بايدن نجح بالإطاحة بــ"عمران خان" ولكنه قد يدفع ثمنا باهظا لهذه الأسباب

بايدن نجح بالإطاحة بــ
الثلاثاء ١٢ أبريل ٢٠٢٢ - ٠١:٣٨ بتوقيت غرينتش

نجح الرئيس جو بايدن بالإطاحة برئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بطريقة "ديمقراطيّة أمريكيّة" ومن خلال حجب الثقة عن حكومته في البرلمان بفارق صوتين فقط.

العالم - مقالات وتحليلات

كما نجح بايدن في إحداث انشقاق بين صفوف حزبه، و"شراء" بعض النوّاب (12 نائبا) ودعم تكتّل المعارضة الذي يتزعّمه شهباز شريف شقيق الفاسد الأكبر نواز شريف، المدان بالفساد، وغسيل الأموال، وجرى الإفراج عنه بسبب تدهور أوضاعه الصحيّة.

الذّنب الأكبر الذي ارتكبه عمران خان في نظر الولايات المتحدة، والرئيس بايدن، الذي لم يهاتفه على الإطلاق منذ وصوله إلى البيت الأبيض، مكافحته للفساد، ودعمه للمقاومة الطالبانيّة، ضدّ الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وتوثيق علاقاته السياسيّة والاقتصاديّة مع الصين، ورفضه إدانة الاجتياح الروسي لأوكرانيا، والأهم من كل هذا وذاك مقاومة الضّغوط الأمريكيّة الجبّارة لتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وتوثيق علاقاته مع محور المقاومة بزعامة إيران، ورفضه طلبا بإرسال قوّات للمشاركة في حرب اليمن تحت راية التحالف السعودي الإماراتي، فالسيّد عمران كان من أكثر الدّاعمين للقضيّة الفلسطينيّة وأشرسهم دفاعا عنها، وفضحه العنصريّة الصهيونيّة وجرائمها عندما كان طالبا في جامعة أكسفورد.

***

بزعامته لحركة "الإنصاف" ورفعه شعار التغيير ولتأسيس باكستان الجديدة، استطاع خان أن يفوز وحلفائه بالأغلبيّة في انتخابات عام 2018 وتشكيل حكومة ائتلافيّة بالتالي، وكان أوّل قرار اتّخذه التخلّي عن طائرة الرئاسة الخاصّة، ورفض الإقامة في القصر الرئاسي، وتسريح 500 خادمة وطبّاخ وموظف، ترشيدا للنفقات والإصرار على الإقامة في منزله الشخصيّ البسيط، وعدم تكليف ميزانيّة الدولة “روبّية” واحدة.

رئيس وزراء بهذه المواصفات، ينحاز للفقراء، ويحارب الإقطاع الفاسد، الذي يمتصّ عرقهم، ويراكم المليارات في البنوك، من الطّبيعي أن يكون في مرمى الولايات المتحدة التي ترعى الفساد في باكستان، وتدعم العائلتين اللّتين احتكرتا الحكم في البلاد (بوتو وشريف) منذ استقلالها.

لا ينكر عمران خان أنه تلقّى مساعدة، ودعما، من الجيش والمؤسّسات الأمنيّة في بداية حكمه، وما العار في ذلك؟ فالجيش باكستاني، وليس أمريكيّا، أو صينيّا، ويشكّل مصدر القوّة الأساسي في البلاد، مثل معظم دول العالم الثالث، ولكنّه عندما اختلف مع بعض جنرالاته ورفض السّماح بإقامة قواعد أمريكيّة على أرض بلاده، لما تشكّله من خرق لسيادتها، وتحوّلها إلى “دمية” في يد واشنطن، حدث “الطّلاق”، وهذا موقف مشرّف في جميع الأحوال.

يركّز خصومه في المعارضة على ارتفاع معدّلات التضخّم إلى 10 بالمئة (التضخّم في تركيا 62 بالمئة)، وانخفاض نسبة النمو إلى ما فوق الصّفر بقليل طوال السّنوات الثلاث الماضية، وتراجع قيمة "الروبّية"، العملة الوطنيّة، حواليّ 12 بالمئة، ولكنّهم لا يتحدّثون عن دور وباء الكورونا الذي ضرب العالم كله، وأثّر على اقتصاديّات جميع الدّول، وينسون، أو يتناسون، أنه حقّق نجاحا غير مسبوق باتّباع سياسة “عدم الإغلاق الكامل”، وتجويع الناس حتى الموت ممّا أدّى إلى تخفيض حالات الوفاة بالوباء إلى حواليّ “30 ألف حالة فقط” من مجموع 220 مليون نسمة عدد سكّان باكستان باتّباع سياسة صحيّة ذكيّة وفاعلة.

الحرب الأمريكية على الرئيس عمران خان بدأت في السّنوات الأخيرة من إدارة الرئيس دونالد ترامب، لأنه رفض أن “يوظّف” قدرات باكستان العسكريّة والأمنيّة في محاربة حركة طالبان في أفغانستان، وإنقاذ الاحتلال الأمريكي “الناتوي” للبلاد من الهزيمة، وبدأت الخطوة الانتقاميّة العقابيّة الأولى بوقف مساعدات أمريكيّة سنويّة بحواليّ ثلاثة مليارات دولار، وجاءت الخطوة الثانية في تأليب الحركات الانفصاليّة الباكستانيّة، ودعم أنشطتها العسكريّة، ونحن نتحدّث هنا عن الحركتين الكبريين: الحركة البلوشيّة، وجماعة الطالبان البشتونيّة الباكستانيّة، وفوق هذا وذاك تنشيط فرع تنظيم “الدولة الإسلاميّة” “داعش” في باكستان.

***

المؤامرة الأمريكيّة لتخريب باكستان ونشر الفوضى الدمويّة فيها لن تمر، وإن مرّت لن تطول، وستنتهي بهزيمة كبرى، لأن قطاعا عريضا من الشعب الباكستاني سيتصدّى لها ويقاومها بقيادة خان، فالرجل يملك “كاريزما”، وشعبيّة كبيرة جدّا، اللهمّ إلا إذا جرى تدبير عمليّة لاغتياله، مثلما جرى لكل من ذو الفقار علي بوتو الذي حكم عليه بالإعدام بعد انقلاب عسكريّ قاده الجنرال ضياء الحق، الذي قتل أيضا نتيجة تفجير طائرته في الجوّ عام 1988.

الرئيس بايدن يتخبّط، ويضرب في كل الاتّجاهات مثل “الضّبع” الجريح، ولا نقول نمرا، وعمران خان اختار المعسكر الصّحيح (الحلف الصيني الروسي) حيث مصلحة بلاده وشعبه، ورفض الانخراط في المؤامرة الأوكرانيّة، وجاهر بموقفه بزيارة موسكو في اليوم الأوّل للحرب، وقاوم كل الضّغوط والتّهديدات لإدانه حليفه الروسي.. والأيّام بيننا.

رأي اليوم_ عبد الباري عطوان