'المنطقة الآمنة' .. صفقة تآمرية تركية أمريكية جديدة على سوريا

'المنطقة الآمنة' .. صفقة تآمرية تركية أمريكية جديدة على سوريا
الثلاثاء ٢٤ مايو ٢٠٢٢ - ١٢:١٥ بتوقيت غرينتش

منذ فرض الحرب الظالمة على سوريا، وفي كل عام تقريباً، تنشغل وسائل الاعلام بتصريحات الرئيس التركي عن المنطقة الامنة شمال سوريا، وتبدأ بتدقيق الحسابات في الحقل التركي والبيدر الأمريكي، وتراكم تلك الوسائل الأخطاء السياسية والعسكرية للرئيس التركي، الذي يتوه في تحديد الجغرافيا والمواعيد وحتى التاريخ، عبر عملية ابتزاز واضحة للمجتمع الدولي ان كان بورقة اللاجئين السوريين الإنسانية، وصولا الى وقوفه في وجه انضمام دول الى حلف الناتو، واستغلاله للحرب في أوكرانيا لتمرير اهداف تكتيكية صغيرة واستراتيجية كبرى. 

العالم - كشكول

الحديث التركي الجديد عمّا يسميه المنطقة الآمنة، ترتبط بمصالح اردوغان المباشرة، وتقصر وتطول، تتعدّل وتتبدّل، وأحياناً كثيرة تتأجل وتُسحب من التداول، بحسب ظروف الاتفاق والاخلاف مع الأمريكي، وقبل البحث بما ينوي التركي تنفيذه في الشمال السوري، يجب ان نبحث عن ما تم الاتفاق عليه مع الأمريكي في نهاية المطاف، كون تلك العلاقة بين الطرفين فيما يخص سوريا، تنتمي لعالم الابتزاز ذو المساحة الواسعة، ويندرج تحت حساب التمنيات والاوهام والاحلام لكلا الطرفين، وتراعي العلاقة أيضا أطماع وحسابات كل طرف، وهذا ما يفسر الحراك الأمريكي باتجاه مناطق سيطرة القوات التركية وحلفائها في الشمال السوري، قبل اعلان اردوغان عن العملية العسكرية المرتقبة، حيث اكدت المعلومات ان اجتماعات عدة عقدتها القوات الامريكية مع الاتراك في مناطق شمال البلاد، الأول عبر وفد عسكري واستخباراتي امريكي دخل الى الشمال السوري وقادم من تركيا، وكان يرافقه وفد عسكري تركي، تزامن دخول هذا الوفد مع دوريات جوية امريكي وتركية مكثفة، حتى وصل الوفدان الى مدينة اعزاز في ريف حلب، وعقدوا هناك اجتماعا موسعا استمر لساعات قبل ان يغادر الوفد الأمريكي المنطقة عبر نفس الطريق الذي دخل منه، اما المحور الثاني فكان وفد امريكي قد وصل الى منطقة عزاز في ريف حلب، لكن هذه المرة كان قادما من مناطق سيطرة قسد، وعقد اجتماعا مع ضباط اتراك، هذه التحركات الامريكية التركية، سبقها بأيام، عودة الخطوات التوسعية الامريكية، وإعادة انتشار قوات عسكرية تابعة للأمريكي في مناطق انسحبت منها قبل سنوات، ومنها منطقة خراب عشق في ريف عين عرب في ريف حلب، وإعادة تأهيل مهبط طائرات مروحية في المكان، وتجهيز المنطقة كقاعدة عسكرية، والتي تقع على تلة مرتفعة ومشرفة على مناطق سهلية واسعة تصل الى حدود نقاط التماس بين الاكراد والأتراك،. بالتوازي مع عودة معمل الاسمنت التابع لشركة لافارج الفرنسية للعمل وتحت الحماية الامريكية في تلك المنطقة، بعد استثناءات لقسد من قانون قيصر.

