أميركا واسرائيل وراء توقف اللجنة الفلسطينية عن ملاحقة جرائم الاحتلال

أميركا واسرائيل وراء توقف اللجنة الفلسطينية عن ملاحقة جرائم الاحتلال
الخميس ٢٠ يناير ٢٠٢٢ - ١٠:٠٨ بتوقيت غرينتش

رغم نفي مسؤولين فلسطينيين صحة ما نشره الإعلام الإسرائيلي بأن القيادة الفلسطينية أوقفت مساعيها في المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن هناك تساؤلات تثار حول توقّف اجتماعات اللجنة الوطنية العليا للمتابعة مع المحكمة الجنائية منذ عام 2019.

العالم - فلسطين

وأكد مسؤولون فلسطينيون أن اللجنة الوطنية العليا الفلسطينية للمتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية لم تجتمع منذ ما قبل وفاة رئيسها صائب عريقات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020. كما لا توجد شفافية في ضخ المعلومات للشارع الفلسطيني من المسؤولين الفلسطينيين، إذ ينحصر القرار السياسي بيد أشخاص محددين.

ويخشى الفلسطينيون من تكرار ما حدث قبل أشهر، حين أوعزت القيادة الفلسطينية لمحكمة العدل الدولية بتجميد جلساتها، في القضية التي رفعتها السلطة الفلسطينية ضد الولايات المتحدة بشأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة في يونيو/ حزيران الماضي.

ونفى عضوا اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ وأحمد مجدلاني صحة الادعاءات الإسرائيلية. وأكد مجدلاني في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "كل ما تناقله الإعلام العبري حول وقف المتابعة الفلسطينية لجرائم الاحتلال في المحكمة الجنائية الدولية عارٍ عن الصحة، ولا أساس له".

كما كتب الشيخ في تغريدة له: "لا صحة للأخبار التي تتحدث عن تأجيل القضايا المطروحة على طاولة الجنائية الدولية، كما تروج بعض وسائل الإعلام".

وحول اللجنة العليا لمتابعة المحكمة الجنائية، أكد الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، وهو أحد أعضاء اللجنة، أن "اللجنة لم تجتمع منذ وفاة رئيسها صائب عريقات".

وعن سبب ذلك، قال البرغوثي، لـ"العربي الجديد": "لا أعلم ما هو السبب وراء عدم انعقادها طيلة هذا الوقت، وأعتقد أن هناك حاجة ملحّة لعقد اجتماع سريع للجنة للوقوف على مستجدات القضايا التي قدمتها فلسطين أمام المحكمة الجنائية"، مضيفاً "يجب أن نتصل بأعضاء اللجنة وندعوها لعقد اجتماع".

وأكد البرغوثي "أن عمل اللجنة جوهري، وليس شكلياً، وهي قدمت تقارير مهمة حول الجرائم الإسرائيلية".

لكن مدير مؤسسة "الحق" الفلسطينية شعوان جبارين، وهي المؤسسة التي تراقب عمل اللجنة، قال "إن الهدف من تشكيل اللجنة هو إظهار الإرادة السياسية بأن الجانب السياسي معني بالمحكمة الجنائية، لكن هذه اللجنة شكلية ولم تكن توفر معلومات أو تقارير".

وتابع في تصريح لـ"العربي الجديد": "هناك جهات متخصصة ومهنية تعمل على تزويد المحكمة بالمعلومات المطلوبة، والجانب الرسمي يستمر في تعاونه، وفي النهاية يجب أن يعلم الجميع أن هذه المحكمة هي محكمة الضحايا وليس للدول".

يُذكر أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس كان قد أصدر في فبراير/ شباط 2015، مرسوماً رئاسياً بتشكيل اللجنة الوطنية العليا المسؤولة عن المتابعة مع المحكمة الجنائية الدولية، وحدد مهامها.

ومهام اللجنة الوطنية بحسب المرسوم الرئاسي: "إعداد وتحضير الوثائق والملفات التي ستقوم دولة فلسطين بتقديمها وإحالتها إلى المحكمة الجنائية الدولية من خلال لجنة فنية ترأسها وزارة الخارجية، وتقرر اللجنة الوطنية العليا أولوياتها بهذا الخصوص، ولها الاستعانة بمن تراه مناسباً، وتشكيل اللجان الفنية والقانونية المتخصصة بحيث تكون اللجنة الوطنية العليا مرجعية لها".

ويضاف إلى مهامها "أن تقوم اللجنة الوطنية العليا بمواصلة المشاورات مع المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المؤسسات الدولية والمحلية ذات الصلة، ومستشارين قانونيين، ومحامين وشركات محاماة للدفاع عن أبناء الشعب الفلسطيني في مواجهة أي دعوى أو انتهاكات أو جرائم ترتكب بحقه وتقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية".

