قانون "تسجيل الأراضي والعقارات"..خطوة أخرى نحو تهويد فلسطين

قانون
السبت ١٨ سبتمبر ٢٠٢١ - ٠٥:٤٦ بتوقيت غرينتش

يحذّر محلّلون سياسيون وخبراء فلسطينيون في مجال الأراضي، من أن تطبيق قانون "تسجيل الأراضي والعقارات"، الذي بادر إلى طرحه أخيراً ما يسّمى بـ"الصندوق القومي الإسرائيلي" (ألكيرين كيميت لإسرائيل "كاكال")، والذي يشمل تسجيل آلاف الدونمات والعقارات في الداخل الفلسطيني، خصوصاً في القدس المحتلة، لصالح هذا الصندوق، يشكل أداة أخرى من أدوات الاحتلال لاستلاب أراضي الفلسطينيين، وإجراءً من إجراءات التهويد لمدينة القدس، بعد تهويد أسماء الشوارع والأحياء ومحاولة أسرلة المواطنين.

العالم - فلسطين

ويرى المحلّل السياسي والإعلامي راسم عبيدات، أن اختيار الأحياء أو المناطق التي سيجري تطبيق قانون تسوية الأملاك فيها، لم يكن بمحض الصدفة، فحكومة الاحتلال، وما يسمى بـ"الصندوق القومي اليهودي"، يعتقدون بوجود ثغرات في تلك المناطق، تساعد سلطات الاحتلال والصندوق على السيطرة على أكبر مساحة من الأراضي من خلال تطبيق قانون أملاك الغائبين، أو وجود مستوطنات قريبة في المنطقة، أو عدم حصول تسوية خلال الإدارة الأردنية للضفة الغربية، بما فيها القدس. ويوضح عبيدات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن من بين الملفات التي سيتم فحصها وتسجيلها في المناطق المستهدفة، حوالى 530 ملفا في الضفة الغربية، و2050 ملفاً في القدس، تشمل ألفي قطعة أرض في مدينة القدس تصل مساحتها إلى 2500 دونم.


ويؤكد عبيدات أن مشروع تسوية الأملاك والأراضي في مدينة القدس، هو "مشروع تهويدي بامتياز، يهدف إلى تعزيز السيطرة على المدينة المقدسة، وفرض السيادة الإسرائيلية عليها تحت ما يسمى بالقدس الموحدة، وتعزيز الاستيطان وعمليات الاستيلاء على الأراضي وطرد وتهجير السكّان الأصليين". أما تفعيل وتطبيق ما يسمى بقانون أملاك الغائبين، بحيث تسيطر دولة الاحتلال على أملاك المقدسيين المقيمين في الخارج أو حتى خارج القدس في مدن الضفة، فيشدّد المحلّل السياسي على أن من شأنه "إضفاء الشرعية على عمليات تزوير وتزييف الأراضي والممتلكات، والقيام بتسريبها بشكل قانوني". ويحذر من أن هذا الوضع "سيدفع المواطن المقدسي إلى دفع مبالغ مالية طائلة كتكاليف لعمليات تسجيل الأراضي، وإدخال العائلات في خلافات داخلية واحتراب عشائري حول الملكية، مع عدم توفر الأوراق والوثائق الثبوتية لعمليات التسجيل وإثبات الملكية".

من جهته، يقول خبير الأراضي والاستيطان، خليل تفكجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "بعد عام 1967، أوقفت إسرائيل أعمال التسوية المتعلقة بتسجيل الأراضي، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم، تم تطبيق العديد من الإجراءات على هذه الأراضي، منها ما تمّ بيعه، ومنها ما تمّت مصادرته". ويوضح تفكجي أن "إسرائيل اليوم، في قضية تسجيل هذه الأملاك، إنما تريد أن تضرب بحجر واحد أكثر من عصفور، من خلال نقل ما تدعيه سلطات الاحتلال أنها أملاك يهودية، من أسماء أشخاص إلى الصندوق القومي اليهودي، الذي لا يسمح بالبيع للعرب، نظراً لحدوث أعمال بيع من يهود إلى عرب، وفي الوقت ذاته، يريد الصندوق أن يسجل جزءاً كبيراً من هذه الأملاك كأملاك غائبين، وبالتالي نقلها إلى حارس أملاك الغائبين".

وفي الجزء الثالث من هذا المخطط، وفق تفكجي، يريد الجانب الإسرائيلي "أن يسجل جزءاً من هذه الأملاك كأملاك بلدية، التي تمّت مصادرة أراضيها وأقيمت عليها مدارس، بالإضافة إلى أن هناك مصادرات تمّت منذ 1967 وحتى 1995، صودرت الأراضي فيها باعتبارها للمصلحة العامة، وبالتالي يريد الصندوق أن ينقل الأملاك من أملاك شخصية فلسطينية إلى سلطة الأراضي أو أملاك الدولة". يضاف إلى ذلك كلّه، بحسب الخبير، أن "هناك ما يدخل في أعمال التسوية، وهو وجود مناطق سيتم إقامة مستوطنات عليها، جزء منها استُملك باعتباره كان خزينة للمملكة الأردنية الهاشمية، يضاف إلى ذلك أملاك الكنيسة اللوثرية التي جرت مصادرتها".

