تركيا تقطف ثمار اقتتال المسلحين وتعيد هيكلتهم بريف حلب

تركيا تقطف ثمار اقتتال المسلحين وتعيد هيكلتهم بريف حلب
الأحد ١٩ يونيو ٢٠٢٢ - ٠٢:١١ بتوقيت غرينتش

على غرار تصاعد الحرارة قياسيا في الأحوال الجوية السائدة في سوريا، أيام عالية الحماوة في شمال غرب البلاد، وتحديدا في المناطق التي يسيطر عليها الجيش التركي والمجموعات المسلحة المدعومة منه، حيث جولة من المعارك، واعلام جبهة النصرة يشير الى تقدمها في عدد من التلال وسقوط مناطق كثيرة في ريف حلب بيدها.

العالم - كشكول
الاقتتال الذي تشهده ارياف حلب وادلب بين حركة احرار الشام من جهة، والجبهة الشامية من جهة أخرى، ليس عابراً ، فهو نتيجة جولات سابقة وخلافات تأتي في سياق "معركة تنفيذ اجندات اقليمية" تعود جذورها إلى سنواتٍ خلت، ميدانيا، عقدت المخابرات التركية في عفرين اجتماعا موسعا مع قيادين من فصيلي تحرير الشام والجبهة الشامية، بحضور عدد من قادة المجموعات المسلحة الموالية لتركيا في الشمال السوري، وتوصلوا الى اتفاق مبدئي يقضي بوقف القتال بين الطرفين، الضباط الأتراك ألزموا قيادات الفصيلين بوقف القتال نهائياً، وبأن تُعيد "الجبهة الشامية" كافة المناطق التي سيطرت عليها خلال الاقتتال إلى "أحرار الشام"، في مقابل التزام الأخيرة بإعادة مسلحي "النصرة" وباقي مسلحيها الواصلين من ريف إدلب، إلى مناطق سيطرتهم. بحسب مصادر إعلامية. الا ان الهدوء كُسر، والهدنة خُرقت اكثر من مرة بين تلك المجموعات، بعد ان اختطفت جبهة النصرة كافة أوراق القوة وخلطت كل موازين التحالفات في الشمال، برضى تركي، ليستمر توسع النصرة لتتمكن من السيطرة على قرية قرزيحل بريف عفرين، وصولاً إلى أطراف قرية الباسوطة.

وبعيداً عن التفاصيل المتشابكة لهيكلية المجموعات المسلحة، وتوزع مناطق الاشتباك بينهم، وترتيبات خارطة السيطرة التي تشهد تغيرات مستمرّة، تفتح المعارك الأخيرة الباب على مصراعَيه أمام تنفيذ الجولاني لحلمه لقضم ريف حلب الشمالي واخضاعه لسيطرته، لخرج تركيا وجبهة النصرة المستفيد الأكبر من حالة الفوضى والاقتتال بين المجموعات المسلحة، بعد ان وجدت تركيا ان جبهة النصرة أداة مناسبة للتخلص من المجموعات المسلحة، التي أصبحت عبءً عليها في مناطق ريف حلب، بعد ازدياد حالات الفلتان الأمني فيها، بالإضافة الى ازدياد الطلبات المالية لتلك المجموعات، لتكون جبهة النصرة بالنسبة لتركيا هي المخلص، كونها الجماعة الأكثر قوة، والمكتفية بالتمويل الذاتي، وتحقق مصالح تركيا في عدة اتجاهات. هذه الفكرة لم تكن وليدة يوم وليلة، بل بدأت منذ ان وضع الاتراك وجبهة النصرة سيناريو، لخداع الدول الضامنة في استانا واظهاره كشخصية معتدلة وتصنيف ارهابيه كقوة معتدلة في ادلب، في المرحلة الأولى من السيناريو، كان توحيد المجموعات المسلحة في ادلب تحت سلطة جبهة النصرة، واصدر الجولاني تماشيا مع هذا السيناريو، قرارا طلب فيه من كل الإرهابيين الأجانب مغادرة ادلب مع عوائلهم، واختار مع الاتراك مناطق محددة في ريف حلب بعيدة عن الحدود التركية، وعن مناطق المجمعات السكنية التي تقيمها تركيا لإعادة اللاجئين السوريين من تركيا، لتأتي المرحلة الثانية وهي دمج المجموعات المسلحة في شمال وشمال غرب سوريا تحت ظلال الاتراك، وتنصهر في بوتقة واحدة، بعد عملية تنظيف شاملة لكل المجموعات المسلحة، لتشكل بيئة عسكرية وإعادة هيكلة، على غرار إعادة هيكلة الجسم السياسي للائتلاف المعارض في تركيا، ما يؤسس لاستكمال مشروع تركيا بنشر تلك القوات على الحدود التركية السورية، واستكمال مشروع إعادة التوزيع الديموغرافي وخلق الشريط السكاني الموالي لتركيا في تلك المنطقة، تمهيدا لفصلها عن سوريا وضمها.

