سنة على 'اتفاقات أبراهام' :التطبيع لا يؤمن من خوف!

سنة على 'اتفاقات أبراهام' :التطبيع لا يؤمن من خوف!
الخميس ١٦ سبتمبر ٢٠٢١ - ٠٤:١٥ بتوقيت غرينتش

كانت سنة واحدة كافية لإظهار الفشل الذريع الذي آلت إليه «اتفاقات أبراهام» لتطبيع العلاقات بين الكيان الإسرائيلي والإمارات والبحرين والمغرب والسودان، أكان بالنسبة إلى الدول المُطبّعة أم إلى العدوّ نفسه، فلم تتحقّق سوى أهداف تفصيلية صغيرة لطرفَي العلاقة، مِن مِثل التعاون في عمليات التجسّس.

العالم - مقالات وتحليلات

أمّا في ما يتعلّق بالأهداف الكبرى، فالمفعول كان عكسياً، فلا الاحتلال الإسرائيلي استطاع توفير بديل مطمْئن للأنظمة الخليجية، من الولايات المتحدة، ولا هي تمكّنت من نجدتها في مواجهة «البعبع» الإيراني (المصطنع)، وهنا النموذج هو السعودية التي أحجمت في اللحظة الأخيرة عن الذهاب نحو التطبيع، لأنها وجدت أنه سيكون في غير مصلحة النظام، ولا سيما في هذه المرحلة الانتقالية، وتوجّهت عوضاً عن ذلك إلى حوار مع طهران.

كان الرهان الأميركي - الإسرائيلي، قبل عام، على توسيع «اتفاقات أبراهام» المُوقَّعة في 15 أيلول العام الماضي، لتشمل دولاً أخرى، ولا سيما السعودية وقطر وسلطنة عمان، فإذا بالدول التي طبّعت، تواجه مشكلات تجعلها إمّا تخطو خطوة إلى الخلف من مثل السودان، وإمّا تخفّف من التبجّح في التعبير عن الودّ الزائد للكيان الإسرائيلي، كالإمارات، لأنها استفزّت شعوبها إلى الحدّ الذي يمكن أن يؤثر سلباً على سويّة العلاقة بين السلطة والمواطنين الذين لم يتقبّلوا الأمر، وإنما سكتوا على مضض، وخوفاً من البطش. كلّ الدول التي طبّعت العلاقات، فعلت ذلك بهدف الاستقواء بـ"إسرائيل"، أو بأميركا عبرها، على جيرانها وأبناء جلدتها وأبناء الوطن خصوصاً، لدرء أيّ مخاطر يمكن أن تولّدها التغييرات الكبيرة التي شهدها الشرق الأوسط في السنوات العشر الماضية، علماً أن اتجاه بعض الأنظمة نحو نوع من العلاقة بـ الكيان الإسرائيلي، يعود إلى تاريخ نشوء كيان العدو.

تخفيف الإمارات بشكل ملحوظ من حرارة العلاقات مع الاحتلال، يفيد بأن نظام أبو ظبي لم يَبلغ الاطمئنان إلى كون الاحتلال الإسرائيلي يمكن أن توفّر له حماية كتلك التي يؤمّنها الوجود الأميركي في الخليج الفارسي، والذي يتراجع بسرعة مخيفة، وإن كان التطبيع ساعد في دفع واشنطن إلى المضيّ في صفقة طائرات «أف 35» الأميركية للدولة الخليجية، والتي، على كلّ حال، لا تساوي الكثير من دون مظلّة أميركية. فبعد أن كان الإعلان عن الاتفاقات والمشاريع المشتركة يتمّ بصورة شبه يومية، في الأشهر الأولى للتطبيع، فإن أحداً بالكاد لاحظ وجود علاقات أصلاً في الفترة الأخيرة.

لكن ما زال يتعيّن على أبو ظبي أن تتراجع عن إجراءات تطبيعية سبق أن اتّخذتها. ولربّما يفيد في ذلك، التحوّل الذي أظهرته أخيراً بالانفتاح على الأنظمة الداعمة لجماعة «الإخوان المسلمين» في تركيا وقطر. أمّا السعودية، فقد غيّرت الاتجاه قبل الوصول إلى مرحلة التطبيع العلني، لأن وضع المملكة يختلف عن الدول الخليجية الصغيرة التي يطغى على سكّانها الوافدون من العرب وذوي الجنسيات الآسيوية، الذين يمكن إحلالهم محلّ المواطنين ولو بحدود، مثلما يحصل في البحرين التي سعت إلى القيام بعمليات تجنيس تُغيّر الطبيعة الديمغرافية للبلاد.

