للابتزاز من الحكومة، فهم نسوا حتى أسماء الضحايا، وما يهمهم هو الحصول على تعويضات فقط. لكن السؤال بالنسبة لهؤلاء هو، لماذا الآن؟

فالأميركيون كانوا قد خففوا من حملتهم على ابن سلمان، ولم يكونوا في وارد التصعيد ضده، فهل طرأ ما يستدعي خلاف ذلك؟ وإذا جرى توريط السعودية، وفق هؤلاء، فسيشكل الأمر ضربة للنظام السعودي، ولكنها لن تكون ضربة قاصمة، وستظل ضمن الإطار الذي يحافظ على حد من العلاقات بين الجانبين، خاصة أن عملية التدقيق في الصفحات لتحديد ما يمكن كشفه منها، وما لا يمكن كشفه، إن لم يكن لأسباب سعودية، فأميركية، قد تأخذ وقتا.

وبغض النظر عن وجهتي النظر المتعارضتين حد التناقض، فالمؤكد أن المعلومات المتضمنة في الصفحات، أكثر خطورة وحساسية من المعلومات التي تم كشفها، وإلا لما حجبت كل هذا الوقت.

وتفيد التقديرات بأن التداعيات التي ستطال السعودية من جراء كشف الأوراق المستورة، سوف تتراوح بين تكبيدها مبالغ مالية طائلة، وبين إلحاق أضرار إضافية بالعلاقات مع المملكة ونظامها الحاكم حاليا تحديدا، ذلك أن عائلات ما يقرب من 2500 من القتلى وأكثر من 20 ألف مصاب، فضلا عن الشركات المتضررة وخاصة شركات التأمين، رفعوا دعاوى منذ عام 2003 يتهمون فيها حكومة الرياض بالمشاركة في الهجمات.

واكتسبت هذه الدعاوى زخما كبيرا في 2016 عندما أقر الكونغرس «قانون جاستا» الذي يتيح للأميركيين مقاضاة حكومات أجنبية بتهمة «الإرهاب».

لكن أكثر ما يقلق العائلات هو احتمال التوصل إلى صفقة ما، من خارج السياق، تستمر بموجبها الإدارة في التواطؤ مع السعودية، خاصة أن لجنة حكومية أميركية شكلت سابقا، «لم تجد» أي دليل على أن السعودية مولت تنظيم «القاعدة» بشكل مباشر، لكنها تركت الأمر مفتوحا بشأن ما إذا كان مسؤولون سعوديون قد فعلوا ذلك.

المصدر: جريدة الأخبار