رقص أمريكي على حبل تمكين الجولاني في ادلب

رقص أمريكي على حبل تمكين الجولاني في ادلب
الأربعاء ٢٢ يونيو ٢٠٢٢ - ٠٢:٤٨ بتوقيت غرينتش

ذخائر إخبارية كثيفة تطلق حممها في ساعات حساسة يعيشها الشمال السوري، ما قبل سريان التهديد التركي بالعدوان على مناطق شمال البلاد، حيث نشطت تحركات الجانب التركي لوقف اقتتال المجموعات المسلحة، بعد تسهيل سيطرة جبهة النصرة على بعض المعابر الحدودية، ومناطق في ريف حلب، ليأتي دور مراكز الدراسات والأبحاث الامريكية، لتضع باقي مساحيق التجميل على جرائم الجولاني وجماعته، واكمال مشهد تصديره كـ"معتدل"، استكمالا لمحاولة الاتراك تفويضه بشؤون الشمال السوري، ودمج باقي المجموعات المسلحة مع جبهة النصرة في كيان موحد.

العالم -كشكول

إن مراكز الدراسات والأبحاث، تستهلك جل وقت الدول والأنظمة والحركات السياسية والمفكرين، وتصبح بمقدار معين، وسيلة لتكريس شرعيه صنع القرار في الدول، هذا ما يفعله معهد واشنطن، حيث كشف عن تقرير أعده المعهد، عن اتصالات بين جبهة النصرة والإدارة الامريكية، بهدف بناء علاقات صداقة، ولفت التقرير إلى أن نشاط جبهة النصرة الإرهابي، شمل التواصل مع الولايات المتحدة، ونقل عن المبعوث الخاص السابق لواشنطن أن جبهة النصرة استخدمت اتصالات سرية من أجل بعث رسالة إلى المسؤولين الأميركيين وهي: "نريد أن نكون أصدقاءكم.. نحن لسنا إرهابيين.. ولا نشكل تهديداً لكم". واعتبر المعهد في تقرير أنه منذ ذلك الحين، تحولت جبهة النصرة من منظمة "جهادية بحتة" إلى "هيكل حكم أولي يسيطر بنشاط على الأراضي ويحافظ عليها من أجل الاحتفاظ بالسلطة السياسية".

إن معظم ما اعتمد عليه معهد واشنطن في تقريره، كانت تصريحات للمبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جيمس جيفري، والتي اطلقها في منتصف العام الماضي، حول تواصُل جبهة النصرة وأبو محمد الجولاني تحديداً، مع الإدارة الأميركية خلال العامَين الفائتَين، وأشار في حينه إلى أن واشنطن تجد جبهة النصرة الخيار الأقلّ سوءاً من بين الخيارات الكثيرة في إدلب، مشدّداً على أن الولايات المتحدة ترغب بـ"إبقاء الوضع في إدلب على ما هو عليه، بشكل مستدام"، هذا الامر ترافق مع جهود حثيثة من قبل الجولاني لشرعنة مجموعته الإرهابية المسلحة في ادلب، حيث تسانده بذلك مجموعة كبيرة من المنظمات الغربية، ومراكز الدراسات والأبحاث، ودوائر صنع القرار في المخابرات البريطانية والأمريكية، وعلى رأسها "مجموعة الأزمات الدولية"، والتي حثت واشنطن على: "البحث عن طرق لكي تثبت المجموعة ( المقصود جبهة النصرة) من خلالها أنها شريك شرعي، وأن بإمكانها التخلص من ماركة الإرهاب".

كل تلك المعطيات وغيرها، لم تشكل أي حرج لجبهة النصرة من تغير جلدها العقائدي او السياسي، فهي حاضرة كلما احتاجت المرحلة السياسية الامريكية لذلك، واثبت الجولاني ( البرغماتي حتى النخاع) انه على مر مراحل عديدة انه الاقدر على ضبط التناقضات داخل تنظيمه الإرهابي، وكان اهم تلك المراحل، فترة الانفصال الشكلي عن تنظيم القاعدة، والعمل على تشكيل جسم سياسي للنصرة، ليتماشى مع الدعوة لفصل التنظيمات المتطرفة عن ما اسموها بالمعتدلة، في هذه المرحلة بالذات كانت الفرصة الحقيقية للجولاني، لفتح علاقات جديدة، مع المخابرات البريطانية والأمريكية، ما يدعم علاقاته العميقة مع المخابرات التركية، هذه المرحلة اتسمت بعدة ميزات كان ابرزها، تقديم التطمينات لواشنطن عبر الوشاية بقادة جماعته المتطرفين، والذين لم يلتزموا بتغير الخطاب الديني، وجميعنا يذكر استهداف الطائرات الأمريكية في أيلول 2019، لموقع عسكري لقيادة جبهة النصرة في مزارع بروما، بين بلدتي كفريا ومعرة مصرين شمال إدلب، جاء طبقاً للإحداثيات التي قدمها زعيم جبهة "النصرة أبو محمد الجولاني، فالمعلومات المؤكدة انه سلم الأمريكيين إحداثيات المقر، أثناء اجتماع لقادة من النصرة كانوا اتخذوا قراراً بالانفكاك على جبهة النصرة، استجابةً لضغوط تركية، وصولا الى الإبلاغ عن قادة داعش المتخفين في مناطق سيطرته، ما ساعد القوات الامريكية بتنفيذ عمليات اغتيال كثيرة، وكان ابرزها، عملية الانزال الجوي التي قتل فيها زعيم تنظيم "داعش" أبو إبراهيم القرشي، الذي كان يختبئ في منطقة تبعد مئة متر عن مقرات جبهة النصرة، في بلدة أطمة السورية الحدودية مع تركيا. والفكرة الأهم كانت عبر التحول نحو العمل المدني الخدمي والتجاري، ليخرج بمظهر الاستقرار الاقتصادي في مناطق وجوده، بعد سيطرته على كل أنواع التجارة ومنها النفط التي يحصل عليه من مناطق تواجد القوات الامريكية في شرق سوريا، عبر طرق تهريب خاصة، ما ساعده في الإيحاء بأنه الاقدر على ضبط الأوضاع في منطقة ادلب وريف حلب.

اذا ما خرج عن معهد واشنطن ما هو الا عملية مبرمجة منذ الاقتتال بين داعش والنصرة، وخروج الجولاني من عباءة داعش، عام 2014، وتبلورت بشكل فعلي في عقلية المخابرات التركية ومعها الامريكية منذ 2016، عند التوافق الإقليمي الدولي، على مناطق خفض التصعيد في شمال سوريا، وضمن الاتفاق كان فصل الإرهابيين وانهاء ظاهرة المسلحين الأجانب في شمال سوريا، لتخرج حينها الولايات المتحدة الامريكية وتركيا بمصطلح المجموعات المعتدلة، ويأتي دور جبهة النصرة والجولاني في المرحلة التالية للهجمات الإرهابية والقتل وسفك دماء السوريين، الا مرحلة توطيد حكم الجولاني في ادلب، واظهاره بمظهر المعتدل الذي بدل خزانة ملابسه وارتدى الملابس على المقاس الأمريكي.

* بقلم حسام زيدان