صحيفة لبنانية: حزب الله يكسر «المحرّمات» .. والوقود الإيراني في لبنان عبر سوريا

صحيفة لبنانية: حزب الله يكسر «المحرّمات» .. والوقود الإيراني في لبنان عبر سوريا
الجمعة ١٧ سبتمبر ٢٠٢١ - ٠٥:٣٥ بتوقيت غرينتش

علقت صحيفة الأخبار اللبنانية على وصول "القافلة الأولى للمازوت الإيراني الى لبنان عبر سوريا" و كتبت: "دخلت القافلة الأولى للمازوت الإيراني مكرّسة واقعاً كان حتى وقت قريب مجرد احتمال غير قابل للتنفيذ".

العالم - لبنان

وتابعت الصحيفة: "فالخوف الرسمي من غضب أميركا جعل الدولة تفضّل خنق الناس على الترحيب بدعم إيراني يمكن أن يخفّف بعضاً من المعاناة. لكن مع ذلك، تولّى حزب الله المهمة، مكرّساً معادلات لم يعد بالإمكان التغاضي عنها لا محلياً ولا إقليمياً. وفيما كانت الحكومة تتعامل مع الحدث كأنه لم يحصل، لم تتردّد بتدشين رحلتها بقرار رفع الدعم، من دون انتظار البطاقة التمويلية التي تواجهها مشكلات جمّة. وبالرغم من تعمّد تمويه قرار إلغاء الدعم بإشارة إلى درس المعطيات المتوفرة قبل إصدار القرار أو الإعلان عن رفع جزئي للدعم، إلا أن الواقع أثبت أن الدعم انتهى وأن ما يُخفّف من هول وقعه، جزئياً، هو انخفاض سعر الدولار، رغم أن من غير المضمون ألّا يرتفع مجدداً

الحدث الأبرز في لبنان أمس هو تحوّل الوعد الذي قطعه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بعدم ترك الناس فريسة النقص في المحروقات إلى حقيقة، بعد كثير من التشكيك في إمكان وصول الفيول الإيراني إلى لبنان. فقد وصلت، أمس، القافلة الأولى من المازوت. واستُقبلت استقبالاً شعبياً لافتاً، أكد الاحتضان الشعبي لخيار كسر الحصار، بعدما تحوّل الناس في الفترة الماضية إلى أسرى للعتَمة وفقدان المحروقات، في ظل خوف مؤسسات الدولة من عقوبات أميركية لا يمكن أن تؤدي إلى أكثر مما يعيشه اللبنانيون من مآسٍ بالجملة فرضتها منظومة الفساد المدعومة أميركياً.

لكن هذه الخطوة لا يمكن أن تحسب على أساس نتائجها الاجتماعية والاقتصادية فحسب، فإن إنجاز حزب الله الذي تحدى الإرادة الأميركية ومنظومة الاحتكار في كسر اللبنانيين، ما كان ليتحقق لولا تكريس الحزب، ومحور المقاومة، معادلات جديدة في الإقليم، وخاصة في لبنان وسوريا والعراق. وهذه المعادلات التي سمحت بكسر حزب الله للحصار على لبنان، هي التي أجبرت الولايات المتحدة الأميركية على الانقلاب على خططها السابقة، والمسارعة إلى فتح أبواب الحلول، إن كان سياسياً بتأليف الحكومة، أو طاقوياً من خلال استثناء الغاز والكهرباء من مفاعيل قانون قيصر.

وما قام به الحزب يثبت الآتي:
ــــ أولاً، إثبات تعزيز معادلة الردع في وجه العدو الإسرائيلي الذي لم يجرؤ على منع وصول البواخر الإيرانية إلى الشواطئ السورية، كما لم يجرؤ على محاولة منع وصول الصهاريج المحملة بالوقود الإيراني من سوريا إلى لبنان. وتزداد مفاعيل معادلة الردع مع استذكار تصريح وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، في حزيران 2020 (كان لا يزال في منصبه)، عندما قال: «سنفعل كل ما في وسعنا للتأكد من أن إيران لا يمكنها الاستمرار في بيع النفط الخام، في أي مكان، بما في ذلك إلى حزب الله». عندما قال بومبيو ذلك، لم يكن يتحدّث في الفراغ، بل إنه عبّر عن سعي واشنطن لمنع أيّ تخفيف لنتائج الانهيار في لبنان، إلا بواسطة إجراءات أميركية تكون مقابل تنازلات سياسية في بيروت.