هنا برز ما يعطل هذا المشهد الذي رسمه الاتراك، فالتأزم التركي كان بالاستعصاء بتنفيذ ما تقدم، حيث توجه نحو سياسة الأبواب المفتوحة، ليجعل من كل الاحتمالات قائمة، لتظهر ما تسمى بالجبهة الشامية، في مواجهة المشروع، هذه المجموعة المتحالفة مع عدد من المجموعات المسلحة وابرزها ما يطلق على نفسه اسم جيش الإسلام الذي كان ينشط في الغوطة الشرقية بريف دمشق، ويشكلوا ما اسموه الفيلق الثالث، هذه المجموعة مع اتباع ما يسمى بجيش الإسلام شكلوا وحدة مناهضة للمخطط التركي، بفرض جبهة النصرة سطوتها على المجموعات في ادلب تمهيدا لدمج جميع المجموعات المسلحة في جسم مسلح واحد، وبدأت المناوشات مع اكثر المجموعات المسلحة، التي تشكل الذراع الضاربة للمخابرات التركية في الشمال السوري، وبالذات ما تسمى مجموعة سليمان شاه، في الوقت الذي توصلت هذه المجموعة لعدد من التفاهمات مع جبهة النصرة فيما يخص ريف حلب، ما اثار حفيظة الجبهة الشامية. وهنا أيضا يجب ان نذكر تعاون الجبهة الشامية مع القوات الامريكية، وظهر ذلك جليا في مسرحية الانزال الأمريكي في محيط جرابلس، لتتراكم تلك العوامل، وتستدعي تدخل جبهة النصرة في الخلاف القائم بين الجبهة الشامية واحرار الشام، وتقاتل الى جانب أحرار الشام، اما عبر ارسال مسلحين يرفعون علم احرار الشام على عدة مناطق، او دخولها المباشر وسيطرتها الهادئة على مناطق انسحبت منها ما تسمى الجبهة الشامية او احرار الشام، وبالذات المعابر الحدودية والتجارية، التي تشكل مركز ثقل اقتصادي للجبهة الشامية، في محاولة لاضعافها اقتصاديا بالإضافة الى البعد الأمني والعسكري، وكل ذلك يصب في مصلحة الاتراك أولا ومشروعهم، كون ما يجري من اقتتال بين الاخوة الأعداء في ريف حلب وادلب، ستستغله تركيا لتوحيدهم في مواجهة الدولة السورية. بالإضافة الى ذلك لا ننسى البعد الثأري بين جبهة النصرة وجيش الإسلام، بعد معارك طاحنة كانت بينهم في الغوطة الشرقية قبل سيطرة الجيش السوري عليها، وهنا يكمن البعد الخاص لكل فصيل في هذه المعارك بين المجموعات المسلحة في الشمال السوري.

بالتأكيد فإن من يقطف ثمار كل ما يجري في الشمال هو التركي ومن خلفه جبهة النصرة، ثمار التمدد في ريف حلب، او تجميع الفصائل الصغيرة المتناثرة في جسد عسكري في مواجهة الدولة السورية، تحت ضغط ان الخيارات امامها ضيقة وتنحصر بالعباءة التركية، او التفكك والاندثار.

* بقلم حسام زيدان