سوريا تلاقي الانفتاح بالمثل .. أهلاً بإعادة الإعمار

سوريا تلاقي الانفتاح بالمثل .. أهلاً بإعادة الإعمار
الخميس ١١ نوفمبر ٢٠٢١ - ٠٤:٢٧ بتوقيت غرينتش

ليس تحسين المبادلات التجارية مع الدول العربية، والتي لم تتوقّف تماماً خلال سنوات الحرب، الغاية الوحيدة والرئيسة لسوريا في ملاقاتها الانفتاح العربي المتزايد عليها، بل إنها تضع عينها على مشاريع إعادة الإعمار، وجذب الاستثمارات والعملات الأجنبية، بالإضافة إلى الاستفادة من التجارب التنموية لبعض الدول. وإذ تتوقّع دمشق تطوّرات إيجابية قريباً في هذا الاتّجاه، فهي تدرك أيضاً أن ثمّة عوائق كثيرة لا تزال حاضرة، وبإمكانها أن تُفشل كلّ تلك الجهود

العالم - مقالات

حافظت معظم الدول العربية، بما فيها تلك التي سحبت سفراءها أو اتُّهمت بتقديم دعم مباشر للفصائل المسلحة، على «شعرة معاوية» في علاقاتها الاقتصادية مع دمشق، وهو ما تدلّل عليه بيانات التبادل التجاري، والتي تُثبت أن الحدود لم تُغلَق نهائياً أمام الشاحنات المحمّلة بالبضائع المتّجهة من سوريا إلى الدول المذكورة أو العكس، حتى في ذروة سنوات الحرب، ومحاولات إسقاط دمشق عسكرياً، واشتداد المواجهات السياسية والإعلامية. إذ بحسب البيانات الرسمية السورية، فإن قيمة المبادلات التجارية مع السعودية، مثلاً، سجّلت عام 2014 ما قيمته 241 مليون دولار، مُشكّلة بذلك 17% فقط من إجمالي قيمتها عام 2010. والأمر نفسه يكاد ينطبق على التبادل التجاري بين سوريا والأردن؛ ففي عام 2014، بلغ إجمالي قيمة المبادلات حوالى 318.7 مليون دولار، أي حوالى 55% من الرقم المحقّق عام 2010. أمّا العلاقة التجارية مع الإمارات، التي كان موقفها أقلّ حدّة من غيرها وكانت أسرعهم في العودة إلى دمشق، فلم تتأثّر كثيراً، إذ انخفضت بنسبة لا تتجاوز 28%، ليصل حجم التبادل عام 2014 إلى حوالى 226.8 مليون دولار.

اليوم، ثمّة محاولة مشتركة بين سوريا ودول عربية عدّة للبناء على «شعرة معاوية» الاقتصادية وتقويتها، بحيث لا يقتصر الأمر على زيادة قيمة المبادلات التجارية، بل يتعدّاها إلى التعاون في مجالات أخرى قد تكون أكثر تأثيراً كالاستثمار المشترك وتبادل الخبرات. وفي هذا الإطار، يُشير وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري سامر خليل، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «أولوية سوريا الاقتصادية من هذا الانفتاح هي التخفيف من حدّة معاناة المواطنين جرّاء الظروف التي خلّفتها الحرب والعقوبات القسرية أحادية الجانب المفروضة على البلاد»، مضيفاً أن أبرز السبل في الوصول إلى ذلك تتمثّل في «خلْق المناخ المناسب لتنمية حركة التجارة البينيّة، وجذب الاستثمارات، لاسيما المشاريع التي تصبّ في عملية إعادة الإعمار. وكلّ ذلك من شأنه أن يساهم تدريجياً في تحسين الواقع الاقتصادي، ورفع معدّل النمو، وتالياً تحسين الواقع المعيشي للمواطنين». ويعتبر خليل أن «الانفتاح العربي هو أحد أهمّ مؤشّرات التعافي السوري، وأكثرها تأثيراً في المجال الاقتصادي، وهذا بغضّ النظر عن حجم هذا التأثير حالياً، والذي لا بدّ أن يتّسع تدريجياً، مع ازدياد دخول المستثمرين (دولاً وأشخاصاً) إلى الساحة الاستثمارية السورية»، بالتوازي مع «نموّ حركة التجارة الخارجية في ضوء التفاهمات والتسهيلات التي يتمّ الاتفاق عليها مع بعض الدول على أساس تكاملي، وكلّ ذلك سيكون مدعوماً بنشاط القطاع الخاص، لتلافي القيود والعوائق التي تُعيق حركة أيّ نشاط تجاري أو استثماري مع سوريا».