وتابع المرسوم "تتابع اللجنة الوطنية العليا، الاتصالات مع مؤسسات المجتمع المدني، إقليمياً، ودولياً، وتضع خطة إعلامية شاملة بخصوص مختلف المهام الملقاة على عاتقها".

وكشف مسؤول فلسطيني، اشترط عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد" أن مطلب وقف المساعي الفلسطينية نحو المحكمة الجنائية ووقف تزويدها بالتقارير بهدف إبطاء عملها حول الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، كان مطلباً أميركياً وإسرائيلياً استمر طيلة العام الماضي، مع عودة الاتصالات الفلسطينية الأميركية وقيام إسرائيل بسلسلة خطوات على شكل مساعدات اقتصادية ومعيشية لتقوية السلطة الفلسطينية.

وحسب المعلومات، فإن عباس وعضو اللجنة التنفيذية حسين الشيخ ورئيس جهاز المخابرات ماجد فرج هم من يملكون المعلومات بالدرجة الأولى حول التقارير الموجهة إلى المحكمة الجنائية عبر وزارة الخارجية الفلسطينية.

ورفض وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي الإجابة عن هذه الأسئلة على الرغم من الاتصال به وإرسال رسائل نصية لهاتفه النقال حول هذا الأمر من قبل مراسلة "العربي الجديد".

وفي سؤال الخبير في القانون الدولي عصام عابدين إذا كانت السلطة تستطيع وقف عمل المحكمة الجنائية فيما يختص بدعاوى جرائم الحرب التي قدمتها ضد إسرائيل، أجاب أن "نظام روما للمحكمة الجنائية هو عبارة عن اتفاقية وإذا أرادت السلطة أن تنسحب منها يجب أن ترسل إخطاراً كتابياً حسب المادة 127 من النظام، إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بقرارها الانسحاب، الذي يصبح نافذاً بعد عام من إرسال الإخطار".

وتابع عابدين في حديث مع "العربي الجديد" أن "المادة الثانية من المادة 127 تقول إن الانسحاب لا يؤثر على عمل المحكمة في متابعة القضايا التي بدأت العمل عليها قبل الإخطار، وأي مسألة كانت محل النظر لدى الادعاء العام والمحكمة قبل تاريخ الانسحاب تبقى مستمرة".

ورأى عابدين أن المادة التي تعتبر خاصرة رخوة في مواد نظام روما، هي المادة 53 والتي تحتوي على مصطلحات فضفاضة وهي تحت عنوان "الشروع في التحقيق".

وأوضح أن "البند (ج) من هذه المادة يفيد حول المدعي العام: ما إذا كان يرى، آخذاً في اعتباره خطورة الجريمة ومصالح المجني عليهم، أن هناك مع ذلك أسباباً جوهرية تدعو للاعتقاد بأن إجراء تحقيق لن يخدم مصالح العدالة، فإذا قرر المدعي العام عدم وجود أساس معقول لمباشرة إجراء وأن قراره يستند فحسب إلى الفقرة الفرعية (ج) أعلاه، كان عليه أن يبلغ دائرة ما قبل المحاكمة بذلك".

ولفت عابدين إلى أن "هذه المادة تفتح باب المقايضة، بأن يكون هناك مسار سياسي مقابل وقف التحقيق، أي أن تكون هناك مقايضة ما بين العدالة الجنائية الدولية والمسار السياسي".

وأضاف "يتيح ذلك أن تذهب اعتبارات العدالة لتعزيز وقف التحقيق إذا ما كان هناك مسار سياسي أو تفاهمات أو مساعدات تبرر ما جاء في المادة، لأن مصالح العدالة كلمة فضفاضة ويسهل استخدامها كما يريد المشرّع أو الطرف مقدم الشكوى".

وحول إن كانت المادة 53 مرتبطة مسبقاً بسحب الشكوى أي بالمادة 127، أوضح عابدين أن "المادة 53 غير مرتبطة بوجود طلب انسحاب، على الرغم من أن الأخير يقويها".

ولفت إلى أن "هناك مجموعة عوامل إذا ما توفرت مع بعضها البعض تجعل اعتبارات العدالة تذهب باتجاه إنهاء التحقيق، مثل وقف اللجان الرسمية تزويد المحكمة الجنائية بالتقارير، وانسحاب فلسطين من ميثاق روما، وكان هناك مسار سياسي أو حديث عن مسار سياسي أو تسويات ما".

وأشار إلى أن "إسرائيل قامت بجهود كبيرة لضمان فوز المدعي العام الحالي كريم خان بمنصبه خلفاً لفاتو بنسودا التي لم تخضع للابتزاز الأميركي والإسرائيلي".

العربي الجديد