لهذا السبب تم عزل حمدوك من سدة الحكم في السودان

لهذا السبب تم عزل حمدوك من سدة الحكم في السودان
الجمعة ٠٥ نوفمبر ٢٠٢١ - ٠٨:٢٧ بتوقيت غرينتش

كشف تحقيق صحفي أن إقصاء رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك مؤخرا عبر عزله بانقلاب عسكري مرتبط بمعارضته لهيمنة الإمارات على البلاد ورفضه فرض أبوظبي سيطرتها الاقتصادية.

العالم - الإمارات

وأبرز التحقيق الذي نشرته مجلة “أوراسيا ريفيو” الدولية، أن حمدوك شكل شوكة في خاصرة قادة الجيش السوداني كونه معارضا قويا للهيمنة العسكرية المدعومة من الإمارات على القطاعات الرئيسية للاقتصاد السوداني.

وجاء في نص التحقيق: مثّل السودان استثناء من قواعد كتاب اللعب الإماراتي المعادي للثورات. فعلى عكس مصر أو اليمن؛ حيث مضت الإمارات في طريقها لإجهاض إنجازات الثورات الشعبية، كانت الأخيرة سعيدة بعزل الرئيس السوداني “عمر البشير”. وأطاح الجيش بـ”البشير” في أبريل/نيسان 2019؛ بعد احتجاجات شعبية طالبت بتغيير النظام.

وضمن الجيش أن تميل لصالحة الترتيبات الانتقالية لتقاسم السلطة، التي تم التفاوض عليها مع الجماعات السياسية ومجموعات المجتمع المدني. وفي ذلك الوقت، اتفقت الإمارات والولايات المتحدة على أن الوقت قد حان لرحيل “البشير”. لكن من المحتمل أنهما اختلفا حول من يجب أن يخلفه.

فقد دفعت الولايات المتحدة نحو انتقال ديمقراطي في السودان يقوده المدنيون. فيما رفض قادة الإمارات، كما فعلوا مرارا وتكرارا، الديمقراطية كنموذج مناسب للحكم.

ولم يمنع ذلك إدارة الرئيس “جو بايدن”، التي علقت 700 مليون دولار من المساعدات للسودان في أعقاب انقلاب الأسبوع الماضي، من الاعتماد على الإمارات للضغط على القادة العسكريين في البلاد من أجل إعادة مؤسسات الحكم الانتقالي.

واستجابة لذلك، يُعتقد أن الإمارات أقنعت الجيش بالإفراج عن رئيس الوزراء المطاح به “عبدالله حمدوك”، الذي اعتقله الانقلابيون في البداية.

وحول ذلك، قال مسؤول أمريكي: “نعتمد على الإماراتيين، الذين تربطهم علاقة بالجنرال البرهان، لاستخدام مصداقيتهم معه، من أجل إطلاق سراح أولئك الذين تم القبض عليهم”. وكان المسؤول الأمريكي يشير إلى قائد الجيش السوداني “عبدالفتاح البرهان”، الذي تولى السلطة مؤخرا بانقلاب عسكري.

ولفترة طويلة، دعمت كل من السعودية والإمارات نظام “البشير” بالاستثمارات ومليارات الدولارات، وكان البلدان ممتنين من إرسال الأخير آلاف الجنود السودانيين لدعم تدخل دول الخليج الفارسي في اليمن.

ومع ذلك، فقد أبدى البلدان بشكل متزايد استياءً من عدم وفاء “البشير” بوعوده الانفصال عن قاعدته الإسلامية وداعميها، تركيا وقطر.

كما مثل تصميم “البشير” على البقاء على الحياد مصدر إزعاج أكبر بعدما أعلنت الإمارات والسعودية ومصر والبحرين في عام 2017 مقاطعتها الاقتصادية والدبلوماسية لقطر؛ بسبب دعمها المزعوم للإسلاميين.