ــــ ثانياً، خطوة حزب الله، ورغم أنها محصورة في الجانب الاقتصادي بتخفيف أثر شح المحروقات على اللبنانيين ومؤسساتهم ومصانعهم، إلا أنها تفتح الباب واسعاً أمام إمكان التعاون مع سوريا وإيران ودول أخرى، كان لبنان ممنوعاً من التعامل معها حتى الأمس القريب. كما أنها تضع على طاولة صنّاع القرار في لبنان وفي الدول المعنية بالشأن اللبناني، عاملاً جديداً لم يكن في الحسبان: ثمة خيارات بديلة للبنانيين من انتظار المعونات الغربية والخليجية. وكلما اشتد الخناق على لبنان، سيضطرّ، ولو عبر جزء من قواه، إلى كسر محظورات في المقابل.

ــــ ثالثاً، بعد إعلان السيد حسن نصر الله بدء استيراد المحروقات قبل شهر من اليوم، خرجت السفيرة الأميركية لتعلن السماح للبنان باستيراد الغاز والكهرباء من مصر والأردن عبر سوريا. وبعد ذلك، منحت السفيرة الإذن لوفد وزاري لبناني ليزور دمشق لبحث استجرار الطاقة. وما لم يتم التركيز عليه حينذاك هو قولها إن البواخر المحملة بالمحروقات موجودة في البحر قبالة الشواطئ اللبنانية، موحية بأن البلاد لا تعاني من أزمة حقيقية. لكن الأزمة استمرت، وازدادت حدّة. وهي مرشحة للتفاقم بعد رفع الدعم. وأظهرت وقائع الأيام الماضية أن السوق اللبنانية متعطشة للمحروقات بصورة كبيرة جداً. فبعد ساعات على إعلان السيد نصر الله، يوم الاثنين الماضي، آلية توزيع وبيع المازوت المستورد من إيران، انهالت على أرقام الهواتف المخصصة لتلقي طلبات شراء المحروقات مئات الاتصالات (في البقاع وحده، تلقت شركة «الأمانة» أكثر من 300 طلب لشراء المازوت، في غضون أقل من 24 ساعة). وبعض هذه الاتصالات وردت من مؤسسات وشركات لا يكنّ أصحابها الكثير من الود السياسي لحزب الله، لكن عملهم غير قابل للاستمرار من دون تأمين إمدادات موثوقة من المحروقات.

ــــ رابعاً، من المتوقع أن يلجأ خصوم المقاومة وأعداؤها إلى إجراءات مقابِلة، سواء عبر خطوات تؤدي إلى التخفيف من حدة الأزمة في لبنان لمنعه من الاندفاع أكثر نحو خيارات اقتصادية وسياسية وميدانية بديلة، أو عبر خطوات سلبية لتخريب ما قام به حزب الله، أو الحؤول دون تثبيته مستقبلاً. وهذا الجانب من أداء «الفريق الآخر» سيكون موضع رصد في الأيام والأسابيع المقبلة.
الخطوة التالية بعد استيراد المازوت من إيران ستكون استيراد البنزين. لكن حزب الله لم يحدّد بعد آلية توزيع البنزين الإيراني وبيعه، وبأي سعر سيُباع للمستهلكين، وكيفية ضمان عدم تحوّل المحطات التي ستبيع البنزين الإيراني إلى مواقع إضافية للزحمة، في ظل الأزمة الخانقة التي تعانيها السوق اللبنانية. وسيكون الحزب معنياً بتقديم تجربة مختلفة عن تلك التي قدّمتها الدولة ومصرف لبنان والمحتكرون، والتي أدّت إلى إذلال سكان لبنان في الطوابير وفي حجب المحروقات عنهم وإجبار جزء منهم على اللجوء إلى السوق السوداء المزدهرة.

وصول النفط العراقي
وبالتوازي، بدأ لبنان يقطف ثمار الاتفاق مع العراق. إذ أفرغت أمس شحنة الديزل أويل (31 ألف طن) في دير عمار، على أن يُفرّغ نصفها الآخر غداً في الزهراني. وفي إطار المناقصة الأولى، ستصل أيضاً الأسبوع المقبل شحنة فيول Grade B لزوم معملَي الزوق والجية الجديدين والباخرتين التركيتين. وبحسب الاتفاق الذي أبرم مع الجانب العراقي، يُتوقّع أن تصل شحنتان كل شهر إلى لبنان (بعد استبدال شحنة واحدة من الفيول العراقي)، بما يؤدي عملياً إلى ضمان زيادة التغذية بالكهرباء أربع ساعات يومياً.
وفي إطار تحسين التغذية بالتيار، وتأكيداً على استمرار الزخم المتعلق باستجرار الغاز من مصر، زار السفير المصري ياسر علوي وزير الطاقة وليد فياض. وتناول البحث آلية استقدام الغاز المصري الى لبنان عبر الأردن وسوريا، وذلك بعد الاجتماع الذي عقد في هذا الإطار الأسبوع الماضي في عمان، بين الوزراء المعنيين لكل من مصر والأردن ولبنان. كما تم التطرق الى اجتماع سيعقد في وقت قريب بين وزير البترول والثروة المعدنية المصري وفياض، للإسراع في الإجراءات المطلوبة، لإرساء الاتفاقية التي «تعد بزيادة ساعات التغذية بالكهرباء، كما تخدم المصلحة الوطنية لكلي الطرفين وتعزِز التعاون بين مصر ولبنان».

