هل تخلت إدارة بايدن عن التزاماتها بحماية ال سعود بسحبها لمنظوماتها الدفاعية؟

هل تخلت إدارة بايدن عن التزاماتها بحماية ال سعود بسحبها لمنظوماتها الدفاعية؟
الأربعاء ١٥ سبتمبر ٢٠٢١ - ٠١:٢٠ بتوقيت غرينتش

الأمر المؤكد أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وحليفتها التاريخية الولايات المتحدة الأمريكية تسير من سيء إلى أسوأ، ودخلت في الأسبوعين الأخيرين مرحلة غير مسبوقة من التوتر، قد تتطور إلى مواجهات انتقامية سياسية واقتصادية في الأيام والأشهر القليلة القادمة.

العالم- السعودية

هناك عدة تطورات ميدانية موثقة ترصد هذا التدهور الذي يمكن حصره مبدئيا في النقاط التالية:

أولا: إعلان وكالة ” أسوشيتد برس” الأمريكية ذات المصداقية العالية والقريبة من دائرة صنع القرار في البيت الأبيض، عن سحب إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن جميع منظوماتها الدفاعية الصاروخية من “الباتريوت” ومنظومة “ثاد” الأكثر تطورا، التي جرى نصبها لحماية الأهداف الاستراتيجية السعودية عام 2019 بعد الهجوم الكبير والموجع الذي شنته حركة “أنصار الله” بالصواريخ والطائرات المسيرة على منشآت شركة أرامكو، عصب الصناعة النفطية في منطقة بقيق، وعززت الوكالة تقريرها بنشر صور أقمار صناعية لمواقع هذه المنظومات في قاعدة الأمير سلطان الجوية جنوب شرق الرياض خالية تماما منها، الأمر الذي يعني أن البنتاغون هو الذي سرب هذه الصور.

الثانية: إلغاء زيارة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن التي كانت مقررة نهاية الأسبوع الماضي، ضمن جولة خليجية له بدأت بقطر والكويت والبحرين لأسباب “بروتوكولية”، وهذا تأجيلٌ وإلغاءٌ غير مسبق في العلاقات بين البلدين يعكس غضبا رسميا سعوديا، وإهانة للحليف الأمريكي.

الثالثة: إصرار القيادة السعودية على التأكيد على كذب التبريرات الأمريكية لهذا الإلغاء، من خلال الإيعاز للأمير الشاب سطام بن خالد آل سعود بنشر تغريدة على حسابه على “التويتر” يقول فيها “إن هذا التأجيل كان قرارا سعوديا، وأضاف أن السعودية “العظمى” لا تقبل إملاءات من أحد وتتعامل وفق المصالح المشتركة والاحترام المتبادل”، وهذه هي ربما المرة الأولى التي يتم فيها استخدام هذا التوصيف من أحد أفراد الأسرة الحاكمة.

الرابعة: أن الأمير سطام المقرب من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد والحاكم الفعلي، أصر على القول في التغريدة نفسها “إنه في الوقت الذي ألغت المملكة العظمى زيارة الوزير أوستن، استقبلت ليونيد سلوتسكي رئيس الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي”، في تهديد واضح لواشنطن بأن البديل الروسي جاهزٌ، وهذا تحد “شجاع” ولكنه خطيرٌ قد يكون مكلفا جدا.

الخامسة: ظهور الأمير تركي الفيصل، رئيس جهاز الاستخبارات السعودي الأسبق، على شاشة محطة أمريكية (CNBC) “يتمنى” على الولايات المتحدة بالحفاظ على التزاماتها تجاه المملكة عبر إبقاء منظوماتها الصاروخية، لأن سحب هذه الصواريخ يعكس “نية سيئة”.

***

محللون أمريكيون من بينهم كريستيان أولريشت أكدوا أن الولايات المتحدة بدأت تطبق نظرية “أمريكا أولا” وتتخلى عن حلفائها في منطقة الخليج الفارسي)، وخاصة المملكة العربية السعودية، للتركيز على الحلف الصيني الروسي الجديد الذي بات يحظى بالأولوية المطلقة، ويشكل تهديدا مباشرا وقويا للزعامة الأمريكية.

