ملف المصالحات.. انفتاح عربي على دمشق من بوابة درعا

ملف المصالحات.. انفتاح عربي على دمشق من بوابة درعا
الإثنين ٠١ نوفمبر ٢٠٢١ - ٠٤:١٢ بتوقيت غرينتش

اكثر من خمسين يوماً، هي المدة التي احتاجتها الدولة السورية لإتمام ملف المصالحات في درعا جنوب البلاد، انطلاقا من درعا البلد، مرورا بالأرياف الغربية والشمالية والشرقية للمحافظة، وصولا الى بصرى الشام، التي تنتظر دورها في الانضمام الى قطار المصالحات.

العالم - قضية اليوم

وبذلك فقد وصل عدد القرى والبلدات الصاعدة باتجاه المصالحة بحدود 50 بلدة وقرية، ووصل عدد الذين تم تسوية أوضاعهم الى 8000 مواطن، وتسليم ما يزيد عن 3000 قطعة سلاح، والمقابل، تسوية كاملة للمطلوبين والفارين من الخدمة العسكرية، ستفسح الطريق امام عملية الترميم الاجتماعي في جنوب البلاد.

إن انجاز ملف المصالحات في درعا، له أهمية خاصة تبعا لخصوصية درعا السياسية والجغرافيا، كونها تتمتع بوزن مهم في الحسابات الدولية الدقيقة، وأبعاد سياسية معقدة بحكم موقعها الجغرافي، الذي ينطلق من كونها تحد محافظة القنيطرة وبالتالي قريبة من فلسطين المحتلة، وهي النافذة الكبرى على الأردن من الجنوب السوري، وتشكل حلقة الوصل مع كل دول غرب اسيا وشمال افريقيا، بالإضافة الى انها تلامس محافظة ريف دمشق من الشمال، وهي العمق الاستراتيجي للعاصمة دمشق، التي تبعد عنها بحدود 100كلم، كل ذلك يمنحها وزنا اقتصاديا مختلفا، يرتقي الى مستوى السيادي على الصعيد التجاري والزراعي، لما تملك المحافظة لجهة الامن الغذائي، بالإضافة الى زيادة حجم الصادرات والواردات عبر معبر نصيب مع الأردن، هذا المعبر الذي يعتبر من اكثر المعابر ازدحاما على الحدود السورية، حيث تنتقل عبره معظم البضائع.

اما من جهة أخرى، فإن عين الكيان الإسرائيلي لم تغب عن درعا قط، فالأمر كان قبل فرض الحرب على سوريا، وفكرة إقامة منطقة الحزام الامن على اطراف الجولان المحتل ويضم درعا وصولا الى قاعدة التنف الامريكي في عمق البادية السورية، ومن اهم ما يجعل الكيان الإسرائيلي حريص على استدامة الفوضى في درعا هو الامن المائي، فأطماع الكيان في مياه حوض اليرموك ليست جديدة، وإنما تمتد جذورها إلى عشرات السنين خلت، فمنذ قيام الكيان، وضعوا في حسابهم أهمية المياه ودوره في الصراع مع العرب، تجلى هذا الصراع عبر عدة مشاريع ودراسات تحقق أهدافهم على امتداد فترة تاريخية منذ 1926 إلى يومنا الحالي، بلغ عددها حوالي سبعة مشاريع وحتى أيضاً تنفيذ اعتداءات مباشرة على منطقة حوض اليرموك، ومنها، عام 1964 عشية مؤتمر القمة العربي الأول حيث قررّ المجتمعون تنفيذ بعض المشاريع المائية في سوريا ولبنان والأردن، بهدف الاستفادة من مياه انهار الأردن والليطاني واليرموك، وخلصوا إلى إقامة سد على نهر اليرموك في موقع الخيبة لتخزين 200 مليون متر مكعب من المياه، وشق قناة عبر الأراضي السورية من خلال وادي الرقاد لتصب في نهر اليرموك وعند المباشرة بالمشروع قصف كيان العدو المنشآت، بالإضافة الى مهاجمة الحدود السورية في 17و18 /2/ 1964، كما حشد الكيان قواتها على الجبهة السورية وشن عدة اعتداء في 7/3/1964، وهاجم الكيان الإسرائيلي أيضا مشروع تخزين المياه بتاريخ 13/5/1964، ومن شهر 7عام 1964 الى شهر 11 من نفس الهام هاجم الكيان الحدود السورية 14 مرة، واستخدم في قصف هذه المنشآت قنابل النابالم، اما في عام 1965 فكان شهر أيار متخم بعدوان الكيان على منطقة درعا.

انطلاقا من كل ما سبق، فإن الولايات المتحدة الامريكية والكيان الإسرائيلي، هما الأكثر تضرراً من إتمام عملية المصالحة في قرى وبلدات درعا، كون بسط الجيش السوري لسيطرته على كامل منطقة الحدود مع الأردن، يشكل افشال حقيقي لمشروع الحزام الامن الذي اطلقه الكيان الإسرائيلي، ما يعني ان القاعدة الامريكية في منطقة التنف في عمق الصحراء، أصبحت مقطة الاوصال وتحولت لعبء حقيقي على القوات الامريكية، الامر الذي سيؤدي الى قرارات أمريكية جدية حول جدوى تواجد هذه القاعدة، والتحضير لتفكيكها. وتؤسس هذه المصالحات لمرحلة جديدة توزاي بأهميتها الاتجازات العسكرية التي حققها الجيش، كونها ستعزز الموقف الجيوسياسي للدولة السورية، بعد ان بات الحديث عن السيطرة على العامود الفقري للدولة انطلاقا من حلب شمالا الى الحدود الأردنية حقيقة قائمة، ما يعني إبراز الإنجازات التي يحرزها الجيش العربي السوري في معركة الجنوب السوري، والتي تؤسس لمرحلة جديدة وتوازي بأهميتها الإنجازات العسكرية والسياسية التي حققها في تحرير حلب وغيرها من المناطق الإستراتيجية والتي تعزز الوضع الجيوسياسي للدولة السورية، حيث بات بالإمكان الحديث عن عمود فقري جغرافي متماسك من الشمال السوري انطلاقًا من حلب إلى الجنوب السوري وصولًا إلى درعا، ما ساهم بعودة الانفتاح العربي على دمشق، من بوابة درعا.

العالم - بقلم حسام زیدان