فورين أفيرز: اتفاقيات التطبيع لم توقف العنف الاسرائيلي

فورين أفيرز: اتفاقيات التطبيع لم توقف العنف الاسرائيلي
الأربعاء ١٥ سبتمبر ٢٠٢١ - ٠٤:٥٩ بتوقيت غرينتش

تحت عنوان “الوعد الكاذب لاتفاقيات إبراهيم” قال الباحث جيرمي بريسمان، أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج الشرق الأوسط بجامعة كونيكتيكت، إن السلام لا يزال بعيدا عن الشرق الأوسط بعد عام من توقيع الاتفاقيات.

العالم- فلسطين

وأشار في البداية للضجة التي رافقت الإعلان عن اتفاقيات التطبيع التي وافقت عليها البحرين والإمارات مع الإحتلال الإسرائيلي في 15 أيلول/سبتمبر وتبعهما المغرب والسودان.

وقال بعض المسؤولين في إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب إن الاتفاقيات تعبر عن تغير في المواقف العربية وإن اندماج "إسرائيل" في المنطقة لم يعد مشروطا بحل القضية الفلسطينية.

ورغم ما حملته الاتفاقيات من دعوة تل أبيب للامتناع عن عمليات ضم الأراضي الفلسطينية إلا أن الإمارات وغيرها من الموقعين على التطبيع لم تطالب بتنازلات كبيرة، مثل إنهاء الاحتلال أو إنشاء دولة فلسطينية قبل التوقيع.

ولكن العنف في أيار/مايو 2021 كان بمثابة امتحان كبير حول فصل عمليات التطبيع عن المسألة الفلسطينية. وبعد أسابيع من التصعيد والتهديد بتشريد عائلات فلسطينية من القدس المحتلة واستخدام الشرطة الإسرائيلية القوة ضد المصلين في الأقصى قامت حركة حماس في غزة بشن هجمات صاروخية ضد الكيان. ورد الأخير بحملة قصف دمرت أبراجا في القطاع، ومع نهاية القتال كانت حصيلة القتلى هي 260 شهيدا فلسطينيا و13 قتيلا إسرائيليا، وتم تشريد عشرات الآلاف من بيوتهم في غزة. وامتلأت شاشات التلفزة بصور الفلسطينيين الذين يعانون، كدليل على تأصل العنف في الاحتلال الإسرائيلي وعدم استقراره. ورغم انتقاد الإمارات المعاملة الإسرائيلية للفلسطينيين إلا أنها لم تقطع علاقاتها مع "إسرائيل" أو تجمد العلاقات الدبلوماسية الجديدة.

وكانت الرسالة واضحة: المواجهات الفلسطينية- الإسرائيلية لن تقف عقبة أمام عمليات التطبيع. وفي حزيران/يونيو زار وزير الخارجية يائير لابيد الإمارات لحضور حفلي افتتاح السفارة الإسرائيلية في أبو ظبي والقنصلية في دبي. وافتتحت أبو ظبي سفارتها في تل أبيب بعد فترة قصيرة. وفي نفس الوقت ظلت العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية متوترة رغم الجهود المصرية وحديثها غير المباشر مع حماس واتصالاتها مع تل أبيب. ونتيجة ذلك تسير العلاقات العربية – الإسرائيلية والإسرائيلية- الفلسطينية على مسارين مختلفين.

وتركت الدبلوماسية في المنطقة الوضع في فلسطين أبعد عن الحل وأكثر مما كان عليه قبل عملية التطبيع. وظل الموضوع الفلسطيني وعلى مدى عقود القضية المركزية للعالم العربي. وبعد هزيمة 1967، اعترفت الجامعة العربية بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للفلسطينيين. وكانت "إسرائيل" تبحث عن طرق للتطبيع مع دول المنطقة وقدمت أوراق مقايضة للدول العربية في جهود حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. وكان الرد دائما: يجب معالجة القضية الفلسطينية أولا ومن ثم يتم الحديث عن العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية.

وبدأت محادثات متعددة الأطراف وإن بشكل محدود في مدريد ومن ثم أوسلو في التسعينات، لكن الدول العربية انتظرت حتى 2002 عندما تقدمت بمبادرتها للسلام وقدمت عرضا. وقادت المبادرة السعودية ووافقت عليها الدول العربية حيث تضمنت اعترافا عربيا كاملا بـ"إسرائيل" مقابل الانسحاب من الأراضي المحتلة وإنشاء دولة فلسطينية عليها. إلا أن الدول العربية وهي تحاول معالجة المشكلة الإسرائيلية- الفلسطينية بدأت بمتابعة مصالحها الخاصة، حتى لو تعارضت هذه مع سياسة منظمة التحرير أو مصالح الفلسطينيين.

وبدأت الصدوع تظهر في الجبهة العربية، وخرجت مصر أولا عن الإجماع بشكل كان له أثر واضح. وسافر أنور السادات إلى القدس في 1977 وبعدها ذهب ووقع اتفاقية كامب ديفيد في 1978 ومن ثم اتفاقية السلام المصرية- الإسرائيلية 1979. وهو ما فتح الباب أمام علاقات اقتصادية ثنائية وإن كانت محدودة، وبخاصة في مجال الطاقة. وفي مجال المواجهة الإقليمية مع "إسرائيل" فإن الاتفاقية أخرجت الجيش المصري، عصب القوات العربية الموحدة من المعادلة. وحاول السادات البحث عن ورقة تين للتغطية على قراره التطبيع ، فقد انضم بعد توقيع الاتفاقية للجهود التي توسطت بها الولايات المتحدة من أجل تحقيق حكم ذاتي فلسطيني، ولم تطل الجهود وتم عزل مصر عن السياق العربي لعدة سنوات.

أحداث نيسان/إبريل وأيار/مايو كشفت أن اتفاقيات التطبيع لم تخفف من النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، بل على العكس

وبحلول 2020 لم تر حكومات الإمارات والبحرين والمغرب والسودان أي ضرورة للتستر على اتفاقياتها مع تل أبيب، وفي مسألة التطبيع لم تحصل هذه الدول على تنازلات من إسرائيل مقابل التطبيع- لا تعهد بالتفاوض مع الفلسطينيين ولا التزامات بحقوق الفلسطينيين أو استقلالهم ولا شيء لوقف تل أبيب احتلالها. وكل ما وعدت به إسرائيل تجميد مؤقت لعمليات الضم وواصلت بدعم من إدارة ترامب عملية الضم الفعلي للضفة الغربية.

ومن هنا فقد كانت اتفاقيات إبراهيم رفضا لعملية المقايضة التي جسدتها المبادرة العربية. وظلت هذه تراوح في مكانها لأن تل أبيب لم تعبر أبدا عن اهتمام بها، واليوم رفضت الإمارات والدول الأخرى التي طبعت جوهر التبادل فيها. ولم تحل اتفاقيات التطبيع الجانب الفلسطيني من المشكلة، مع أن الإمارات و"إسرائيل" وثقتا علاقاتهما الدبلوماسية والاقتصادية والتعليمية، على حساب الموضوع الإسرائيلي- الفلسطيني الذي أصبح راكدا.