عدن: تناحر بين ميليشيات العدوان على السلطة

عدن: تناحر بين ميليشيات العدوان على السلطة
الأحد ٠٣ أكتوبر ٢٠٢١ - ٠٧:١٥ بتوقيت غرينتش

لم تكد تمضي أيام قليلة على عودة رئيس حكومة هادي "معين عبد الملك" إلى اليمن، بعد غياب امتد 6 أشهر، حتى اشتعلت المواجهات في العاصمة المؤقتة عدن.

العالم - اليمن

وعلى عكس المرات السابقة، لم تندلع الاشتباكات هذه المرة بين القوات الموالية للحكومة، وأخرى تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، بل بين فصائل متناحرة من المليشيات، تتقاسم النفوذ في عدن.

وشهدت مديرية كريتر في عدن، القريبة من قصر معاشيق الرئاسي، مقرّ الحكومة، والذي يتواجد فيه عدد من الوزراء بعد عودتهم قبل أيام، منذ الساعات الأولى لفجر أمس السبت، اشتباكات راح ضحيتها ما لا يقل عن ستة قتلى، فضلاً عن تسجيل عشرات الإصابات جراء المعارك بين قوات تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي، وأخرى للقيادي العسكري إمام النوبي، الذي يحتفظ بنفوذ عسكري واسع في المدينة، وسط مناشدات بفتح ممرات آمنة لخروج المدنيين، الذين حوصروا في منازلهم من دون طعام ووسط الرصاص.

شهدت مديرية كريتر اشتباكات راح ضحيتها ما لا يقل عن أربعة قتلى من المسلحين

وكان التوتر قد بدأ منذ الخميس الماضي، بعدما حاصرت مليشيات إمام النوبي، مركز شرطة كريتر الذي يديره "الانتقالي"، عقب قيام عناصر أمنية من المركز بحملة اعتقالات على خلفية الاحتجاجات الأخيرة على الأوضاع المعيشية المتردية في عدن، طاولت أفراداً من مسلحي النوبي، ما دفع الأخير إلى إرسال قوة حاصرت مركز الشرطة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين. لكن قوات "الانتقالي" رفضت تلبية مطلبه، ودفعت أول من أمس الجمعة بتعزيزات عسكرية إلى كريتر، تزامناً مع تعثر لجان الوساطة، ما أدى إلى انفجار الوضع عسكرياً منذ فجر السبت.

وتحولت المواجهات أمس، إلى حرب شوارع في المدينة بين الطرفين، وامتدت إلى أحياء الطويلة وشعب العيدروس. واستخدمت في المواجهات الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وسقط فيها أربعة قتلى وأكثر من ثمانية جرحى، بحسب حصيلة غير رسمية أفادت بها مصادر طبية وأمنية . وقال مصدران أمنيان لوكالة "رويترز"، إن الاشتباكات أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن أربعة مقاتلين، فيما تحدثت وكالة "الأناضول" عن مقتل طفل ونزوح للسكان.

ودفعت قوات "الانتقالي" بتعزيزات كبيرة إلى مديرية كريتر في محاولة لحسم المعركة، فيما أطلقت مساجد مدينة المعلا المجاورة دعوات عبر مكبرات الصوت لوقف المواجهات وحرب الشوارع بين الطرفين وحماية المدنيين المحاصرين في منازلهم، بينما ارتفعت دعوات لـ"الجهاد" من كريتر التي يتواجد فيها النوبي، بحسب ما أظهرت مقاطع فيديو تم تداولها أمس. ولم تفلح الوساطات التي تكثفت خلال ساعات بعد ظهر أمس، والتي شارك فيها القيادي العسكري البارز في المجلس الانتقالي، مختار النوبي، وهو أيضاً شقيق إمام النوبي، في احتواء الموقف، إذ عادت الاشتباكات لتجدد على نحو متقطع.

وقال مصدر في "الانتقالي"، إن قواته حسمت أمرها في ما يخص النوبي ومسلحيه، مشيراً إلى أنهم "أبلغوا لجنة الوساطة أن أمام النوبي ومسلحيه خيارين: الاستسلام أو مواجهة مصيرهم". واتهم المصدر النوبي بأنه "يؤوي الكثير من المطلوبين في العديد من القضايا التي تستهدف الأمن وتساعد في الفوضى"، مضيفاً أن الأخير "بات يمثل خطراً وتهديداً حقيقياً للأمن والاستقرار في عدن، ويتم استخدامه من قبل أطراف عدة لهذا الغرض، وهو ما لن يسمح به الانتقالي وقواته العسكرية والأمنية".

فشلت الوساطات التي جرت أمس في احتواء الموقف

وكانت اللجنة الأمنية في عدن دعت أمس المواطنين في مديرية كريتر، إلى التزام منازلهم خلال الساعات القليلة المقبلة "التي تقوم فيها قوات أمن عدن وقوات مكافحة الإرهاب بتطهير المدينة من بعض المجاميع والبؤر الإرهابية الخارجة عن النظام والقانون"، بحسب البيان. وأكدت اللجنة أنها "لن تتهاون مع أي جهة تحاول المساس بأمن عدن ومواطنيها، وترويع الآمنين ورفع السلاح في وجه السلطة، وهذا ما وثقته عدسات الكاميرات لتلك المجاميع التي تسعى لزعزعة أمن البلاد واستقرارها، مستخدمة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة في حربها ضد المدينة".