سحب منظومات الصواريخ الأمريكية جاء في توقيت سيء جدا للسعودية، حيث تكثف حركة “أنصار الله” الحوثية وحلفاؤها هجماتهم الصاروخية وبالطائرات المسيرة على أهداف نفطية (منشآت أرامكو) وبنى تحتية عسكرية ومدنية في العمق السعودي كان آخرها استهداف مطار أبها الدولي مما أدى إلى إصابة 8 أشخاص، وإعطاب عدد من الطائرات في رد مباشر على غارات لطائرات حربية سعودية على قوات تابعة لهذه الحركة لمنع تقدم قواتها في مدينة مأرب الاستراتيجية.

صواريخ “باتريوت” الأمريكية ثبت فشلها في التصدي للصواريخ الباليستية الحوثية التي ضربت معظم منشآت شركة أرامكو، الدجاجة التي تبيض ذهبا للخزينة السعودية، والأكثر من ذلك أنها، أي الصواريخ، مكلفةٌ جدا ماديا، فكل صاروخ يكلف أكثر من ثلاثة ملايين دولار، وتطلق القوات السعودية من صاروخين إلى ثلاثة على كل صاروخ باليستي حوثي لا يكلف إلا ثلاثة آلاف دولار، على الأكثر حسب التقديرات الغربية.

بحث القيادة السعودية عن البدائل، والصواريخ الروسية من نوع “إس 400” الذي أثبت كفاءة عالية، خيارٌ جائز، ولكنه محفوفٌ بالمخاطر، لأن الولايات المتحدة تعتبر شراء هذه الصواريخ الروسية خطا أحمر، الأمر الذي قد يستدعي اتخاذ خطوات انتقامية قد لا تستطيع القيادة السعودية تحمل تبعاتها.

إعلان إدارة الرئيس جو بايدن قبل أيام بأنها سترفع السرية عن العديد من وثائق هجمات الحادي عشر من سبتمبر والمتورطين فيها، وتزامن هذا الإعلان مع إلغاء السعودية لزيارة وزير الدفاع الأمريكي، واستقبالها الحافل لمسؤول روسي كبير في المقابل، قد يكون أول تهديد مباشر للمملكة، لأن كشف هذه الوثائق، خاصة إذا جاءت تؤكد دعما ماليا أو لوجستيا لمسؤولين سعوديين لدعم المشاركين في هذه الهجمات، يعني إعطاء ضوء أخضر لمحاكم أمريكية للنظر في قضايا مرفوعة من قبل أسر ضحايا هذه الهجمات، طلبا لتعويضات قد تصل إلى تريليونات الدولارات تطبيقا لقانون “جاستا”.

وعلينا أن نتذكر بأن أمريكا التي زورت أكذوبة أسلحة الدمار الشامل العراقية، لن تتردد في تزوير وثائق تؤكد تورط الأسرة الحاكمة السعودية في هذه الهجمات، ولديها الكثير من شهود الزور السعوديين الجاهزين للشهادة.

***

إدارة بايدن همشت الدور السعودي في أفغانستان، وجعلت من قطر قاعدتها السياسية والعسكرية والدبلوماسية الرئيسية في منطقة الخليج (الفارسي) والشرق الأوسط، وهذا في حد ذاته يشكل طعنة أمريكية مسمومة في الظهر السعودي، وإنهاء لعلاقة تحالفية استراتيجية تمتد جذورها لما يقرب من ثمانين عاما، وأبرز محطاتها ضخ السعودية مليارات الدولارات وآلاف “المجاهدين” في أفغانستان لهزيمة الوجود السوفييتي في مطلع الثمانينات والثأر من هزيمة فيتنام.

أمريكا لا أمان لها، وتتخلى عن حلفائها بكل سهولة، واسألوا آخرهم الرئيس الأفغاني أشرف غني الذي هرب إلى الإمارات وهو بالمناسبة يجيد اللغة العربية يمكن أن يرد على أسئلتكم بكل أريحية.. والله أعلم.

المصدر: راي اليوم