عطوان: 'ما هو السّبب الحقيقي والأهم لتدفّق فصائل المقاومة الفِلسطينيّة إلى الجزائر'؟

عطوان:  'ما هو السّبب الحقيقي والأهم لتدفّق فصائل المقاومة الفِلسطينيّة إلى الجزائر'؟
الثلاثاء ١٨ يناير ٢٠٢٢ - ٠٣:٤٠ بتوقيت غرينتش

الجزائر، باستقبالها لوفود الفصائل الفلسطينية في عاصمتها تحت عنوان مسعاها لتحقيق المصالحة، ولم الشمل، تريد من خلال هذا الحراك السياسي تدشين عودتها مجددا وبقوة إلى الساحتين العربية والعالمية عبر هذه البوابة المشرفة.

العالم - الجزائر

وذلك تمهيدا لتعويض أكثر من ربع قرن من الغياب، سواء بسبب ما يسمى بالعشرية السوداء، أو حالة الشلل التي عاشتها البلاد في ظل نظام حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.

ملف المصالحة الفلسطيني معقد، ومن الصعب على السلطات الجزائرية، التي انشغلت عنه طوال العقود الماضية لأسباب داخلية، أن تحقق اختراقا في هذا المضمار، فهي لا تملك عصا سحرية، ولا كلمة السر، وإنما النوايا الوطنية الحقيقية الطيبة.

وهذه وحدها لا تكفي في هذا الملف تحديدا، ومن غير المعتقد أنها يمكن أن تنجح حيث فشلت عشر سنوات من المحاولات الدؤوبة لنظيرتها المصرية.

***

الإرث الجزائري في التعاطي مع القضية الفلسطينية ضخم ومشرف، ويعود إلى اليوم الأول من انتصار الثورة الجزائرية، وتحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي، وإذا كان هذا التواصل قد انقطع لظروف طارئة، فإن إحياءه ليس بالأمر الصعب، بسبب هذا التوافق الإجماعي بين الشعب والقيادة على أرضية دعم فلسطين وشعبها، وحتمية الوقوف في خندقها.

يحسب للجزائر، وعلى مر العقود، أنها لم تتدخل مطلقا في الشأن الداخلي الفلسطيني، ولم تنحاز لطرف ضد آخر، وكانت أبوابها مفتوحة دائما للجميع، بغض النظر عن أيديولوجياتهم الفكرية والتنظيمية السياسية، يمينية كانت أو يسارية.

ولعل دعوة معظم الفصائل الفاعلة على الساحة ابتداء من فتح العلمانية، ومرورا بحركة “حماس” الإسلامية وشقيقتها الجهاد الإسلامي، وانتهاء بالجبهة الشعبية اليسارية الدليل الأبرز على ما نقول.

الجزائر كانت البيت الفلسطيني المفتوح دائما، أقولها كعضو “مستقل” في المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان المنفى)، ومن واقع تجربة شخصية ميدانية، فعندما ضاقت العواصم العربية على استضافة جلسات هذا المجلس السنوية، كانت الجزائر، شعبا وحكومة حاضنة جاهزة، مرحبة، ولم تتدخل مطلقا في المناقشات أو البيان الختامي، أو حتى في الخلافات التقليدية التي تنشأ بين الفصائل وما أكثرها في حينها.

المصالحة صعبة، بل ربما تكون شبه مستحيلة، لأن المشكلة فلسطينية، وأسبابها مفهومة ومنطقية، فنحن أمام سلطة وقعت في مصيدة الاحتلال الإسرائيلي وتحولت إلى أداة أمنية لحمايته ومستوطنيه ومشروعه العنصري، وحركات مقاومة ما زالت على العهد وتقاوم الاحتلال وتلحق به هزائم مذلة، وتصر على تحرير كل فلسطين من النهر إلى البحر.

29 عاما من المفاوضات مع دولة الاحتلال لم تحقق إلا توطين مئات الآلاف من اليهود في الضفة الغربية والقدس المحتلين، بينما أدت معركة “سيف القدس” التي لم تستمر إلا 11 يوما نتيجة هرولة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، والرئيس جو بايدن مستجديا التدخل بوقف إطلاق نار سريعا منعا لانهيار دولته، بعد عزلها كليا عن العالم وإغلاق مطاراتها، ونزول ستة ملايين من مستوطنيها إلى الملاجئ طلبا للسلامة.

هذه العودة الجزائرية لاحتضان القضية الفلسطينية وثوارها، وشعبها جاءت في الوقت المناسب، في محاولة لإنقاذها والأمة العربية من حال الهوان والمذلة التي تعيشها وتتمثل في تسابق بعض الحكومات العربية إلى التطبيع مع دولة الاحتلال، والتنسيق الأمني والعسكري معها، طلبا للحماية، وهذا وهم كبير، فالذي لم يستطع حماية نفسه من صواريخ المقاومة، كيف يستطيع حماية الآخرين؟

***

الشعب الفلسطيني يقدر الإرث الجزائري المقاوم الذي استمر أكثر من 130 عاما، ويعتبره قدوة، ويتعلم الكثير من دروسه، أسوة بكل دروس وتجارب المقاومات العربية الأخرى، ولعل بداية الصحوة العربية والإسلامية تبدأ من الغرب، بعد أن ترهل الشرق ودوله من كثرة المؤامرات والطعنات المسمومة في الظهر.

جميل أن تتدفق وفود الفصائل الفلسطينية إلى العاصمة الجزائرية، لإيصال ما انقطع من صلات الكرامة والأخوة والعزة، وبما يعزز الروابط بين الشعبين، ويقدم النموذج والقدوة لكل الشعوب العربية الأخرى التي لا نشك مطلقا بمشاعرها الوطنية وحبها لفلسطين، ولكنها الحكومات التي انحرفت عن الثوابت الوطنية وقيم العزة والكرامة، وهذا مؤلم بكل المقاييس.

لا نتوقع نتائج فورية وملزمة لهذا التحرك الجزائري، ولكنها بداية موفقة في الاتجاه الصحيح، وتمهيد جدي “لقمة فلسطين” العربية القادمة، وأول الغيث قطرة، وربما أكثر.. والأيام بيننا.

راي اليوم