اهالي الفوعة وكفريا.. ذكريات مؤلمة لمجزرة الراشدين التي لا تنسى

اهالي الفوعة وكفريا.. ذكريات مؤلمة لمجزرة الراشدين التي لا تنسى
الثلاثاء ١٩ أبريل ٢٠٢٢ - ٠٣:٢٥ بتوقيت غرينتش

ترفع "أم صالح" ابنة بلدة الفوعة في ريف ادلب التي غادرتها عام 2017، بصرها عن الهاتف المحمول وتتنفس بعمق، وتدعو الله بصوت خافت، وتعود لتأمل الصور، مستذكرة الجانب الأشد ألماً بفقدانها ابنها في مجزرة الراشدين، حين اصبحت حرية أطفال كفريا والفوعة دما بغدر الارهاب، لا زالت تنتظر طفلها وسط عالم أخرسه الحقد والتيه عن مجزرة العصر بحق الطفولة البريئة، فيما المتهمون يحاولون غسل أيديهم من الدماء بماء الكذب الذي اعتادوه دون ان يفلحوا هذه المرة.

العالم – قضية اليوم

رغم المشهد الدموي الذي كان يحيط بها عقب التفجير، يذهب حديث تلك السيدة عن ابنها البكر صالح ورحلة البحث عنه بين جثث ضحايا التفجير، لم يحضر ذهنها ذلك المشهد المؤلم بقدر ما يحضر الحديث عن صالح ابن الأربعة عشر ربيعاً.

لازالت تلك السيدة تبحث أملاً يعيد لها ابنها المختطف، تتأمل صوره وتتحدث عنه كما لو أنه حاضرا بين أفراد عائلته وتؤكد " لم تغب الغصة عن قلوبنا رغم مرور كل هذه السنين، ابني البكر اختطف وهو بعمر 14 عاماً واليوم أصبح 19، قضى خمس سنوات بعيد عن عائلته ولا نعلم فيها عنه شيء ". حيث لا يزال مصير أكثر من 150 شخصاً من عوائل البلدتين ممن كانوا في قافلة الراشدين مجهولاً، والمعلومات المتوفرة بأنهم اقتيدوا إلى تركيا بعد اختطافهم عقب التفجير.

في ذلك اليوم من نيسان عام 2017، طغى التفجير الإرهابي الذي استهدف قافلة أبناء كفريا والفوعة في ضاحية الراشدين في حلب، على كل ما سواه من تطورات في الحرب السورية. وفضلاً عن عدد الشهداء الكبير الذين قضوا من جرّاء الاعتداء الذي وقع، والذي ارتقى فيه 150 شهيد على الأقل، لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه، وشكلت هذه المجزرة صندوق بريد دموي يحمل رسائل سياسية. واليوم بعد مرور خمس سنوات على التفجير، ترجح التحليلات ان خلاف الجهات الاجنبية الداعمة للجماعات المسلحة والارهابية على التحكم بمسار الحرب المفروضة على سورية، كان أحد أسباب هذه المجزرة.

في الذكرى الخامسة للتفجير، لم يلتئم جرح عشرات العوائل المهجرة من بلدتي كفريا والفوعة في إدلب رغم مرور خمس سنوات على جريمة كانت الأشد دموية في تاريخ الحرب السورية ضد سكان البلدتين، لا يزال ذلك المشهد وما أعقبه حاضراً في الذاكرة، ويؤكد انه كان مصداقا عقليا على ان " لا امان ولا ميثاق ولا التزام عند المجموعات الارهابية، ولا ضمانات دولية. ابتزوا الخارجين من الفوعة وكفريا لساعات انتظار طويلة في حي الراشدين"، هذا ما قاله الصحفي جميل الشيخ مراسل قناة العالم، والذي كان محاصرا في الفوعة، في مشاهد نيسان الأليمة، حين فجر انتحاري سيارة كبيرة، استبدل المواد الغذائية فيها بالمواد المتفجرة، فسقط عشرات الشهداء والجرحى والمخطوفين، فكان درب الالام الذي سلكه الأهالي الخارجين من حصار، لا يوازيه حصار في تاريخ الحروب، ليخرجوا للتفجير الذي اسقط كل القوانيين الدولية والإنسانية، مع سقوط الطفل المدلى جثة متفحمة من حافلة ركبها وأهله على سبيل نجاة من ارهاب ما رعى عهدا، ولا حرمة لأطفال ونساء وعجز أقعدتهم سني الحصار الظالم لسنوات، هنا يصمت الصحفي جميل الشيخ ويضيف، " كلما أتذكر ما حل بقافلة الأهالي في الراشدين ينتابني الحزن الشديد وتخيم علي حالة من الإحباط واليأس ممزوجة بالخوف تارة و تارة أخرى بالغضب والاستفزاز، وأشعر بعظامي وكأنها بدأت تتكسر وبعروقي وكأنها تتقطع ونياط قلبي تبدأ بالتمزق" ينتفض جميل بحركة غير ارادية ليقطع مرور شريط تلك الذكريات الأليمة.

إن ذكرى التفجير وفي كل عام تؤكد ان لا راشد بين هؤلاء الارهابيين، مسلحين ورعاتهم الحاقدين من عرب واقليميين ودوليين، أخلوا باتفاق كان يفترض ان يتم منذ أيام، فاحتجزوا باصات أهالي كفريا والفوعة عند منطقة الراشدين في ريف حلب، مؤخرين اتفاقا وافقوا عليه، قبل ان ينقلبوا على بعضهم، فكان ديدنهم غدرا، وقتلا للعشرات من أطفال ونساء كفريا والفوعة. هذا بعض ما ذكرته زينب الحسن ( موظفة 38 عاما ) والتي كانت محاصرة في الفوعة، تستذكر ذلك اليوم، قائلة " كان اهلنا محتجزين من قبل الارهابيين بمحطة الراشدين، خرجت يومها الى الشارع لأسمع الأخبار" وتتابع الحسن " كان يوما ثقيلا على الجميع، سمعنا أصوات رصاص في كل ارجاء القرية، واصوات بكاء وعويل وركض في الشوارع، ركضت ابحث عن خبر، حتى ظهر امامي جارنا، واخبرنا انه فجرو الباصات بالراشدين، ووقع على الأرض وهو يبكي" وأضافت الحسن " كانت الفيديوهات تعرض أشلاء واجساد اولادنا ونسائنا ورجالنا، بعد ان غدروا فيهم وحرقوهم بنار الحقد والإرهاب، لم اكن اصدق، هل هذه الجثث المتفحمة لأهالي الفوعة وكفريا؟ هل ما حصل حقيقة؟ بلحظة التفجير لم يبقى اي معنى للحياة".
لم يمنع التفجير الإرهابي دون إتمام اتفاق المدن الأربع، إذ وصلت الحافلات التي تقل قرابة خمسة آلاف من أبناء كفريا والفوعة إلى مركز جبرين في حلب، ليختم درب الآلام الذي سار فيه أهل كفريا والفوعة على درب الجلجلة السوري، والجميع في انتظار كشف مصير أكثر من 150 مواطن من أهالي الفوعة معظمهم من الأطفال، اختطفتهم المسلحون بعد التفجير مباشرة، واقتادوهم إلى مكان لا تزال عوائلهم تجهل فيه مصيرهم حتى هذا اليوم.

حسام زیدان