ويلفت تفكجي إلى قضية أخرى تتعلق بمستقبل عملية التسوية، وهي النسبة الكبيرة من الأراضي التي تعود لمسلمين ومسيحيين، إذ إنه نتيجة للإرث، تحولت مساحات كبيرة منها إلى قطع صغيرة، جزء كبير منها هو أملاك غائبين، وبالتالي يتدخل حارس أملاك الغائبين في هذه الأراضي بحيث لا يسمح باستثمارها أو بيعها أو شرائها إلا بإذن منه، وبناء عليه، فإن أعمال التسوية هي جزء من أعمال التهويد لمدينة القدس بعد تهويد الإنسان وأسماء الشوارع، ونقل جزء كبير من الأملاك الشخصية إلى الدولة".
وفي ما يتعلق بملابسات وظروف عمليات الشراء التي استهدفت أراضي في فلسطين قبل عام 1948، يوضح تفكجي أن "هذه الأراضي هي بالأصل كانت أملاكاً يهودية ضمن الفلسطينيين اليهود الذين كانوا يقطنون في هذه المنطقة، وأديرت منذ 1948 وحتى 1967 من قبل حارس الأملاك الأردني، وهذه الأراضي موجودة في شعفاط وبيت حنينا، وفي مناطق أخرى". ويلفت إلى وجود أراضٍ "تم شراؤها بعد عام 1967، وهي غير مسجّلة في الطابو، واليوم يريد الاحتلال تسجيلها، إضافة إلى الأملاك التي صودرت للمصلحة العامة، ولم يجر استخدامها حتى اللحظة، حيث يريد الاحتلال اليوم أن ينقلها إلى أملاك دولة".

وبحسب التقديرات الإسرائيلية، يوجد حوالي 2500 دونم تشمل أراضي في بلدتي كفر عقب ورافات في القدس المحتلة، حيث توجد هناك أراض بنيت عليها مساكن، فيما يتوجه نائب رئيس بلدية الاحتلال في القدس، أرييه كينغ، يومياً، إلى القاطنين في هذه المناطق، ليقول لهم إنهم "يقيمون على أراض يهودية". ويجري ذلك إضافة إلى ما يحدث في المنطقة المعروفة بـ"كبانية أم هارون" في حي الشيخ جرّاح من الناحية الغربية، وكما حدث أيضاً في المنطقة الشرقية من الحيّ، وكذلك نقل جزء من أملاك الغائبين، ومنها نقل فندق "شبرد" الذي يعود لعائلة الحسيني، إلى حارس أملاك الغائبين أو لسلطة التطوير أو إلى أملاك الدولة.


ويلفت تفكجي إلى وجود مشكلة كبيرة تتعلق بالأملاك، وهي أن جزءاً كبيراً منها يعود لورثة مقيمين خارج فلسطين المحتلة. وبحسب نظام التسوية، فإن على هؤلاء، كما يشرح الخبير، أن يبرزوا ملكيتهم للأرض، ولكن إذا فعلوا ذلك أو لم يفعلوا، فإن هذه الأراضي تعتبر أملاك غائبين بسبب إقامة الورثة في الخارج، بمعنى أنها أرض غير معرّفة الأصحاب، وبالتالي يتم تسجيلها ضمن أموال الدولة. ويلفت تفكجي إلى وجود "إشكالية أخرى في قضية تسوية الأراضي، حيث يتوقع أن يتم مستقبلاً فتح مشاريع إسرائيلية غير معلومة لنا اليوم، ولكن ستتبين ماهيتها لاحقاً، وبالتالي فإن الاحتلال يستعجل عملية تسجيل هذه الأراضي، حتى يمكنه تنفيذ هذه المشاريع".
وحول مصير الأملاك الفلسطينية المتروكة، وما إذا كان بالإمكان المطالبة باستردادها، يقول تفكجي: "إذا تركت للجانب الإسرائيلي لا يمكن معالجتها لأنها باتت قضية سياسية، وهناك أملاك مصادرة للمصلحة العامة بحسب قانون 1943، إذن هناك إشكالية لدى الجانب الفلسطيني، وبالتالي تصبح القضية سياسية أكثر من كونها قانونية". ويحذر من أن القانون "يخدم الجانب الإسرائيلي، سواء كان هذا القانون من الفترة الأردنية أو الإنكليزية أو العثمانية، لأن الأراضي المتروكة، بحسب القانون العثماني ستعود للدولة القائمة أو الوريثة".

العربي الجديد

كلمات دليلية :