فقد أوقفت الإمارات إمدادات الوقود والمساعدات المالية للسودان عام 2019 ردا على رفض “البشير” دعم موقف رباعي المقاطعة؛ ما أدى بدوره إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية التي كانت تغذي الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة السودانية، آنذاك.

وكان قطع الدعم الخطوة الأولى للإمارات نحو دعم تغيير النظام حتى لو أتى ذلك ببديل يسيطر عليه الجيش، عوضا عن الجماعات السياسية والساسة.

ومن المحتمل أن يكون هذا أحد الأسباب الرئيسية وراء امتناع الإمارات ومصر حتى الآن عن إدانة الانقلاب العسكري في السودان، الذي وقع الأسبوع الماضي، والتي أطاح بالحكومة الانتقالية المدنية بقيادة “عبدالله حمدوك”.

وكان “حمدوك” شوكة في خاصرة قادة الجيش؛ كونه معارضا قويا للهيمنة العسكرية المدعومة من الإمارات على القطاعات الرئيسية للاقتصاد السوداني.

وشددت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان عقب الانقلاب على “ضرورة الحفاظ على ما تحقق من مكتسبات سياسية واقتصادية.. وحرصها على الاستقرار وبأسرع وقت ممكن، وبما يحقق مصلحة وطموحات الشعب السوداني في التنمية والازدهار”، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية “وام”.

هذه الطموحات، من وجهة نظر الإمارات، يمثلها الجنرال “البرهان” والجنرال “محمد حمدان دقلو” (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع سيئة السمعة، التي تربطها علاقات طويلة الأمد مع الإمارات والسعودية.

فقد نجح الرجلان في إبراز نفسيهما على أنهما حصن مناهض للإسلاميين.

وأظهر الإماراتيون في وقت مبكر دعمهم خطوة الإطاحة بـ”البشير”، عبر اتصالات أجروها عام 2019 مع عناصر من المعارضة والقوات المسلحة، بينما كان الجيش والقوات شبه العسكرية يفكران في الإطاحة بالرئيس.

فقد افترض المسؤولون الإماراتيون أن الجيش وقوات الدعم السريع ستظهر كقوة مهيمنة في السودان الجديد.

وآنذاك، زار رئيس المخابرات السودانية “صلاح قوش” معارضي “البشير” في السجن لطلب دعمهم لتغيير يديره الجيش.

وبحسب ما ورد، قال “قوش” لهم إنه جاء لتوه من أبوظبي؛ حيث تلقى تطمينات بأن الإمارات ستدعم الإطاحة بـ”البشير” من خلال إعادة إمدادات الوقود، وتقديم المساعدة المالية للحكومة الجديدة.

ورفض “البشير” قرار حفظ ماء الوجه المدعوم من الإمارات، والذي كان سيسمح له بالبقاء في السلطة لفترة انتقالية تليها انتخابات.

وكانت الصفقة تقضي بتنازل “البشير” عن قيادة حزب “المؤتمر الوطني”، الذي كان ينتمي إليه، وعدم السعي لإعادة انتخابه.

وفي النهاية عندما أقال الجيش “البشير” من منصبه في أبريل/نيسان 2019، سارعت الإمارات والسعودية بالتعهد بتقديم مساعدات مالية بقيمة 3 مليارات دولار.

في المقابل، سارع القادة العسكريون السودانيون، بمن فيهم الجنرال “حميدتي”، إلى التعهد بإلغاء قرار “حمدوك” سحب القوات السودانية من اليمن.

واستفادت القوات المسلحة وقوات الدعم السريع من نشر أفراد عسكريين للقتال إلى جانب القوات المدعومة من الإمارات والسعودية في ليبيا واليمن؛ حيث يمثل السودانيون غالبية القوات البرية للتحالف المناهض لانصار الله.

وفي أعقاب الإطاحة بـ”البشير” مباشرة، سعى نائب رئيس مجلس الوزراء الإماراتي “منصور بن زايد آل نهيان”، شقيق ولي عهد أبوظبي الرجل القوي “محمد بن زايد”، ومالك نادي “مانشستر سيتي” الإنجليزي، إلى حشد الدعم لاستحواذ جماعات المعارضة والمتمردين على السلطة.

