مفاوضات اللجنة الدستورية السورية .. عندما تفشل التدخلات العسكرية الخارجية

مفاوضات اللجنة الدستورية السورية .. عندما تفشل التدخلات العسكرية الخارجية
الثلاثاء ١٩ أكتوبر ٢٠٢١ - ٠٤:٠٦ بتوقيت غرينتش

 في زحمة الانفتاح العربي والإقليمي تجاه دمشق، وضمن التحضيرات لتطبيق اتفاق سوتشي وفتح الطريق الدولي الواصل بين حلب واللاذقية، والتبدلات الدراماتيكية في المنطقة، والمشهد الجديد الذي يرتب، واكتظاظ الحقائب بالملفات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، يأتي اجتماع لجنة مناقشة الدستور في جنيف، ليشكل خطوة إضافية في لوحة الاشتباك السياسي، بعد ان بدأت القوى المنتصرة في الحرب على الإرهاب تفرض شروطها ومعادلاتها.

العالم - قضية اليوم

ومع انطلاق الجولة السادسة من لجنة مناقشة الدستور في جنيف بسويسرا، بعد أن تم التفاهم مع المبعوث الأممي غير بيدرسون،على آلية عمل اللجنة في هذه الجولة المقرر عقدها لمدة أسبوع عمل واحد أي خمسة أيام، كما كان معمولاً به سابقاً، كان بيدرسون قدم اقتراحاً للوفود المشاركة بأن يتم البحث بنصوص المبادئ الدستورية وتم الاتفاق على تقديم نص مبدأ دستوري واحد كل يوم، خلال أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، لتتم مناقشته على أن يخصص آخر يوم من الجولة وهو الجمعة، لمناقشة عامة وتقييم نقاط التوافق والخلاف بين المشاركين على المبادئ الأربعة التي طرحت.
والجديد في هذه الجولة هو اللقاء الخاص الذي جمع بين الرئيسين المشاركين لوفد الجمهورية العربية السورية احمد الكزبري ووفد المعارضة هادي البحرة، والاتفاق على عناوين المبادئ التي سيتم البحث فيها والصياغة المقترحة، هذا اللقاء هو الاول من نوعه، وبعد هذا الاجتماع اعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسن، خلال مؤتمر صحفي في جنيف ان هناك ثمة اتفاق تم بين الرئيسين المشتركين في اللجنة الدستورية أحمد الكزبري من جانب الوفد الوطني وهادي البحرة من وفد المعارضة على المباشرة في صياغة مشروع الإصلاح الدستوري، وانه سيتم العمل في أربعة اتجاهات.
بهدوء لم يستغرب احد في دمشق هذا التطور في اجتماعات اللجنة، والتي تأتي ضمن السياق الطبيعي لتطور الاحداث المحيطة بالوضع السوري، وهي أجواء تؤكد التفاؤل الحذر في العاصمة السورية الذي يلف كل الحراك الذي يعكس أجواء إيجابية في دفع العملية السياسية في البلاد، الى حافة النتائج، بعد المحاولات المتكررة من قبل دول العدوان على تصدير الفشل لكل الاجتماعات السابقة للجنة مناقشة الدستور، عبر تعطيل عملها والمماطلة، وكل ذلك يؤكد ان لا شروط وضغوط على الدولة السورية تأتي بثمارها، ولا التهديد بالإرهابيين وديمومة الحرب يجعل أعضاء الوفد الوطني تحت ضغط، بل يؤكد ان كل الرؤى المسبقة لفرض نظام سياسي على السوريين فشلت، وان ما يجري في درعا وسيتم في ادلب، وقبله ترسيخ الامن والاستقرار في كل المناطق، والانفتاح العربي والإقليمي تجاه سوريا، فرض خيارات سياسية مختلفة، ما جعل بيدرسون يلجأ الى قراءة جديدة لخارطة تأثير الجغرافية السياسية التي تغلف الوضع في سوريا، وترجمته الى مفردات سياسية عملية، تحفز الطرف الاخر الى التقدم في عملية مناقشة الدستور، وبالطبع هذا التبدل في قراءة المشهد يشارك بيدرسون فيه، الدول الشريكة في الحرب على سوريا، كونها تبحث عن أي تطور سياسي لإنزالها عن شجرة المواقف العنيفة تجاه دمشق، وطي صفحة الحرب، والدليل على ذلك، الموقف الأمريكي الذي دفع العديد من الدول لإنهاء سياسة العزلة الدبلوماسية عن دمشق، وكسر الحصار الظالم على الشعب السوري، وكل ذلك بسبب الإنجازات العسكرية والسياسية للدولة السورية ومحور المقاومة، واما التركي الراقص على حبال المصلحة السياسية، فهم بشكل واضح ان العناوين السياسية القادمة، يمكن استثمارها في انهاء تورطه في الحرب على سوريا، بعد فشل الخيار العسكري الذي تبناه طيلة فترة الحرب، وأصبحت الساحة السياسية السورية، تشهد إنجازات هامة على مستوى الإقليم، ما يعني ان هذا التبدل في سلوك وفد المعارضة، هو نتيجة واضحة ومنطقية للقراءة الدولية للازمة السورية، وهذا ما يؤثر على حركته وايقاعه في كل الاجتماعات والمؤتمرات .

ان اجتماعات لجنة مناقشة الدستور، هي جزء هام من الاشتباك السياسي، وتختصر المشهد الكلي للمواجهة مع الأمريكي والتركي والكيان الإسرائيلي، وكل القوى الحليفة لهم في المنطقة، وتكمن الفكرة ان لجنة مناقشة الدستور هي المفتاح للحل السياسي، بالرغم من تأكيد الدولة السورية ان شأن هذه اللجنة هو شأن سوري صرف، بعيد ان أي تدخل خارجي، ولا يبت في عناوينها الا في الداخل السوري، والمعني هي مؤسسات الدولة السورية، والجميع يعلم ان هذه اللجنة ظهرت الى النور، من اجل مناقشة بنود الدستور السوري، وتستغلها قوى العدوان كساحة من اجل فرض اجندتها، وستفخخ الكثير من العناوين للتأثير في الخريطة السياسية السورية، بالإضافة الى بنية الدولة السورية، بشكل يخدم مصلحتها، وهذا يفسر قوة الاشتباك السياسي الحاصل، وما يجري هو بالفعل، منع الدول وأجهزة الاستخبارات من تمرير مشاريعها عبر ادواتها في هذه اللجنة، وبالتالي ما حقق لهذه اللحظة هو انجاز سياسي حقيقي، ويجب الانتباه ان ما يجري في لجنة مناقشة الدستور، رسائل من الدولة السورية، ان أي حل سياسي هو حل بين السوريين انفسهم، وان اطراف العدوان من خلال منصاتهم المختلفة لن يكن لهم أي دور في هذا الحل.
إن ما يحققه الوفد الوطني في جنيف، هو جزء من التوظيف الحقيقي للانتصارات التي حققتها الدولة السورية ومحور المقاومة، وبالتالي هو خط دفاع امامي يمنع التوظيف السياسي لتلك اللجنة، بالإضافة الى تفريغ الضغوط التي تمارسها دول العدوان وتحرك بها وفد المعارضة، وان الأيام القادمة ستشهد بذلك.


بقلم: حسام زیدان