بعد إقرار الدستور الجديد..

توازنات سياسية لا تتغير واخطاء هيئة الانتخابات تهدد بنسف نتائج الاستفتاء 

توازنات سياسية لا تتغير واخطاء هيئة الانتخابات تهدد بنسف نتائج الاستفتاء 
الأحد ٣١ يوليو ٢٠٢٢ - ١٠:١٧ بتوقيت غرينتش

وضعت عملية الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد الذي طرحه الرئيس التونسي قيس سعيد اوزارها في تونس بعد أكثر من شهرين على انطلاقها مسفرة عن إقرار ثالث دستور للبلاد منذ استقلالها بأغلبية ساحقة بلغت 94.60 بالمائة 

العالم - مقالات وتحليلات

حيث صوت أكثر من مليونين وست مائة ناخب لصالح مشروع الدستور الجديد من اجمالي مليونين وثماني مائة ناخب شاركوا في الاستفتاء داخل البلاد و خارجها بنسبة مشاركة في حدود 30.5 بالمائة حسب أرقام هيئة الانتخابات.

وما ان أعلنت هيئة الانتخابات النتائج الأولية للاستفتاء حتى انطلقت حملة تشكيك فيها اجمعت عليها أحزاب المعارضة من الطرفين الرئيسيين فيها وهما؛ جبهة الخلاص و تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية ، تم البناء على ارتفاع نسبة العزوف عن الاستفتاء التي بلغت 70 بالمائة من الجسم الانتخابي للدفع بفشل الاستفتاء وسقوط مشروع الدستور المستفتى عليه بالتبعية.

طالب احمد نجيب الشابي رئيس جبهة الخلاص الرئيس قيس سعيد بإخلاء منصبه وفسح المجال لاجراء انتخابات رئاسية و برلمانية مبكرة.

مواقف حادة لم تخف صدمة المعارضة وحيرتها فقد جدد أكثر من مليونين ونصف المليون ناخب ثقتهم في قيس سعيد وهو عدد ضخم يقارب عدد الذين صوتوا لفائدته في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية سنة 2019 ويؤكد استمرار شعبيته رغم كل الهزات التي عرفتها فترة حكمه .

اقرت نتائج الاستفتاء التوازنات السياسية الأساسية الموجودة منذ اتخاذ الإجراءات الاستثنائية في الخامس والعشرين من جويلية حيث طرفان اساسيان يتنازعان المشهد السياسي أحدهما السلطة ممثلة اساسا في الرئيس قيس سعيد و آخر المعارضة بشقيها جبهة الخلاص و تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية.

ومما يثير توجس المعارضة أيضا دعوة قيس سعيد رئيسة الحكومة نجلاء بودن لاعداد مشروع مرسوم المحكمة الدستورية وآخر للقانون الانتخابي حيث تتخوف اطراف حزبية على غرار حركة النهضة و الحزب الدستوري الحر من اصدار قانون انتخابي يقلص حظوظها.

إذ حذرت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي الرئيس قيس سعيد من سن قانون بهذا الاتجاه واعتبرت ان حزبها يتصدر نوايا التصويت في الانتخابات منذ أشهر وان خزانها الانتخابي يتجاوز المليون ناخب

ومن المنتظر ان يذهب الرئيس سعيد قدما لتنفيذ مشروعه السياسي رغم كل اللغط المثار حوله خاصة التوجه نحو إقرار ما يسمى بمجلس الجهات والاقاليم كما ينص على ذلك الدستور الجديد وغياب توضيح رسمي لمنهجية عمل هذا المجلس وعلاقته بالمجلس التشريعي.

وخاصة ترتيبات انتخاب أعضائها وما يطرحه هذا الغموض من مخاوف لدى النخب السياسية وايضا مجموعات النفوذ المالي في البلاد والتي تمسك بجزء لا يستهان به من خيوط اللعبة السياسية في البلاد.

يمضي قيس سعيد في تنفيذ تصوراته للحكم ولا تثنيه في ذلك بيانات القوى الكبرى بما في ذلك الولايات المتحدة و أوروبا المنتقدة لمسار الاستفتاء على الدستور والتي اعتبرت ان الدستور الجديد لا يتضمن آليات فعالة لحماية الديمقراطية والحريات معبرة في ذلك بشكل ضمني عن توافقها مع طروحات المعارضة التونسية .

ويتمترس قيس سعيد وراء شعبية ملحوظة له وخاصة وراء مزاج عام مستعد لقبول اي خيار للحيلولة دون عودة منظومة الحكم السابقة إلى الواجهة من جديد لكن الوضع الاقتصادي المتردي للبلاد وغياب حلول ناجعة لإنقاذ الاقتصاد وتحسين المستوى المعيشي لغالبية التونسيين المتضررين من الأزمة الاقتصادية المتواصلة منذ سنوات قد يقلص في أي وقت من هذه الشعبية وربما يقود نحو توترات اجتماعية غير محسوبة العواقب.

وفيما تخوض السلطات مفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على تمويلات للميزانية تتعاظم المخاوف مما قد يتم تقديمه من تنازلات للجهات المانحة على حساب المقدرة الشرائية للمواطن التونسي.

ومع رفض الاتحاد العام التونسي للشغل الانخراط في أي اتفاق يجمع السلطات التونسية بصندوق النقد ستضطر الحكومة إلى تحمل عبئ اي اتفاق منتظر في هذا السياق لوحدها فيما سيكون على قيس سعيد مواجهة الغضب الشعبي المحتمل في حال انحدار الأوضاع الاجتماعية نحو الأسوء.

في المحصلة فإن محددات المرحلة المقبلة في تونس اقتصادية اجتماعية بالأساس وعلى ضوئها ستتوضح معالم المشهد السياسي لفترة ما قبل الانتخابات البرلمانية المنتظرة و المقرر اجراؤها في السابع عشر من ديسمبر المقبل.

منيرة شريفي _ تونس