زيادة الإقبال على الهجرة.. هل تخسر سوريا نخبها الاقتصادية؟!

زيادة الإقبال على الهجرة.. هل تخسر سوريا نخبها الاقتصادية؟!
الثلاثاء ٢١ سبتمبر ٢٠٢١ - ٠٤:٠٦ بتوقيت غرينتش

قال رئيس الاتحاد العام للحرفيين في سوريا ناجي الحضوة لـ«الوطن»: لاحظنا في الفترة الأخيرة كثرة طلبات الحرفيين الذين يرغبون في استصدار وثائق إثبات حرفي أو شهادات حرفية لغاية السفر.

العالم-سوريا

وأعاد رئيس الاتحاد السبب وراء ازدياد هجرة الحرفيين وأصحاب الأيدي الماهرة إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج التي أصبحت كبيرة جداً نتيجة الحصار الأحادي الجانب على هذا القطر والذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية، كما انعكس على زيادة التقنين في حوامل الطاقة التي أصبحت لا تلبي احتياجات الحرفي في تصنيع المنتج.

وأضاف: وبالتالي أصبحت قيمة المنتج النهائي مرتفعة ولا تتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن، فأصبح أمام خيارين إما الهجرة للعمل في الخارج كي يسد رمق معيشته أو محاولته التعامل مع الوضع كما هو في الداخل.

وبيّن رئيس الاتحاد أنه وبهدف الحد من هذه الظاهرة قامت الحكومة بعدة إجراءات لدعم القطاع الحرفي ومنها تسهيل وتبسيط إجراءات الحصول على القروض، ودعم الفائدة لينعكس ذلك على المنتج الحرفي وتقديم كل الدعم والمساعدة للحرفيين للعودة للعمل من جديد وزيادة الإنتاج، حيث دعمت الحكومة فتح باب القروض لكل الحرفيين بفائدة 4 بالمئة، بحيث تتحمل الحكومة ٧ بالمئة من قيمة الفائدة، كما تبنت هيئة دعم مخاطر القروض دعم القرض بما يقرب من ٧٥ بالمئة في حال تعثر القرض.

وأشار الحضوة إلى دخول نحو 800 منشأة حيز الاستثمار هذا العام لغاية تاريخه بين خدمية أو إنتاجية، منوهاً إلى أن عدد المنتسبين للمنظمة يقارب ١٦٠ ألف منتسب موزعين على ١٣ اتحاداً حرفياً يتضمن ما يقرب من ٤٠٠ جمعية لجميع المهن والحرف والمهن.

وأشار الحضوة إلى توفر المناطق الصناعية التي دخلت أو ستدخل الإنتاج قريباً لما لها من دور إيجابي، بما تحويه من تكامل بكل أنواع الخدمات، وأهمها تأمين الطاقة شبه الدائمة خلال أوقات عمل المنشآت أو تقديم الطاقات البديلة، مضيفاً: حالياً باشرنا بمشروع الطاقة البديلة في حاضنة دمر ما يعطي فرصة لعمل وإنتاج أكبر، وفي القريب العاجل سنستلم عدة مناطق حرفية عن طريق وزارة الإدارة المحلية ونأمل أن يكون موضوع الطاقة البديلة هو موضوع أساسي بهذه المناطق.

بدورها الوزيرة السابقة لمياء عاصي بينت في حديثها لـ«الوطن» أن كثافة الإقبال على الهجرة بالنسبة للشباب السوري، يؤكدها الازدحام الشديد في فروع الهجرة والجوازات للحصول على جواز السفر، مؤكدة أن هذا ينطوي على خسارة كبيرة لأهم الطاقات والكفاءات الوطنية الشابة.

ورأت عاصي أن موجة الهجرة الجديدة للسوريين لها أسباب اقتصادية يعود معظمها إلى تراجع الإنتاج المحلي وغياب السياسات والمشاريع التنموية وتدني الدخل بشكل مريع، جعلت أغلبية الناس يقعون في براثن الفقر المدقع والعوز الشديد، إضافة إلى قلة فرص العمل أمام الشباب الداخلين إلى سوق العمل.

وأضافت عاصي قائلة: أصبحت سورية الأقل دخلاً في العالم، وبالتأكيد هجرة المنتجين سواء الصناعيين أم الحرفيين ستفاقم الوضع الاقتصادي لسورية وتستدعي سرعة في الإجراءات لمعالجة هذا الوضع الخطير.