اما على المستوى السياسي، فمازالت المشاورات الامريكية التركية حول سوريا مستمرة، ضمن صيغة الألية الاستراتيجية التركية الامريكية لتأكيد التعاون القوي بين الحليفين، وحتى على مستوى وزراء الخارجية، جميع المتابعين للشأن التركي يؤكدون ان اللقاء الذي جمع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، ونظيره الأميركي أنطوني بلينكن، في نيويورك، والتي ناقشت ما يخطط له النظام التركي من اعتداء جديد على الأراضي السورية، وما يسمى بالمنطقة الامنة.

الا ان ما يجري من خلال التجربة الطويلة مع العدوان التركي والامريكي على سوريا، ما هو الا بالون اختبار، يجربه الأمريكي والتركي في وجه روسيا والدولة السورية، ووفق معطيات اطماعهم، فإن ما يجري هو قمة التناقض في فهم الحيثيات التي تحكم بنك الأهداف الخاص بالأمريكي او التركي، فالأمريكي في الوقت الراهن غير مستعد للتضحية بقسد، من اجل إرضاء التركي، ولا حتى التركي مستعد ان للتخلي عن ارهابه المنظم، في ظل الاستعصاء السياسي الدولي والإقليمي، وبالذات الحرب الأوكرانية وقضايا الناتو، والطرفين الأمريكي والتركي يعلمان جيدا، ان ما يجري هو مشهد مؤقت سوف ينسف، وهذا التنسيق بينهما لا يمكن الاتكاء عليه او المراهنة على استمراره، خصوصا ان المراحل السابقة من الحرب، عمقت الشرخ القائم بين الأمريكي والتركي.

إن كل ما يهدد بده اردوغان لا يتعدى نطاق أفكار، سوف تتعدل وتتبدل، ويتراجع الوهم التركي بقدرته على فرض منطقة امنة في شمال سوريا، بكل تلك السهولة، فالامريكي الذي باع مرتزقته سابقا، غير جدير بالثقة، وفي موسم الصفقات السياسية، وازدهار عمليات البيع والشراء السياسي على المستوى العالمي، يبدو ان الثمن مغر، في موسم يتشكل فيه نام إقليمي ودولي، وتغدو الحرب على اكرانيا هي الأكثر قدرة على خطف الأضواء بالتحالفات والتكتلات والمراهنات السياسية، مع الالتفات الى ان الصمت الروسي عن تصريحات اردوغان والمنطقة الامنة، باتت تحتاج قاموسا سياسيا لفك الغازها، فهل كان الثمن يندرج تحت بند الغاء عقوبات قيصر عن مناطق تسيطر عليها تركيا في شمال سوريا، والسعي لتحقيق وهم المنطقة الامنة، مقابل التفاهمات الامريكية التركية في مقابل موقف واضح لتركيا من الحرب الروسية على أوكرانيا، وانضمام بعض الدول لحلف الناتو، بعد الانفتاح التركي على روسيا، ولملمت التوتر في العلاقات الامريكية التركية، ومحاولة فتح الأبواب المغلقة بين اردوغان وبايدن.

يدرك التركي جيدا، ان الأمريكي لا يمكن ان يستمر في المنحى السياسي ذاته، وتتغير اطماعه بشكل مستمر، وان السعي لتحقيق أوهام التركي، عبر التوافق مع الأمريكي حول العدوان الجديد على سوريا، ما هو الا هلوسات سياسية، ستثبت الأيام انها عبارة عن حبر على ورق، ولن تفيد اردوغان في مشروعه الانتخابي الجديد، وان الدخول في حرب، بمساندة حليف متقلب كالأمريكي، ومواجهة خصمين عنيدين كروسيا وايران، وجيش تمرس على حرب طويلة الأمد كالجيش السوري، لن يمر كما يتصور البعض في الإقليم والعالم.

*بقلم حسام زيدان