وتتشكل اللجنة الأمنية في عدن، التي يترأسها محافظ عدن أحمد لملس، من كل القوات التابعة لـ"الانتقالي" التي تسيطر على عدن، وهي قوات "الحزام الأمني" وقوات الطوارئ والشرطة ومكافحة الإرهاب وشرطة المرور والشرطة العسكرية، وقوات أخرى مثل "قوات العاصفة" وغيرها من المجاميع التابعة لـ"الانتقالي".

ويخشى أن يؤدي استمرار الاشتباكات إلى اتساعها، ما يُصّعب من مهمة احتوائها، خصوصاً أن النوبي، والذي كان أحد قيادات المقاومة أثناء غزو الحوثيين لعدن، يمتلك ترسانة من الأسلحة. وعقب تحرير عدن، استقرت القوة التي أنشأها في معسكر عشرين، والذي يقع في الجبهة الشمالية الغربية لكريتر.

واستمر النوبي في قيادة هذا المعسكر لسنوات بعد الحرب. لكن المجلس الانتقالي تمكن منذ أكثر من سنتين من أخذ معسكر عشرين منه، ليؤسس النوبي معسكراً آخراً في كريتر خاصاً به، حيث استمر في تكوين وتقوية نفسه. ويعرف عن النوبي أيضاً أنه كان أحد أبرز القيادات التي سعت إلى تأمين مديرية كريتر القريبة من قصر معاشيق، وكان محسوباً في البداية على الحكومة، وحصل على دعم من القوات الإماراتية والسعودية، قبل أن ينضم لاحقاً إلى المجلس الانتقالي، ثم عاد وأخذ مسافة منه. وظهر هذا الأمر بوضوح عندما نأى بنفسه عن مسلحي "الانتقالي" خلال المواجهات مع حكومة هادي في عدن، فيما لم يقف في صف الحكومة أيضاً.

وكانت خلافات إمام النوبي، مع المجلس الانتقالي الجنوبي، قد تكررت طيلة السنوات الماضية، وكانت التدخلات السعودية والإماراتية تساهم في احتوائها، إلا أن دعم النوبي لموقف المحتجين في كريتر، التي شكلت نواة الاحتجاجات الشعبية الغاضبة على تردي الأوضاع المعيشية، والتي تخللها إطلاق المتظاهرين شعارات مناوئة للمجلس الانتقالي، ساهم على ما يبدو في تجدد الأزمة بينه وبينه المجلس.

ويخوض النوبي القتال ضد قوات الانتقالي التي يقودها بعض أشقائه، وهم مختار النوبي قائد محور أبين العسكري وقائد اللواء الخامس دعم وإسناد، وشقيقه الثاني علي النوبي الذي يقود اللواء خامس صاعقة انتقالي، وقد أصيب في معارك أمس، بينما شقيقه الثالث قائد الكتيبة الأولى اللواء خامس صاعقة عواد النوبي الذي توفي أمس متأثراً بإصابته في مواجهات ضد مسلحي شقيقه إمام النوبي.

ووجهت للنوبي خلال السنوات الماضية اتهامات بتنفيذ العديد من الاغتيالات في عدن، بما في ذلك تصفية الشابين أمجد عبد الرحمن وعمر باطويل. كذلك يُتهم باعتقال وتعذيب العديد من الصحافيين والناشطين، فضلاً عن ملاحقته العديد من الشباب بتهم "الكفر" و"الإلحاد". كذلك عُرف عنه فرض أئمة المساجد في مديرية كريتر.

واعتبر السياسي اليمني علي الأحمدي، إلى أن الأحوال لم تستقر في عدن بسبب عدم تمكن الحكومة من الحضور وبسط نفوذها حيث زاحمتها تشكيلات مسلحة لا تخضع لمؤسسات حكومة هادي، مدعومة من بعض دول التحالف وتستلم رواتبها بالعملة الصعبة من تلك الدول. وأضاف أنه "شيئاً فشيئاً، ترسخ وجود هذه التشكيلات المتعددة والمختلفة الولاءات لأكثر من جهة، كما أنه وجدت لها مكاسب مادية إضافية أنتجها واقع سيطرتها على الأرض"، على حد قوله.

ولفت الأحمدي إلى أن جوهر اتفاق الرياض كان إعادة الأمور في عدن إلى الوضع الطبيعي بإشراف الحكومة على الأمن في عدن وتوحيد السلاح بيدها وخروج كافة القوات إلى الجبهات خارج المدينة، معتبراً أنه رغم مرور ما يقارب السنتين على اتفاق الرياض، لم يقبل المجلس الانتقالي المسيطر على عدن بتنفيذه، وذلك على الرغم من أن الشق الأمني يخدمه كثيراً، فهو يوحد القوة بيد وزارة الداخلية التي يمثلها مدير الأمن واللجنة الأمنية التي يرأسها المحافظ، وكلا الموقعين من نصيب المجلس الانتقالي في التوزيع السياسي الذي حصل، حسب تعبيره.

المصدر: العربي الجديد