ففي السعودية، يملك المواطنون قدرة أكبر على التعبير كونهم الأكثرية، وهم عبّروا سلفاً عن رفض التطبيع عبر مواقع التواصل، التي تقوم بدور وسائل الإعلام الحرّة نسبياً، الغائبة عن المنطقة. لكن ما تَقدّم لا يلغي أن العدو استفاد خصوصاً من الاتفاقَين مع الإمارات والبحرين. فعبرهما بالتحديد، أسّس لمرحلة جديدة ليهود الخليج الفارسي، بعد أن بدأت المجتمعات الخليجية اليهودية في الظهور إلى العلن برعايات حكومية، وإقامة الكُنس والمراكز الخاصة باليهود، من مثل «معرض المحرقة اليهودية» في دبي.

الفشل متبادل أيضاً بالنسبة إلى جانبَي «اتفاقات أبراهام»، حين يتعلّق الأمر بمواجهة إيران، فـ الكيان الإسرائيلي نفسها بحاجة إلى مَن يحميها من إيران وحلفائها، وفق ما تُظهر جميع الجبهات المفتوحة، بشكل مباشر أو غير مباشر، في البرّ وفي البحر، وإلّا لماذا تطلب تل أبيب نصْب صواريخ أميركية مضادة للصواريخ والمسيّرات في الأراضي المحتلة وفي الدول المطبّعة مع الكيان؟ ربّما أكثر ما تبادلت الاستفادة منه أنظمة خليجية والكيان الإسرائيلي هو التعاون في مجال الجاسوسية، وهو مجال تبرع فيه "إسرائيل"، فيما يقع العرب فريسة سهلة له.

والنموذج الأبرز لمثل هذا التعاون ظهر في فضيحة "بيغاسوس"، نظام التنصّت على الهواتف الذي صنعته شركة "أن اس أو" الإسرائيلية، وأتاح للإمارات والسعودية والبحرين والمغرب ودول أخرى التجسّس على هواتف المعارضين والناشطين والصحافيين الخليجيين والعرب، أو حتى تجسّس الأنظمة، بعضها على بعض.

مثلها مثل اتفاقات التطبيع التي سبقتها بعشرات السنين، لم تؤدّ «أبراهام» إلى تطبيع شعبي خليجي

وفي المقابل، وفّرت الدول المطبّعة، لـ "إسرائيل"، منصّات للتجسّس، من خلال إتاحة المجال "للإسرائيليين" للاتصال بالوافدين في دول خليجية، والذين يغطون كلّ جنسيات العالم تقريباً.

ما زال ممكناً للمطبّعين التراجع عن إجراءاتهم كما حصل في حال السعودية التي أمسكت نفسها في اللحظة الأخيرة عن التطبيع، لأنها وجدت أنه سيكون مضرّاً بالنظام إلى حدّ يفوق بكثير ما يمكن أن يفيده به. وتبيّن لمحمد بن سلمان بالذات، الباحث عن دعم في زمن الجفاء الأميركي تجاهه، أن العلاقة (العلنية) مع الاحتلال الإسرائيلي لا تنفعه كثيراً، فقرّر الاكتفاء بالاستفادة من بعض خطوات التطبيع السرّي التي تتيح له الحصول على خدمات أمنية واستخبارية تخصّ معارضيه، مقابل خدمات غير معلنة من قِبَله لـ"إسرائيل".

أمّا تذرّع دول التطبيع بأنها أقامت العلاقات مع "تل أبيب"خدمة للفلسطينيين، فهو مزحة سمجة. فلم يكن دم أطفال غزة قد جفّ بعد، حين زار السفير الإماراتي في "تل أبيب"، محمد محمود آل خاجة، منزل رئيس «مجلس حكماء التوراة»، الحاخام الأكبر شالوم كوهين، في القدس المحتلة وأخذ «بركته».

ومثلها مثل اتفاقات التطبيع التي سبقتها بعشرات السنين مع مصر والأردن، لم تؤدّ «اتفاقات أبراهام» إلى تطبيع شعبي خليجي مع الصهاينة، فلا حركة سياحية خليجية باتجاه العدو، وكذلك فإن السياح "الإسرائيليين" الذين زاروا دبي بعد الاتفاقات قوبلوا بجفل إماراتي، لأنهم بالإضافة إلى أنهم من دولة معادية، فهم سارقو مناشف وسخّانات مياه من غرف الفنادق.

وفي الوقت الذي يستعدّ فيه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، لجمع نظرائه في الكيان الإسرائيلي والإمارات والبحرين والمغرب غداً عبر مؤتمر فيديو لإحياء الذكرى السنوية الأولى للاتفاقات، لا تبدو إدارة بايدن، التي ليست في الأصل بنفس حماسة الإدارة السابقة للتطبيع، في وارد تغيير اتجاه تخفيض التواجد في الخليج الفارسي، أو تلبية طلب "تل أبيب" نشر صواريخ دفاعية في المنطقة، بعد أسابيع قليلة على سحبها بطّاريات "باتريوت" من السعودية.