رفع الدعم
في المقابل، ستكون باكورة «إنجازات» الحكومة الجديدة رفع الدعم عن المحروقات. وبالرغم من أن وزير الإعلام أعلن أنه لم يتم اتخاذ أي قرار برفع الدعم عن الوقود، وبالرغم من أن المعلومات تحدثت عن رفع جزئي للدعم، إلا أن الوقائع التي تلت جلسة مجلس الوزراء أمس تؤكد أن مساعي تلطيف القرار أو تخفيف وقع الصدمة لا تلغي حقيقة أن قرار رفع الدعم قد اتخذ فعلاً. إذ يتوقع أن يصار اليوم إلى إصدار جدول أسعار يتضمن زيادة سعر صفيحة البنزين من 130 ألف ليرة إلى 180 ألفاً، بما يعني احتساب الدولار على سعر منصة صيرفة، أي نحو 12800 ليرة بدلاً من 8000 ليرة. مع ذلك، لا تزال مديرية النفط تجزم بأن الدعم لم يُرفع، بل جرى تخفيفه. وهو ما وصفته مصادر معنية خطوة أولى على طريق «تحرير السعر» بالكامل، بما يعنيه ذلك من ترك للسوق تتحكم بالسعر، بحيث لا يعود مصرف لبنان مسؤولاً عن تأمين الدولارات، على أن تترك عملية تحديد السعر للمنافسة في السوق. أما بشأن المازوت، فقد علمت «الأخبار» بأن الجدول لن يتضمن سعراً للمازوت المدعوم، والاكتفاء بتحديد سعر طن المازوت غير المدعوم على (549 دولاراً نقداً). وبعدما كانت المديرة العامة للنفط أورور فغالي قد طلبت من الشركات، منذ أيام، عدم توزيع المحروقات، سيتم السماح بتوزيع البنزين وفق الأسعار الجديدة، بخلاف المازوت، الذي لا يزال قرار عدم توزيعه سارياً. وبحسب المصادر، فإن «وجود مازوت مدعوم وغير مدعوم في السوق أدى إلى فوضى عارمة، حيث كان يُباع المازوت المدعوم على أنه غير مدعوم». وهذا يعني أن أزمة المازوت ستشتد، إذ لا مازوت للأفراد، بحجة «انتظار المعلومات المطلوبة من قبل وزير الطاقة تمهيداً لاتخاذ قرار نهائي»، إلا إذا عمد التجار إلى البيع حسب سعر الدولار في السوق، ومن دون أي رقيب ناظم سوى المنافسة.
وأكدت المصادر أنه في حال تخلّي مصرف لبنان عن تأمين الدولارات الخاصة باستيراد المحروقات، قد تتوقف المديرية العامة للنفط عن إصدار جدول أسعار بالليرة، بل تكتفي بتحديد سعر المشتقات النفطية بالدولار! وإذا تحقق ذلك، فستكون سابقة بأن تسعّر الدولة سلعة أساسية بالدولار، على أن يترك أمر تحديد الأسعار للأفراد للتنافس بين التجار، علماً بأن ذلك قد تحقق فعلاً بتسعير المازوت بالدولار حصراً!
من جهته، لعب مصرف لبنان لعبة مزدوجة، من خلال تخفيض سعر صرف الدولار إلى ما دون 14 ألفاً، فهو بذلك أراد التخفيف من تداعيات رفع الدعم عن المحروقات، وثانياً أراد لمّ الدولارات من السوق على سعر منخفض، أجبر فيه الناس على سحب مدخراتهم، خوفاً من المزيد من الانخفاض في سعر الدولار، علماً بأن حركة الصرف تأثرت أيضاً بتجفيف مصرف لبنان السوق من العملة الوطنية، ما سمح بالحد من الطلب على الدولار، استغلّه هو لتعزيز موجوداته بالدولار".

(الأخبار اللبنانية)