انفتاح لا عمالة..الخيانة وجهة نظر

 انفتاح لا عمالة..الخيانة وجهة نظر
الأحد ٠٧ نوفمبر ٢٠٢١ - ٠٦:٣١ بتوقيت غرينتش

مقولتان تُنْسبان للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني وجدتا إثباتهما بعد نحو نصف قرن من رحيله. في البدء النبؤة الأولى لكنفاني التي تقول " سيأتي يوم على هذه الأمة وتصبح الخيانة وجهة نظر".

العالم - قضية اليوم

ففي زمن كنفاني كانت الساحة العربية قد بدأت تخرج من إطار المعاداة المطلقة للكيان الإسرائيلي وتحديدا بعد وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر وبدء عملية التطهير التي طالت أنصاره من قبل خلفه أنور السادات، حينها وجد كنفاني أن الأمور تتجه نحو تغيير صورة الكيان الإسرائيلي بالنسبة لأنظمة عربية، وبالفعل بدأ ذلك مع اتفاقية كامب ديفيد التطبيعية بين القاهرة والكيان الإسرائيلي.. حينها بدأ المشهد يتحول إلى صورة عنوانها أن التطبيع وجهة نظر.

المقولة الثانية لكنفاني هي "يسرقون رغيفك ثم يعطونك منه كِسرة، ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم.. يا لوقاحتهم". ما دفعه لقول ذلك ترسخ بعد خمسة عقود بشكل فاضح على قاعدة تجويع الناس وضرب اقتصادات بلادهم وفرض حصار على دول رافضة للكيان الإسرائيلي وإظهار الأخير بصورة المنقذ والمخلص بشرط.. التطبيع على أساس أن الكيان الإسرائيلي ومن معه هم من أعطوا هذه الشعوب كسرة الخبز بعد سرقة مقدراتها وبعد تجويعها بالعقوبات وغيرها.

هاتان النقطتان يمكن أن تشكلان نقطة انطلاق لما يحصل اليوم على الساحة العربية، وتحديدا لبنان. فمؤخرا إندلعت الأزمة بين بيروت والسعودية بحجة تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حول العدوان السعودي على اليمن والتي اتخذها الذباب الإعلامي والإلكتروني و"الثقافي" و"الفكري" للهجوم على قرداحي وتضخيم القضية (وهو ما ضربه لاحقا وزير الخارجية السعودي بالقول إن القضية لا تتعلق بتصريحات قرداحي بل بخلافات مع حزب الله في لبنان).

هذه الأزمة ترتبط بشكل كبير بما كشفته تقارير وصحفيون غربيون مخضرمون حول سؤال المفاوض السعودي في المحادثات مع إيران عن الملف اليمني وطريقة حله، ليكون جواب المفاوض الإيراني بأن الحل عند حزب الله وتحديدا أمينه العام، وإذا أرادت السعودية الحل فعليها التواصل معه) هذا الرد كان صادما للحكومة السعودية فكان القرار بتفجير الأزمة مع لبنان عبر استغلال تصريحات قرداحي.

في حيثيات تفجير الأزمة، قاعدة ستكون أساسية بالنسبة للسعودية وهي أنه لا يمكن الحديث مع حزب الله لعدة أسباب أبرزها أن التطبيع المقبل "والحتمي" مع الكيان الإسرائيلي لا يقبل أي تواصل بين الرياض والحزب. وفي هذا السياق تُلاحَظ الحملة الممنهجة والقوية لشيطنة حزب الله والمقاومة وهو ما سيكون مفيدا حين تقرر الإدارة الأميركية أن الوقت حان لإعلان التطبيع.

كيف؟ عبر التصويب على حزب الله وإلصاق التهم يمينا وشمالا به تمهيدا لواقع ان أي حديث مستقبلي عن العلاقة مع الكيان الإسرائيلي في لبنان سيكون مقبولا في ظل التشويه الذي يلحق بالمقاومة داخليا.

تحت هذا العنوان بدأت تعلو أصوات لبنانية منادية بالتطبيع، وأبرزها مقابلة "الإعلامية" اللبنانية ماريا معلوف مع هيئة الإذاعة الإسرائيلية وكلامها الترويجي بامتياز للتطبيع، حيث وصلت إلى درجة اعتبرت أن المسجد الأقصى وكنيسة القيامة جزء من سيادة الإحتلال وإنها تريد العودة إلى لبنان بعد تطبيع الأخير مع الكيان الإسرائيلي ما يستدعي التخلص من حزب الله. معلوف معروفة بعلاقاتها مع أطراف سعودية وإماراتية وبالتطبيل لهذه الأنظمة وللتطبيع.

لكن ما يهم هو توقيت ظهورها على وسيلة إعلامية إسرائيلية في ظل الهجوم السعودي على لبنان وتحديدا المقاومة، وإن كانت معلوف غير مؤثرة في توجيه الرأي العام اللبناني إلا أن خطوتها تعتبر بالون تجربة لجس نبض الشارع اللبناني في انتظار الخطوة التالية باتجاه الترويج للتطبيع.

أيضا، الملفت في كلام معلوف عبارة باتت أساسا في تبرير التطبيع لدى كل الأنظمة والأفراد والاطراف اللاهثة وراء لإقامة علاقات مع الإحتلال. فهي قالت أن موقفها ليس عمالة للإحتلال بل انفتاحا. هي تدرك إن تبريرها هذا أتفه من أن يعْتَد به لكنه قاعدة يراد من كل مروج للتطبيع تبنيها والإستناد إليها في أي نقاش مقبل حول هذا الموضوع.
يمكن القول أن تمرير التطبيع يستند إلى عملية جعله وجهة نظر وليس خيانة حذر غسان كنفاني منها قبل عقود. وعليه، بين "التطبيع انفتاح وليس عمالة" وبين "الخيانة وجهة نظر" يكمن السلاح الأقوى في وجه هذا الترويج التطبيعي في تثبيت معادلة أن "التطبيع الخيانة والخيانة ليست وجهة نظر".

العالم - بقلم حسین الموسوی