صنعاء تضم 'اسرائيل' إلى قائمة أهدافها

صنعاء تضم 'اسرائيل' إلى قائمة أهدافها
الإثنين ٢٤ يناير ٢٠٢٢ - ٠٧:١٩ بتوقيت غرينتش

يوما بعد يوم، تتكشف المزيد من الحقائق حول الخطوات الأخيرة التي قامت بها الإمارات في اليمن، واستدعت من قيادة صنعاء رداً بحجم ضرب أبو ظبي ودبي. إذ بحسب المعلومات، لم يكن هدف الميليشيات المدعومة إماراتياً، وفق ما يتم ترويجه، الاستقرار في شبوة فقط، وإنّما أرادت النفاذ من شبوة إلى جنوب مأرب، بهدف فك الحصار عن مركز المحافظة الأخيرة.

العالم - اليمن

كذلك، يتضح اليوم أن الإماراتيين لم يقفوا وحدهم في هذه المعركة، بل اصطف جنبا إلى جنبهم الأميركيون، مع مشاركة إسرائيلية لا تزال «أنصار الله» تتفحص طبيعتها.

ومتى تتأكد بالنسبة إلى الحركة نوعية تلك المشاركة، حتى تقرر الرد المناسب عليها، والذي لن يوفر الكيان العبري، وفق المعطيات الآتية من صنعاء.

أما على أرض الميدان اليمني، فقد استعاد الجيش اليمني واللجان الشعبية المبادرة، وغيرا من تكتيكاتهما بما يتوافق مع التحولات الأخيرة التي سجلت على جبهة التحالف السعودي - الإماراتي، فيما وضعت قيادة صنعاء في حساباتها كل الاحتمالات، مدركة أن الأميركي الذي يعود اليوم إلى المنطقة، لن يستنكف عن استخدام أي وسيلة، بما فيها الأثر النفسي المفترض للمذابح المرتكبة أخيرا، من أجل إخضاعها لأجندته التي فشل سابقا في تسويقها، ولن يستطيع الآن إنفاذها، طبْق تأكيدات «أنصار الله».

الصورة في اليمن الآن على الشكل الآتي: استنفد العدوان كل خياراته حين ذهب إلى الحد الأقصى، وهو «التجزير» بالمدنيين اليمنيين، تعويضا عن العجز عن وقْف الضربات على السعودية والإمارات. لكن المشاهد التي رآها الرأي العام العالمي للأطفال الشهداء، صارت عبئا على قوى العدوان نفسها، التي سارعت إلى محاولة تقاذف المسؤولية عنها.

من ناحية أخرى، مصدر «قوة» الإمارات، والذي ظهر خلال هجوم «ألوية العمالقة» في شبوة، هو ذاته نقطة ضعفها. فالهجوم، وفق المعلومات، تم بتغطية نارية هائلة من مسيرات إسرائيلية، خاصة أن المناطق التي جرت فيها المعارك مكشوفة. وتعمل حركة «أنصار الله» حاليا على التأكد مما إذا كانت طواقم إسرائيلية قامت بتشغيل تلك المسيرات بصورة مباشرة، أم طواقم إماراتية دربتها إسرائيل. في الحالة الأولى، تبدي الحركة عزما على استهداف الكيان العبري بصورة مباشرة، الأمر الذي يثير ذعرا في تل أبيب، لمعرفة الإسرائيليين بأن من يضرب أبو ظبي يستطيع أن يضرب إيلات.

لكن في أي من الحالتين، يشكل التورط الإسرائيلي في الحرب، وخاصة في عمليات القيادة والسيطرة مثل الاتصالات والتشويش وغيرهما، خطرا على الإمارات نفسها، التي صار أمنها الذي طالما تغنت به، ويمثل ركيزة ازدهارها، رهينة لعبث المشاريع الإسرائيلية، وهو ما كانت أبو ظبي قد سعت للتخفيف منه، من خلال إرسال الموفدين إلى طهران وجهات أخرى معنية، قبل أن يحدث ما حدث في شبوة، والذي كانت ذريعته أن المديريات التي جرت السيطرة عليها من قبل «العمالقة» تتبع لجنوب اليمن وليس لشماله، على أساس ما يقول الإماراتيون إنه اتفاق ضمني مع صنعاء على خروج أبو ظبي من الحرب، مقابل عدم اقتراب «أنصار الله» من الجنوب.

لكن مسار التحركات الإماراتية، ميدانيا وسياسيا، يظهر أن الهدف الإماراتي هو مأرب وليس أي شيء آخر؛ فالمقاتلون الموالون لأبو ظبي، والذين انسحبوا من الحديدة قبل أسابيع، هم أنفسهم من قاتلوا في شبوة. أما على المستوى السياسي، فإن عمليات التقارب التي أطلقتها أبو ظبي قبل أشهر، وشملت خاصة تركيا، كان من ضمن أهدافها التمهيد لهذه المعركة بالذات.

