إدارة بايدن وملف بيع السلاح الى السعودية

إدارة بايدن وملف بيع السلاح الى السعودية
الخميس ٠٩ ديسمبر ٢٠٢١ - ٠٧:٢٣ بتوقيت غرينتش

تُحدث العلاقة مع السعودية جلبة كبيرة في أروقة الكونغرس والبيت الأبيض الأميركيين. يجادل المشرعون والمسؤولون في كل شيء يتعلق بالمملكة، وخصوصا ملف بيع الأسلحة، الذي تعهد الرئيس جو بايدن، بخصوصه، بوقف دعم العمليات الهجومية السعودية تمهيدا لـ«وقف الحرب في اليمن».

العالم - السعودية

إلا أن التفصيل المتعلق بفرز الأسلحة بين هجومية ودفاعية، فتح ثغرة في جدار القرار، تسمح لبايدن وإدارته بهندسة الخلاف مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على النحْو الذي يسمح بالتحكم بمستوى الضغوط، ربطا بحجم المتطلبات.

حقق بايدن، أخيرا، نصرا مؤقتا عندما رفض مجلس الشيوخ، الثلاثاء، مشروع قرار يحظر بيع 280 صاروخ «جو - جو» متوسطة المدى للسعودية، في صفقة تبلغ قيمتها 650 مليون دولار، كانت الخارجية الأميركية قد وافقت عليها مطلع تشرين الثاني الماضي، وهي الأولى والأكبر في عهد الإدارة الأميركية الجديدة، إذ دافع البيت الأبيض، في بيان، بأن «هذه المبيعات تتوافق مع تعهد الإدارة بالقيادة الدبلوماسية لإنهاء الصراع في اليمن، وإنهاء الدعم الأميركي للعمليات الهجومية هناك».

لا ينفك مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية تأكيد «التزام بلادهم التام» بدعم الدفاع الإقليمي للسعودية، بما في ذلك ضد الصواريخ والطائرات المسيرة التي يطلقها الجيش اليمني واللجان الشعبية، بشكل يضمن عدم وجود فجوة في التغطية في برامج الدفاع هذه.

في الموازاة، يأتي ما نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» كجرس إنذار سعودي طارئ يتعلق بالقدرة على التحكم بمسار العمليات في اليمن، حيث نقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين وسعوديين أن الذخيرة التي تستخدمها المملكة لصد الهجمات بطائرات من دون طيار والصواريخ، بدأت «تنفد»، وأن الرياض ناشدت حلفاءها الأميركيين والأوروبيين والخليجيين إعادة الإمداد على وجه السرعة.

وسبق ذلك سحْب الجيش الأميركي الكثير من منظومات الأسلحة الأميركية الدفاعية من السعودية، تحت عنوان «إعادة الانتشار»، والتي يتطلبها التركيز على مواجهة الصين.

عند الحديث عن «خلل» في قدرة السعودية على الدفاع عن نفسها أمام المسيرات والصواريخ اليمنية، يتصدر المشهد الهجوم على منشآت النفط التابعة لـ«آرامكو» عام 2019، والذي أدى في حينه إلى تعطيل إنتاج النفط لفترة زمنية كانت كافية ليتسرب القلق إلى الأسواق.

اليوم، يستذكر العديد من المسؤولين والمعلقين الأميركيين الحدث، من زاوية التحذير من مصير أكثر قتامة، ما يضع المخاوف بشأن سجل حقوق الإنسان في السعودية الغنية بالنفط، وقضايا أخرى على «الرف»، خصوصا أن الولايات المتحدة تكافح حاليا لوضع حد لارتفاع أسعار النفط.

وفي هذا الإطار، تأتي الإشارات التي أوردتها «وول ستريت جورنال» إلى وجود استعداد أميركي للموافقة على «نداء الاستغاثة» السعودي الأخير، من أجل تزويد المملكة بمئات من صواريخ «باتريوت» الاعتراضية الأخرى التي تصنعها شركة «Raytheon Technologies Corp»، حيث قال اثنان من المسؤولين الأميركيين إن وزارة الخارجية الأميركية تدرس «البيع المباشر» للصواريخ المعترضة للسعودية.