ووفقا لمصادر سودانية، يُزعم أن “منصور” تلقى مساعدة، في هذا الصدد، من الرئيس الأسبق للمخابرات السودانية الجنرال “عبدالغفار الشريف” المقيم في أبوظبي.

وسعت سياسة الإمارات إلى تعزيز مصالحها بغض النظر عن كيفية تأثير ذلك على الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية في السودان.

وكان أحد الأهداف المباشرة هو التمهيد لاعتراف السودان بالاحتلال الاسرائيلي على خطى تطبيع الإمارات مع الدولة العبرية، حتى لو لقي ذلك معارضة من غالبية النخبة السياسية وشرائح كبيرة من الجمهور بالسودان.

وأدى هذا المسعى الإماراتي (تسهيل اعتراف السودان بالاحتلال الاسرائيلي) إلى توسيع الفجوة بين الجناحين العسكري والمدني لهيكل الحكم الانتقالي في السودان.

ورتبت الإمارات لعقد اجتماع سري في أوغندا في فبراير/شباط 2020 بين “البرهان” ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك “بنيامين نتنياهو” دون إشراك نظيره السوداني “حمدوك”.

وحول ذلك، قال المحلل السياسي “محيي عمر” إن “العلاقات الإسرائيلية الحصرية مع الجيش السوداني تقوي مساعي الأخير للبقاء في السلطة وتضعف المكون المدني للحكومة”.

قبل أن يستدرك محذرا: “ربما نجحت استراتيجية الاحتلال الاسرائيلي لبناء تحالفات قوية مع الأجهزة العسكرية والأمنية في بعض دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن هذا النهج من غير المرجح أن ينجح في السودان”.

وتزامن تسهيل الإمارات لتطبيع العلاقات السودانية الإسرائيلية مع تراجع أبوظبي عن صرف حزمة المساعدات المالية الكاملة، التي تعهدت بها بعد الإطاحة بـ”البشير”، البالغة 3 مليارات دولار.

ويبدو أن هذه الخطوة كانت تهدف إلى تقوية يد الجيش والجنرال “حميدتي” على حساب المكون المدني في مؤسسات الحكم الانتقالي.

في الوقت نفسه، بدلا من المساعدة في تمهيد الساحة للانتقال الديمقراطي بالسودان، ضمنت الإمارات عدم وجود مصلحة للجيش في تحول ديمقراطي من شأنه أن يضع الرجال في الزي العسكري تحت السيطرة المدنية، ويحد من قدرتهم على تحويل إيرادات الدولة إلى حسابات في بنوك الإمارات.

وفي حديثه قبل أسابيع من استقالته من منصب وزير المالية السوداني في يونيو/حزيران 2020، اتهم “إبراهيم البدوي”، المسؤول السابق بالبنك الدولي، الجيش بالاستيلاء على عائدات تصدير اللحوم إلى السعودية.

وقال إن شركة مقرها سويسرا تجمع عائدات البلاد من الطيران المدني، وتحولها إلى حساب في الإمارات.

وأكد “البدوي” أن ما يقرب من 200 شركة يسيطر عليها الجيش مع عائدات تقدر بنحو 2 مليار دولار، والتي ينبغي أن تتدفق إلى خزائن الدولة، لا تزال خارج اختصاص وزارته.

ومن المحتمل أن يكون توصيف “البدوي” للوضع الراهن في البلاد، أحد العوامل التي دفعت مجموعة الأزمات الدولية إلى التحذير من أن الفشل في دعم “حمدوك”، “يمكن أن يعرض الانتقال للخطر، مع عواقب مأساوية على شعب السودان والمنطقة”.

وأصدرت المجموعة تحذيرها هذا قبل 4 أشهر من الانقلاب.

إنه تحذير يرن اليوم بصوت أعلى؛ حيث تدعو الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة وحتى السعودية إلى العودة إلى الحكم المدني في السودان.