حراك "إسرائيلي" لِلَملمة الحلفاء؛ تل أبيب للخرطوم: مصالحكم معنا

حراك
الجمعة ٢١ يناير ٢٠٢٢ - ٠٤:٤٩ بتوقيت غرينتش

تُعدّ الزيارة الأحدث لوفد صهیونی ديبلوماسي إلى الخرطوم، وما رافقها من ترحيب «حارّ» حرصت عليه الطبقة العسكرية السودانية الحاكمة، دليلاً إضافياً على أن التطوّرات الأخيرة في هذا البلد لم تُغيّر شيئاً في تطلّعات حُكّامه، وإن كان التنافس على السلطة تحت السقف الأميركي «لا يفسد للودّ قضية» في كلّ ما يتّصل بالعلاقات مع الاحتلال "الإسرائيلی".

العالم- افريقيا

وعلى رغم أنه لم يَصدر عن أيّ من المسؤولين الإسرائيليين أيّ تصريح في شأن أهداف الزيارة ونتائجها، إلّا أنه يمكن استنباط دلالاتها من سياقها الحسّاس جدّاً بالنسبة إلى تل أبيب، حيث تتزاحم التطوّرات الشاغِلة للكيان العبري، وعلى رأسها تَوجُّه الإدارة الأميركية إلى التخفُّف من كلّ ما يثقل على توجّهاتها الدولية التي باتت تتقدّم مصالح أتباعها في المنطقة. ومن هنا، تبدو الزيارة محاولة للتأكيد أن التغييرات المقبلة في العالم، لن تجبّ «إنجازات» إدارة الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وفي مقدّمتها التطبيع بين دول عربية و"إسرائيل".

بالنسبة إلى تل أبيب، فإن تعزيز علاقاتها مع الدول المُطبِّعة عموماً، يفيدها في منْع تعاظم المخاطر الأمنية عليها، في ظلّ تَعذُّر القدرة الذاتية لديها على صدّها، والتوجُّه «الانكفائي» النسبي الأميركي عن المنطقة، ضمن مُحدّدات خاصة لا تتساوق تماماً مع المصالح الإسرائيلية. وفي الحالة السودانية خصوصاً، باتت إسرائيل، التي كان السودان مثار قلق لها بوصْفه ممرّاً لتعزيز قدرات أعدائها في الدوائر المحيطة بها وعلى رأسها قطاع غزة، تَنظر إلى هذا البلد باعتباره خطّاً دفاعياً عن أمنها، ناهيك عن ما يمكن أن يفيدها به استخبارياً ودفاعياً، ربطاً بجغرافيّته المترامية وساحله الطويل على البحر الأحمر. وإذا لم تتوافر لإسرائيل إلّا هاتان الفائدتان، فهما كافيتان بالنسبة إليها كي تدْفع بكلّ جهدها إلى تعزيز التطبيع مع الخرطوم، في إطار مسعًى أشمل تقوده لتحسين موقفها الدفاعي - الهجومي بوجه إيران وحلفائها، تحسُّباً لليوم التالي للاتفاق النووي. إذ تريد تل أبيب إيصال رسالة إلى المعنيّين بأن مسار مواجهتها طهران لن يوقفه اتفاقٌ يخدم في جزء منه حصانة الأخيرة ومِنْعتها، وهو ما يعني - من جملة ما يعنيه - محاولة تحميل واشنطن المسؤولية عن أيّ تأثيرات سلبية للصفقة المحتملة مع الإيرانيين، إن لم يكن التشويش على الاتفاق نفسه.

من ناحية أخرى، لا يمكن فصْل الزيارة، وإن من ناحية الاستفادة الظرفية، عن الهجمات الأخيرة التي شنّتها قوات الجيش واللجان الشعبية اليمنية على أهداف حسّاسة في الإمارات. إذ يسود تقدير في تل أبيب بأن تتسبّب الضربة بانكفاء أبو ظبي عن كلّ ما من شأنه الإضرار بطهران، وبالتبعية الإضرار بحلفائها في ساحات المواجهة الأخرى، في ما يمثّل واحدة من أهمّ نتائج القصف اليمني من وُجهة النظر الاستخبارية الإسرائيلية، لا سيما في ظلّ وجود خشية من انتقال عدوى هذا الانكفاء إلى مُطبّعين آخرين. ومن هنا، تريد إسرائيل إفهام دول التطبيع معها، وتحديداً السودان، بأن التطبيع لذاته من أجل كسب الودّ الأميركي، لا يكفي، وأن المطلوب إتاحة استفادة سريعة وقصوى لتل أبيب، إزاء التهديدات الإقليمية التي تواجهها. ولذا، تَحرص إسرائيل على بقاء حكّام السودان الحاليين وتحصينهم، وإن كان لا بدّ من استبدالهم، فأن يكون مَن يخلفهم «أفضل» منهم لناحية الرضوخ للمطالب الإسرائيلية، التي لا ينوي الكيان العبري ترك أيّ هامش مناورة أمام الخرطوم للتملّص منها، أسوةً بما يَظهر نسبياً في حالات تطبيع أخرى.

وإذ تعتقد إسرائيل أن علاقة «الأخذ والعطاء» هذه لا بدّ أن تسلك طريقها بشكل معقول ومُجدٍ، تحت طائلة إلحاق أضرار بمصالح طرفَيها كليهما، فهي تريد أن تضْمن للحكّام الحاليين، أو مَن سيَستلم السلطة من بَعدهم بناءً على نتائج الانتخابات البرلمانية التي تَقرَّر إجراؤها في تموز 2023، أن علاقة التطبيع وما سيُبنى عليها هي مصدر فائدة لا يمكن التعويض عنها، بما يشمل المساعدة والرضى الأميركيَين. وفي هذا الإطار، يعتقد محلّل الشؤون السياسية الخارجية في «المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية»، جوناثان توفال، أنه في ظلّ الحديث العلَني «عن تورُّط مسؤولين عسكريين وأمنيين في الانقلاب العسكري على السلطة في السودان، فالمؤكد أن إسرائيل ليست بعيدة كلّ البعد عن أن تكون طرفاً متفرّجاً وبريئاً في كلّ ما يجري في هذا البلد». وعلى ذلك، يمكن القياس والتحليل في كلّ ما يتّصل بتطوّرات الوضعَين السياسي والأمني على الساحة السودانية.

المصدر: الاخبار