تطلق السعودية صاروخ جو - جو قيمته 400 ألف دولار على طائرة تبلغ كلفتها 20 ألف دولار أو أقل

بالعودة إلى الفرْز بين الأسلحة الهجومية والدفاعية، والذي وضعته الإدارة الأميركية للحكم في مسألة صفقات الأسلحة المخصصة للسعودية، فإن إدارة بايدن تعول على التفسيرات المتباينة، ما يسمح لها تحقيق عدد أكبر من الشروط السياسية وغيرها، في إطار كباشها مع ابن سلمان.

فالأسلحة الدفاعية هي أسلحة هجومية بحد ذاتها، على ما يرى مايكل نايتس، المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج الفارسي، في مقالة على موقع «معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى» نشر في 12 آذار 2021.

يقول نايتس إن «عددا قليلا من الأسلحة ذات أهداف هجومية بحتة، ولذا، فإن فرض حظر أميركي شامل على بيع الأسلحة الهجومية للسعودية يمثل مشكلة بحد ذاته»، مستشهدا على كلامه بالقول إن طائرات «أف-15» وصواريخ «سايدويندر» التي استخدمت لاعتراض الطائرات المسيرة التي استهدفت «آرامكو» في 7 آذار 2019، هي أسلحة هجومية، و«من وجهة نظر بعض أعضاء الكونغرس، لا ينبغي أن تحصل عليها المملكة أو تطورها أو تقوم بصيانتها بمساعدة الولايات المتحدة».

وعليه، يدعو نايتس المشرعين الأميركيين إلى «إجراء مراجعة دقيقة لكيفية استخدام السعوديين فعليا للأسلحة الأميركية، وكيف يمكن لواشنطن مراقبة وجهة استخدامها النهائية، بدلا من تركيزهم على فرض حظر على فئات شاملة».

سلسلة الهجمات التي تعرضت لها السعودية في الآونة الأخيرة، تشير إلى أن الدفاعات المضادة للصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار، أصبحت الآن الضرورة العسكرية القصوى في الشرق الأوسط. ومن هنا، يرى نايتس «أهمية التعاون مع السعودية في مجال دفاعات الصواريخ والطائرات بدون طيار الخاصة بالجيل القادم؛ إذ ربما يكون السعوديون قد طوروا استراتيجياتهم فتوقفوا عن إطلاق صاروخ باتريوت البالغة قيمته 3 ملايين دولار على كل طائرة بدون طيار، إلا أنهم لا يزالون يطلقون صواريخ جو - جو (بقيمة 400 ألف دولار لكل منها) على تلك الطائرات، التي تبلغ كلفة واحدتها 20 ألف دولار أو أقل».

أما بالنسبة إلى الصواريخ الباليستية، فيدعو واشنطن إلى حمْل تل أبيب على تزويد السعوديين بمنظومتها الدفاعية «ديفيد سلينغ» التي تعد تكلفتها أدنى من قيمة صواريخ «باتريوت» (مليون دولار لكل صاروخ). كما يطالبها بالمضي قدما في ممارسة الضغوط لتنفيذ «مشروع مانهاتن» للدفاع الصاروخي، والذي يمكن أن يوفر دفاعات فعالة وبأسعار معقولة للطاقة الموجهة (أي ليزر عالي الطاقة وموجة كهرومغناطيسية قصيرة عالية الطاقة)، وقذائف مدفعية فائقة السرعة، لـ«الشركاء في إسرائيل والخليج الفارسي وآسيا خلال العقد الحالي».

حاليا، لا يوجد لدى الولايات المتحدة برنامج رسمي لمواجهة هجمات الطائرات من دون طيار، وهي لن تكون قادرة على نقل تكنولوجيا مكافحة الطائرات إلى الحكومة السعودية في أي وقت قريب، بحسب ما هو معلن، فيما تتعامل الرياض مع أنواع مختلفة من الصواريخ والصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي يتطلب اعتراض كل نوع منها قدرات مختلفة.

وهنا، تنقل «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين قولهم إنه «حتى ولو كانت مزودة بالكامل بالصواريخ الاعتراضية، تظل الرياض عرضة للخطر، لأن نظام صواريخ باتريوت مصمم لمواجهة الصواريخ الباليستية، وليس الطائرات الصغيرة بدون طيار».

المصدر: جريدة الأخبار