تطورات الشمال السوري.. هل تنذر بصدام عسكري؟

تطورات الشمال السوري.. هل تنذر بصدام عسكري؟
الأحد ١٧ أكتوبر ٢٠٢١ - ٠٦:٤٤ بتوقيت غرينتش

بدت نذر التصعيد واضحة في الشمال السوري وفقا للمعطيات الميدانية والسياسية التي تشير إلى أن المنطقة باتت على حافة صدام عسكري جديد، طرفاه القوات التركية والمجاميع المسلحة تحت إمرتها من جانب، وما تسمى "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي تنعتها أنقرة بالإرهابيين من جانب آخر، إلا إذا حالت التفاهمات الإقليمية والدولية دون ذلك.

العالم - سوريا

النتيجة التي صدرت عن قمة سوتشي التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب اردوغان في مارس / اذار العام الماضي، بقيت طي الكتمان وان كان الطرفان قالا انها إيجابية لكن ما حصل بعد هذا رغم كل ما قدمه المحللون من إحتمالات لم ينطبق على الوصف بـ"ايجابية". فروسيا مضت في تصريحاتها بعد القمة بالتأكيد على عدم قبول استمرار الوجود الارهابي في إدلب وها هو أردوغان يلمح الى توسع عسكري تركي محتمل في الشمال السوري وعدم القبول بالهجمات و"الاستفزازات" كما أسماها والتي تصدر من الشمال السوري.

وطلبت القوات التركية في سوريا السبت من المجاميع المسلحة العاملة تحت أمرتها رفع الجاهزية التامة والتأهب في حال الطلب، في ظل حديث الرئيس التركي والإعلام التابع له عن اقتراب موعد معركة ضد "الإرهابيين" شمال سوريا على حد وصفه.

واكد أردوغان أمس الأول، أن "كفاحنا في سوريا سيستمر بشكل مختلف للغاية في الفترة المقبلة"، مضيفاً: "سنخوض كل أشكال الكفاح اللازم ضد تلك التنظيمات الإرهابية والقوات المدعومة أميركياً هناك، وكذلك ضد قوات النظام، ونحن عاقدون العزم في هذا الخصوص". وأردف بالقول إن تنظيم حزب العمال الكردستاني (ب ك ك)، وامتداداته الكردية، تصول وتجول ليس في الشمال فقط، بل في عموم سوريا، وتتلقّى الدعم من قوات التحالف وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

وفي السياق، نقلت وكالة "رويترز"، الجمعة الماضي، عن مسؤول تركي وصفته بالبارز قوله إنه "من الضروري تطهير المناطق (في شمال سوريا) وخصوصاً منطقة تل رفعت (شمال حلب) التي تنطلق منها هجمات ضدنا باستمرار". وأضاف المسؤول أن الجيش ووكالة المخابرات الوطنية يتخذان الاستعدادات للعملية العسكرية المحتملة ضد "وحدات حماية الشعب" الكردية، الجناح العسكري لحزب "الاتحاد الديمقراطي السوري"، والمكوّن الرئيس لـ"قسد". وتابع: "القرار بذلك اتُخذ، والتنسيق اللازم سيتم مع دول بعينها. سيُناقش الموضوع مع روسيا والولايات المتحدة". وقال مسؤولان تركيان للوكالة إن أردوغان سيناقش الأمر مع الرئيس الأميركي جو بايدن خلال قمة مجموعة العشرين في روما نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، فيما أشار ثالث إلى أن الرئيس التركي سيتحدث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد المحادثات مع بايدن.

من جهته أشار ما يسمى المرصد السوري المعارض إلى أن عموم مناطق نفوذ القوات الكردية لشمال وشمال شرق سوريا، تشهد حالة من التوتر والترقب، مع تصاعد التهديدات التركية لاستهدافات مرتقبة على هذه المناطق.

وفي هذا السياق كانت قيادة "قسد" أصدرت تعليمات داخلية لعناصرها، تمنعهم من مغادرة مقراتهم في كل من دير الزور والرقة والشدادي والمناطق الخاضعة لنفوذها، لمدة ثلاثة أيام، مؤكدة أن كل من يخالف التعليمات سيعرض نفسه للمسائلة العسكرية القانونية.