توقّعات إيجابية

قليلة هي الزيارات التي قام بها مسؤولون سوريون خلال سنوات الحرب، إلى دول عربية، لكن هذا المشهد بدأ بالتغيّر أخيراً، مع تزايد تلك الزيارات التي كان مدخلها بحث مشاريع عربية مشتركة كنقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان، أو المشاركة في فعاليات اقتصادية كمعرض «إكسبو دبي 2021»، فيما هي في الواقع غير بعيدة عن السياسة. الوزير خليل، العائد منذ أيام قليلة من الإمارات، استغلّ معرض «إكسبو دبي» لإجراء لقاءات ثنائية مع مسؤولين من دول عربية وأجنبية. لقاءاتٌ وصفها، في حديثه إلى «الأخبار»، بأنها «كانت مثمرة، تمّ خلالها بحث واقع العلاقات الاقتصادية بين سوريا وهذه الدول، وآليات تعزيزها». أمّا «العلاقة مع الإمارات، فهي تسير بشكل جيد»، بحسب ما يؤكد وزير الاقتصاد، موضحاً أنه «تمّ الاتفاق مع وزير الاقتصاد الإماراتي على بعض المرتكزات، التي يمكن أن تساهم في تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، والاتفاق على استمرار التواصل بين الجانبين بغية استفادة دمشق من التجربة الإماراتية في مجال تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسّطة. كما تمّ الاتفاق على ضرورة دعم القطاع الخاص لدى كلّ من البلدين، ليقوم بدوره في تنشيط الحركة التجارية والاستثمارية، في ضوء مرونة التعامل، وشبكة العلاقات الخارجية التي يمتلكها».

لا يزال الانفتاح العربي على سوريا في بداياته لكنه مرشّح للتطوّر خلال الفترة المقبلة

وإذ لا يزال الانفتاح العربي على سوريا في بداياته، فالمتوقّع أن يشهد تحوّلاً خلال الفترة المقبلة، بعدما شهدت الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي تحسّناً ملحوظاً في المبادلات التجارية بين سوريا ومحيطها العربي، ببلوغها أكثر من 100 مليون دولار، متجاوِزةً إجمالي قيمتها المسجّلة في العام الماضي كاملاً، بحسب ما تفيد به البيانات الرسمية. وتُظهر هذه البيانات أن معدّل قيمة الصادرات السورية التي توجّهت شهرياً إلى حوالى 17 دولة عربية، بلغ في العام الماضي حوالى 53 مليون دولار، فيما ارتفع هذا العام إلى حوالى 59 مليون دولار، أي بزيادة 7 ملايين دولار. وفي التفاصيل، فقد وصلت قيمة المستوردات من السعودية خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية، إلى حوالى 44 مليون دولار، في حين أنها في السنة الفائتة لم تتجاوز 456 ألف دولار. كذلك، كان حال الاستثمارات العربية في سوريا، والتي ميّزها أمران: الأول حماية الحكومة السورية لتلك المشروعات، والبالغ عددها وفق قانون الاستثمار حوالى 181 مشروعاً، في مواجهة مطالبة البعض بمصادرتها. والأمر الثاني، هو عدم توقّف طلبات الاستثمار العربي في سوريا خلال سنوات الحرب، وإن كانت قد خفّت بشكل واضح. إذ وفقاً لبيانات «هيئة الاستثمار السورية»، فإن قيمة الاستثمارات العربية المشمولة خلال فترة الأزمة، بلغت 706 مليارات ليرة، ناتجة من حوالى 29 مشروعاً، ساهم لبنان بنسبة 44% منها، حيث بلغ عدد مشاريعه 13، بينما أتت فلسطين في المرتبة الثانية بنسبة 17%.

أوراق سوريّة

أيّاً كانت المصالح والغايات السياسية، فإن تطبيع العلاقات الاقتصادية يحتاج إلى نقاط جذب، بالنظر إلى أن المعنيّ به أوّلاً سيكون القطاع الخاصّ، وليس المؤسّسات الحكومية فقط. وفي الحالة السورية، فإن هذا القطاع سيكون هو المخوّل بعملية التطبيع من أوّلها إلى آخرها، وهذا يطرح سؤالاً عمّا تملكه سوريا اليوم من أوراق قوّة في الجانب الاقتصادي، تكمّل القرار «السياسي» العربي بالانفتاح على دمشق؟ إلى جانب ميزة تنوّع الاقتصاد السوري، والتي مكّنته بحسب خليل، من «مواجهة جميع أشكال الضغوط وأدوات الحرب التي استُخدمت لدفعه نحو الانهيار خلال فترة تزيد عن عشر سنوات»، فإن «البلاد تنام اليوم على كنز ضخم من الفرص الاستثمارية في مختلف القطاعات. ومع صدور قانون الاستثمار الجديد، وما قدّمه من تسهيلات واسعة، تُصبح هذه الفرص مدعومة تشريعياً، لتتحوّل إلى مشاريع استثمارية». لكن ثمّة عوائق كثيرة لا تزال حاضرة، وبإمكانها أن تُفشل كلّ تلك الجهود، تبدأ بالإجراءات الإدارية وتعدّد الجهات الحكومية التي يمكن أن تتدخّل في الشأن الاستثماري، ولا تنتهي بمعوّقات تدفّق السلع والبضائع بين المحافظات، وارتفاع التكاليف جرّاء النفقات المنظورة وغير المنظورة، وعدم الاستقرار التشريعي المتعلّق بالشأن الاقتصادي، وليس انتهاءً بالتراجع الكبير في القدرة الشرائية داخل البلاد.

*زياد غصن / الاخبار