العالم - فلسطين
فقد بدأ رؤساء الطوائف المسيحية في القدس حملة حادة للتعبير عن التذمر من وضع المسيحيين في القدس. وحذر رؤساء الكنائس في المدينة من اختفاء وجود المسيحيين في القدس بسبب العنف الذي يمارسه شباب يهود ضدهم، وبسبب نشاطات منظمات المستوطنين في الحي المسيحي. الحملة الحالية التي بدأت قبل بضعة أيام من عيد الميلاد تنضم إلى تعاون سابق بين الطوائف المسيحية المختلفة في القدس ضد سياسة إسرائيل في البلدة القديمة.
الحملة، التي شملت موقع إنترنت وعرائض والكثير من المقالات في الصحف العالمية، توجه إصبع الاتهام لإسرائيل في كل ما يتعلق بالاهتمام باحتياجات الطوائف المسيحية في المدينة المقدسة. وطرح رؤساء الطوائف المسيحية، حسب رأيهم، مشكلتين أساسيتين: الأولى، مهاجمة رجال الدين من قبل اليهود وعدم تمكن الشرطة من توفير الحماية لهم. والثانية، نية جمعية “عطيرت كوهنيم” الدخول إلى اثنين من المباني الكبيرة التي كانت بملكية البطريركية اليونانية في الحي المسيحي.
“لم يكن مستقبل طوائفنا المسيحية مهدداً بهذا الشكل في يوم ما عبر تاريخ الإنسانية”، قال البطريرك اليوناني الأرثوذكسي في القدس، ثيوفيلوس الثالث، الذي بادر إلى هذه الحملة. “مجموعات راديكالية تنوي اقتلاعنا من بيوتنا ومصالحنا التجارية وأماكن عبادتنا. وبدلاً من الانقسام، علينا التوحد من أجل أرض مقدسة ومسالمة ومتسامحة مع جميع الديانات”.
في بيان مشترك وقع عليه جميع رؤساء الكنائس الكبيرة في المدينة، بما في ذلك البطريرك الأرمني، والقائم بأعمال البطريرك الكاثوليكي، وحارس الأماكن المقدسة من قبل الفاتيكان، ورئيس الكنيسة الإنجليكانية في المدينة، جاء: “تحول المسيحيون في أرجاء الأرض المقدسة إلى هدف للهجمات المتكررة من قبل مجموعات راديكالية”. وحسب البيان، “منذ 2012 كان هناك عدد لا يحصى من حالات الاعتداء الجسدي واللفظي ضد رجال الدين، واعتداء على الكنائس المسيحية والأماكن المقدسة، التي تم تخريبها وتدنيسها بشكل ثابت”. يعزو رؤساء الكنائس هذه الهجمات لـ “محاولة منهجية لإبعاد الطائفة المسيحية من القدس”.
واشار البيان الى انه ازدادت مؤخراً عدد حالات العنف الممارس تجاه رجال الدين المسيحيين، خصوصاً من جانب شباب يهود. إحدى الكنائس التي تعاني أكثر من غيرها من هذه المشكلة هي الكنيسة الأرمنية، لأنها قرب الحي اليهودي. على سبيل المثال، في أيار الماضي، تم الاعتداء على راهبين من قبل أربعة شباب يهود، وقبل شهر تقريباً تم توثيق شاب وهو يبصق على باب الكنيسة. وقال مصدر في الكنيسة الأرمنية، إنهم يتعرضون للبصق والشتم تقريباً في أي مسيرة دينية لهم. “أنا موجود هنا منذ 1995، ولم تكن هناك حالات كثيرة يوماً ما مثل هذه الحالات”، قال الأب كوريون، سكرتير البطريركية الأرمنية. “في كل يوم أخرج فيه من البيت إلى كنيسة القيامة أو من أجل زيارة عائلة، أخشى حدوث شيء ما. دائماً ما يكون هناك شتم وبصق. ثم بدأ يحدث عنف جسدي في السنوات الأخيرة”.
إضافة إلى ذلك، قال رؤساء الكنائس بأن قرار “إغلاق السماء” بسبب تفشي كورونا يضر بالحجاج المسيحيين الذين يريدون الوصول إلى المدينة بمناسبة عيد الميلاد. وقيود كورونا تمس بانتقال المسيحيين الفلسطينيين من الضفة إلى القدس. أما قرار وزيرة الداخلية اييلت شكيد، الذي نشر الأسبوع الماضي في الصحيفة، السماح بدخول مجموعات “سياح يهود” إلى إسرائيل رغم إغلاق الأجواء بسبب تفشي فيروس “أوميكرون”، فقد أثار غضباً شديداً في أوساط رؤساء الكنيسة الذين قالوا بأن الأمر يتعلق بتمييز.
حسب أقوال مصادر مطلعة، فإن عدم إقبال الحجاج إلى المدينة في هذه السنة للاحتفال بعيد الميلاد تمس بالكنائس اقتصادياً بشكل كبير. وحسب قولهم، الاعتبارات التي تقف من وراء الحملة هي الرغبة في تجنيد التبرعات من العالم المسيحي.
تضاف هذه الضائقة إلى تهديد بإخلاء مبنيين كبيرين في الحي المسيحي وهما فندق “إمبريال” وفندق “البتراء”. مؤخراً، بعد نضال قضائي طويل، انتقل هذان الفندقان إلى أيدي المستوطنين الذين يحاولون الآن إخلاء الفلسطينيين الذين يقومون بإدارتهما من أجل إسكان عائلات يهودية فيهما. يخاف رؤساء الطوائف المسيحية من أن تغيير ملكية هذين الفندقين اللذين تم شراؤهما في صفقة إشكالية من قبل جمعية “عطيرت كوهنيم” بواسطة شركات وهمية قبل 15 سنة، يمكن أن يغير طبيعة الحي المسيحي.
عقب نشر البيان في الأسبوع الماضي، تطرقت له بعض الصحف في أرجاء العالم، من بينها صحيفة “تلغراف” و”صاندي تايمز” و”التايمز” البريطانية. عنوان المقال الذي نشره أسقف مدينة كانتربيري جيستن ويلبي، رئيس الكنيسة الإنجليكانية، وحسام نعوم، أسقف نفس الكنيسة في القدس، كان “تعالوا نصلّ من أجل المسيحيين الذين يتم طردهم من الأراضي المقدسة”. وفي مقال آخر نشره القس فرانسيسكو باتون، حارس الأماكن المقدسة في الأرض المقدسة من قبل الفاتيكان، في صحيفة “تلغراف” كتب: “في السنوات الأخيرة، تحولت حياة مسيحيين كثيرين إلى غير محتملة بسبب مجموعات تتبنى أيديولوجيا متطرفة. يبدو أن هدفها هو تحرير البلدة القديمة من الوجود المسيحي، حتى الحي المسيحي”.
هذا البيان غير استثنائي بسبب مضمونه فقط، بل أيضاً بسبب التعاون بين الطوائف المسيحية المختلفة في القدس. شبكة العلاقات بين الطوائف عرفت على مر التاريخي بالأساس العداء والنزاعات، وكان جزء منها عنيفاً. يذكّر هذا التعاون بتوحد القيادة المسيحية في القدس في 2018 احتجاجاً على قانون أراضي الكنيسة، وبسبب نزاع مع بلدية القدس حول موضوع جباية الأرنونا من مؤسسات الكنائس. كخطوة احتجاجية نادرة، أغلق رؤساء الكنائس في حينه كنيسة القيامة.