وبعد ساعات من تفجير استهدف رتلاً عسكرياً تركياً قرب مدينة معرة مصرين في ريف إدلب، ليل الجمعة - السبت ما أسفر، بحسب مصادر عدة، عن مقتل جنديين تركيين وإصابة 5 آخرين، استهدفت القوات التركية فجر أمس مواقع تابعة لـ"قسد". وقال ناشطون محليون، إن القوات التركية قصفت بالأسلحة الثقيلة مناطق مختلفة في ريفي الرقة وحلب. واستهدف القصف خاصة مواقع "قسد" في قرية أم البراميل، والطريق الدولي (حلب-دمشق/ M4)، في ريف ناحية عين عيسى شمالي الرقة، ما أدى لوقوع أضرار مادية. كما طاول قرية المالكية وقلعة شوارغة في ناحية شرا في ريف عفرين.

ويرى محللون أن التطورات في الشمال السوري تظهر وجود عدة سيناريوهات للتدخل التركي في حال فشلت السياسة في تجنيب المنطقة صداماً عسكرياً جديداً، يمكن أن يفضي إلى خسارة "قسد" مواقع لصالح الجانب التركي. الهدف الأول أمام أنقرة هو منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، والتي تعد منطقة نفوذ روسي رغم سيطرة الوحدات الكردية عليها مع عدة بلدات وقرى محيطة بها، وهي كفر نايا، ودير جمال، والشيخ عيسى، وكفر ناصح، وإحرص، وحربل، وعين دقنة، وأم حوش، ومنغ، ومرعناز، وفافين، والزيارة، وتل شعير، وتل رحال، ومريمين، وتل عجار، وأم القرى.

ولكن من المرجح بحسب المحللين أن أي تساهل روسي يجب أن يقابله تساهل تركي مماثل في محافظة إدلب، حيث يتطلع الروس للسيطرة الكاملة على الطريق الدولي "أم 4"، الذي يصل الساحل السوري بمدينة حلب كبرى مدن الشمال. ولطالما كانت منطقة تل رفعت، التي تقع إلى الشمال من حلب بنحو 40 كيلومتراً، أولوية لدى المجاميع المسلحة السورية منذ السيطرة على عفرين في شمال غربي المدينة مطلع 2018. ولكن تفاهمات أنقرة مع موسكو حالت دون محاولة هذه المجاميع استعادة هذه المنطقة التي خسرتها في فبراير/شباط 2016. والهدف الثاني أمام الجيش التركي قد يكون منطقة منبج شمال شرقي حلب، ضمن النفوذ الأميركي، وهو ما يجعل هذا الهدف بعيد المنال في ظل تدهور العلاقة بين أنقرة وواشنطن في الآونة الأخيرة. أما الهدف الثالث، فقد يكون منطقة عين العرب (كوباني)، على الحدود السورية التركية مباشرة. وهذا الهدف أيضاً ليس في متناول الأتراك، كون شرق الفرات خاضعاً لتفاهمات روسية تركية، وأميركية تركية، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019 عقب عملية "نبع السلام" في ريفي الرقة والحسكة.

وسبق لـ"قسد" أن تراجعت أمام القوات التركية غرب الفرات، حيث غادرت أوائل العام 2018، تحت ضرباتها، من منطقة عفرين وتمركزت في منطقة تل رفعت. واضطرت في شرق الفرات إلى التراجع عن منطقتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة أواخر 2019. وتتهم المجاميع المسلحة السورية الوحدات الكردية بالوقوف وراء العمليات المتلاحقة التي تضرب مناطق غرب الفرات، أبرزها عفرين. وتعتبر أنقرة "قسد" خطراً داهماً على أمنها القومي، حيث تعدها نسخة سورية من "حزب العمال الكردستاني".

ويأتي ذلك في وقت كشفت صفحات إخبارية عن وصول تعزيزات عسكرية للجيش السوري إلى ريف حلب الشمالي يوم الجمعة الماضي، بالتزامن مع الحديث عن نية تركيا بدء عمل عسكري في تل رفعت، التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، على غرار عمليات "نبع السلام" و"درع الفرات" و"غصن الزيتون".

وتعتبر كل من دمشق وموسكو ان تركيا لم تف بالتزاماتها حيال اتفاق سوتشي الموقع بين الرئيسين بوتين واردوغان، ولم تتمكن من حمل المجاميع المسلحة على فتح طريق الطريق الدولي (M4)، او تامين حماية للدوريات المشتركة الروسية التركية على الطريق الدولي في مناطق معروفة بأنها تخضع للنفوذ التركي.