وحول تأثير الإعلانات عن بيع العقارات بداعي السفر في سوق العقارات قالت عاصي: انعكاس موجة الهجرة على سوق العقارات نلمسه في السوق العقاري، حيث نجد عرضاً كبيراً لا يقابله طلب مماثل، إذ إن أغلبية المواطنين في جانب الطلب لا يمتلكون الملايين المطلوبة كأسعار لهذه العقارات، ولكون أول خطوة تفرضها الهجرة هي تسييل الأصول الثابتة وخصوصاً العقارات وبسرعة كبيرة، ما يسبب انخفاض السعر مقوّماً بالعملات الأجنبية، وبالطبع ارتفاع أسعار العقارات بالعملة السورية هو نتيجة التضخم الكبير الذي تشهده البلاد.

ورأت عاصي أن المطلوب من الحكومة في هذه الفترة، العمل على تفكيك الأسباب التي دعت الناس للهجرة ولو جزئياً، وليس الإجراءات الزجرية والقسرية، ولعل أولها، رفع المستوى المعيشي للناس والقدرة الشرائية للدخل، وتحسين الخدمات المقدمة للناس ولاسيما الكهرباء ووسائل النقل، ورعاية مشاريع صغيرة لامتصاص البطالة وتخفيف حدة الفقر لأن ارتفاع حجم الناتج محلياً هو المحرك الأساسي للعجلة الاقتصادية، والمعالجات جميعها يجب أن تكون وفق قوانين السوق.

بدوره الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف أكد خطورة الهجرة في هذه المرحلة، لكون الذين يهاجرون الآن هم النخب الاقتصادية وأصحاب المهن والحرفيون.
وأعاد يوسف السبب وراء ذلك إلى تضييق الحكومة على الصناعيين عبر القرارات المالية المتعلقة بالضرائب، إلى جانب الروتين القاتل الذي يتسم به القطاع العام، بالتوازي مع عوامل الجذب من التسهيلات الكبيرة التي تقدمها بعض الدول للمستثمرين السوريين كمصر، وتحقيق المناخ الأعلى للاستثمار لأصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال.

وقال: المعادلة بسيطة: تضييق الحكومة عبر إجراءاتها وعدم توافر حوامل الطاقة التي ترتفع أسعارها كل فترة، مقابل المميزات المقدمة من دول أخرى إضافة لأرباح أفضل من الأرباح المحققة لهم في سورية، أي عامل جذب من الخارج وتنفير من الداخل.

وأشار يوسف إلى أن هجرة المهنيين والحرفيين نتيجة سوء الأوضاع المعيشية، حيث إنه لا يمكن لصاحب المنشأة أن يعطي راتباً بأكثر من 300 ألف ليرة تعادل نحو 100 دولار في حين إيجار البيت اليوم يعادل نحو 150 إلى 200 دولار، في حين في دول الاغتراب يستطيع أن يحصل العامل على دخل يكفيه إيجار البيت إضافة إلى مستلزمات المعيشة من أكل وشرب.

ووصف الوضع المحلي بأنه إخفاق اقتصادي كامل، وقال: نحن في المراحل الأخيرة، والدورة الاقتصادية لم تعد موجودة.

وأضاف: الحديث عن الاستثمار يحتاج إلى تأمين مناخ استثمار حتى تجذب المستثمر، في حين لا يمكن جذبه في وضع يعجز فيه عن تأمين مازوت لتشغيل معمله، وغير قادر على الاستيراد إلا عن طريق (المركزي)، وهو ملزم بإعادة 50 بالمئة من قطع التصدير، ولا يستطيع أن يستورد إن لم يعده، وفي ظل كل العقوبات الجائرة.

وقال: قانون الاستثمار لا ينفع دون البيئة الاقتصادية المؤهلة لقانون الاستثمار وعلى رأسها حوامل الطاقة من مازوت وكهرباء وفيول وغاز. والأهم استقرار سعر الصرف أمام الليرة السورية، في ظل عدم إمكانية التحويل إلى الخارج ومن الخارج إلى الداخل.

وبيّن أن جذب رؤوس الأموال بحاجة إلى عملية تنمية مستدامة شاملة، وضمن هذا المعدل ذلك غير ممكن، مضيفاً: تستورد بسعره في حين ينتهي المنتج يكون السعر اختلف واختلفت التكاليف، وعند الاستيراد من جديد يكون السعر ارتفع خارجياً، وعند رفع السعر داخلياً يصبح هناك كساد، وعند محاولة التصدير أصبحت هناك إجراءات إضافة للعقوبات المفروضة على الشعب، فتم الدخول في حلقة مفرغة غير قابلة للكسر، وبالتالي لا يمكن أن نقول إن لدينا استثماراً في سورية وهذا خطير جداً.

وشدد على ضرورة محافظة الحكومة على المستثمرين في السوق المحلية حالياً، أثناء محاولة الجذب لمستثمرين من الخارج، وقال: لا داعي للضرائب والإجراءات التنفيرية، وضرورة إعطاء بيئة استثمارية كي لا يفكر المستثمر بالهجرة.