ستعود «أنصار الله» قريبا إلى الهجوم مع تصميم على إكمال الطريق نحو مأرب مهما كلف الأمر

كان واضحا أن السعودية وصلت إلى طريق مسدود في اليمن، وباتت عاجزة بمفردها عن إحداث أي فرق. ولذلك، قام تحالف عالمي مواز، بقرار وقيادة (من الخلْف) أميركيين، وبمشاركة إسرائيلية نشطة، على أن تكون الإمارات رأس الحربة فيه، والمملكة خلفها. ومن هنا، وعلى رغم المجازر المرتكبة أخيرا، سارعت واشنطن إلى تجنيد العالم لخدمة العدوان وحماية أبو ظبي، وهذا دليل وهْن كبير في بنية الدولة الإماراتية، التي قد لا تحتمل ضربات متلاحقة من جانب «أنصار الله»، خصوصا أن الرد اليمني بقصف أبو ظبي ودبي، كان أكبر مما أعلن عنه سابقا وشمل صواريخ باليستية ومسيرات، وفق اعتراف المستشار الرئاسي الإماراتي، أنور قرقاش.

حاولت الإمارات، التي تشعر بأنها تورطت في ما لا قبل لها به، التعويض من خلال الإعلان عن وقف هجوم «العمالقة» في شبوة، إلا أن حركة «أنصار الله» كانت قد استوعبت الهجوم، وثبتت مواقعها الدفاعية، كما أجرت تقييما لما حصل وغيرت بعض التكتيكات حتى لا يتكرر، على أن تعود قريبا إلى الهجوم، مع تصميم على إكمال الطريق نحو مدينة مأرب، مهما كلف الأمر.

أما في ما يتصل بنقْل الحرب إلى داخل الإمارات، فإن الضربة التالية هي مسألة وقت فقط؛ ذلك أن لا شيء يمكن أن يحمي هذه الدولة من هكذا ضربات تعتبر مسألة يسيرة بالنسبة إلى «أنصار الله»؛ فلا «دواء» لهذا الأمر لا عند أبو ظبي، ولا لدى واشنطن التي تحتار في كيفية مواجهته في العراق، ولا بحوزة تل أبيب، علما أن الطائرات المسيرة تأتي من فوق البحر، ولا يمكن التقاطها قبل أن تبلغ أهدافها الإماراتية التي ينتشر الأكثر حيوية منها، مثل «برج خليفة»، بالقرب من الشواطئ، وهذا ما يرعب حكام الإمارات، كما أرعب من قبْلهم حكام السعودية، على رغم أن إمكانية الالتقاط والاعتراض في المملكة أكبر بكثير، وخاصة في المناطق البعيدة عن الشواطئ.

إذا، الحرب صارت حرب مسيرات، حيث لا تتفوق تل أبيب وواشنطن إلا بقدرة طائراتهما على إطلاق الصواريخ، أي زجها في المعارك كما حصل في شبوة، بينما تتوفر تقنية المسيرات المحملة بالمتفجرات والقادرة على الطيران مسافات طويلة، للجميع.

ومن هنا، يأتي الخطر على الإمارات، حيث سيكون ثمن تسليم أمن الدولة لإسرائيل باهظا جدا، فيما الأخيرة تسعى للإمساك بأمن دول مجلس التعاون كافة من البوابة الإماراتية، كبديل أو شريك للأميركي، مع أن ذلك سيؤدي إلى زعزعة استقرار تلك الدول، ليس بفعْل الاستهداف الخارجي لها فقط، بل أيضا من خلال استفزاز شعوبها التي لا يمكن سلخها عن محيطها بقرارات فوقية. وعلى رغم ما تقدم، يتوقع أن تتكثف صفقات السلاح بين عواصم خليجية وتل أبيب، خاصة في مجال الاعتراض.

جنت على نفسها الإمارات، التي لم تكن «أنصار الله»، في الأساس، في وارد إعادتها إلى المعركة بعدما خرجت منها، لأسباب كثيرة، بينها ما هو قبلي يتعلق بنسيج اليمن الداخلي، وخصوصا في مأرب، وبينها ما هو سياسي وعسكري يتصل بتحييد حلفاء الرياض.

وعلى رغم الاستنفار الأميركي لدعم العدوان، والذي عمل عليه السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، في البيت الأبيض والكونغرس، وأسفر عن اتصال أجراه وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، بولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، إلا أن الحركة الأميركية تظل مقيدة؛ ذلك أن التصعيد يتعارض تماما مع ما أعلنته إدارة جو بايدن من رغبتها في وقف الحرب، وإنهاء دعم «التحالف» بالأسلحة الهجومية، خاصة بعدما ثبت أن سلاح حركة «أنصار الله» يصنع في غالبيته محليا (يؤكد تقرير سري لمجلس الأمن الدولي، اطلعت عليه صحيفة «لوس أنجلس تايمز» الأميركية، أن الحركة تصنع معظم صواريخها باستخدام مواد محلية ومكونات أخرى تحصل عليها من الخارج، عبر شبكة معقدة من الوسطاء في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا)، كما أن قرارها ذاتي، وبالتالي فإن الحل الوحيد هو وضع نهاية للعدوان، وليس التفاوض الذي يمزج بين الساحات. وعليه، ستحتاج واشنطن، من أجل تحقيق هذا الهدف، إلى التفاوض مع اليمنيين وليس مع أي أحد آخر.

المصدر: جريدة الأخبار